السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من وجد منكم «عبد الله» فليعطه رقم هاتفي وعنواني

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أشخاص مهمة نحتاجهم في حياتنا، كانوا موجودين في وقت ما، لكننا استيقظنا فلم نجدهم.. رحلوا دون أن يعطونا فرصة للنقاش معهم أو حتى وداعهم.. أو معرفة سبب رحيلهم.. أبا كان ملاذا وملجأ وحائطا نستند عليه.. أم كانت قبلة صلاة وواحة دفء، حبيب أو حبيبة.. ونس درب في رحلة صعبة.. وشخص مثل عبد الله ابن مروان.

هذا الأخير الذي أبحث عنه ويبحث الكثير عنه في حياتهم، ذلك الذي يظهر في مسلسل الحياة الطويل لحظات معدودة ثم يعاود الاختفاء ويظهر كلما اقتضت الحاجة، وبرغم أن ظهوره ليس كظهور الأبطال في حياتنا إلا أنه بدونه تكون مشاهد المسلسل غاية في الصعوبة، بدونه لا يستمتع الجمهور.. لا يصفق ولا يبكي متأثرا. 

أعرف أنكم الآن تتساءلون من عبد الله ابن مروان؟ هو ليس اسم بقدر ما هو فعل، فمن الممكن أن يتغير اسمه في كل ظهور، أو حتى يتغير عمره أو ملامحه لكن قوله لا يتغير.

رأيته ذات يوم في حصة اللغة العربية حينما هم المدرس بضربي ظُلما على خطأ لم ارتكبه، فخرج عبد الله ابن مروان وكان قصيرا يجلس في آخر «تختة» في الفصل، يعلو صوته: «لو سمحت يا أستاذ زميلي هذا برئ»، وبرغم أن الأستاذ غلب شهادة الجمع عليه، إلا أنهم جميعا زالوا من ذاكرتي وظل فيها هذا العبد الله القصير.

اختفى طويلا ثم ظهر فجأة في نهائي مباراة كرم قدم بن مدرستي ومدرسة أخرى، رأيته وأنا أسقط على الأرض، والحكم يهم بإشهار بطاقة صفراء في وجهي لادعاء الإصابة، فإذا به
يأتي ومعه راية الحقيقة إنه غير مدعٍ، فيرضخ له الحكم ويعطيني هدف الفوز وربما كان هو الوحيد في حياتي.

عبد الله لم يخلف موعده قط سوى مرة واحدة ولا أعرف إذا كان خجله منعه من الحضور، أم أن عبد الله كان يشعر أنه من الأفضل ألا ينصفني هذه المرة، كنت أحتاج إليه حينما أوقع صديقي بيني وبين حبيبتي، حاولت الدفاع عن نفسي باستماتة لتبق، التفت يمينا ويسار أبحث عن «عبد الله»، بكل السبل عطلتها حتى يصل لكنه لم يأت، لا أعرف ما الذي دفعه حينها لعدم المجئ! لكننا حينما تقابلنا بعد ذلك عاتبته فابتسم قائلا: «القدر منعني يا صديقي».

واقعة أخرى كدت فيها أن أفقد عملي منذ 15 عاما بسبب كذبة قالها أحدهم وروج لها آخر وصدقها «المدير» ووقع على مذكرة فصلي، وأرسلها ليختمها عبد الله، لكنه رفض وقف حينها عبد الله يطالبه بالتأن والتحقيق لأن الحقيقة غائبة، استمات لإقناع المدير ونجح عبد الله في إنصافي.

تكرر ظهور عبد الله في حياتي لكني استوحشه هذه الأيام، أبحث عنه لا أجده، وإن راودني ظله من بعيد أراه عابسا صامتا لا ينبس ببنت شفاه، أقع بين خصوم وابتسم منتظرا أن يطرق الباب لكنه لا يأت لم يعد يأت، أتساءل هل قتل الخصوم عبد الله.. أم قطعوا لسانه!.. بماذا أرهبوه فغير عادته! أنكلوا به.. أم بأبنائه؟.. أعذبوه.. فخاف وهو الذي لم يخاف من المدرس ولا من الحكم؟.. وحده القدر هو الذي أوقفه!.

أنا أعذرك يا عبد الله، لست غاضبا منك، أعرف أنهم زرعوا الخوف بداخلك عنوة، ولكن يا صديقي أنت تعرف أن أشقى الناس من لا يجد في اليم حتى ثمامة، من لا يجد في الجزع نفسا أخرى.
يبقى  لي قبل الختام أن أحكي عن أهم موقف لعبد الله ليس معي لكن هذه المرة كان مع ابن رشد، كعادته التي كانت لم يُرهبه الجمع، وقف في المحكمة يدافع عن ابن رشد ومع أن واقعة الفصل معي تكررت ولم يؤخذ بدفاعه وأدين ابن رشد من طرف قضاة هم الشهود وهم الخصوم، طالبوا بالقتل وحرق الكتب من أجل المخالفة في الرأي والمنهج، إلا أن عبد الله سجل موقفه في ذاكرة الزمن إذ قال: «إن فلسفة ابن رشد أو كتبه إن بدت لبعض الناس ضارة فلعله لم يظهر لهم إلا الوجه الضار وخفي عنهم الوجه النافع».
من وجد منكم «عبد الله» فليعطه رقم هاتفي وعنواني.