الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

التمثيل السياسي للمرأة المصرية بين الواقع والمأمول

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا توجد قضية أقامت الدنيا وأقعدتها وانشغل الناس بها مثل قضية المرأة، والحقيقة أن النظر إليها يختلف باختلاف زاوية الرؤية وإيديولوجية التوجه وطبيعة المصدر وسيكولوجية المشاهدة، فالفيلسوف يرى في المرأة ما لا يراه الزاهد والمتصوف، والفنان يرى فيها ما لا يراه غيره، ولهذا تباينت فيها الرؤى، واختلفت الأذواق، فهى القضية القديمة الجديدة والموضوع الخالد، ولن أكرر الجملة التقليدية: إن المرأة نصف المجتمع، بل أردد واثقًا ومؤكدًا، أن المرأة هى مادة الحياة، وجوهر الوجود، وهمس الأفئدة، ونبض الأرواح.
ويؤكد المشهد الإنسانى العام إجماعًا من الفلاسفة والأدباء والسياسيين والمفكرين على إجلال المرأة وتثمين دورها في المسيرة الحياتية، فيقول جوبار: «أحلى هدية أهدى الله بها الإنسان هى المرأة»، وذكر بلزاك مرددًا: «المرأة مخلوق بين الملائكة والبشر»، وقال فولتير: «خلق الله المرأة لكى تستأنس الرجل وتوجهه»، وبتعبيره الموحى يؤكد الفنان الكبير بيكاسو استحالة الوصول إلى رؤية كلية جامعة نظرًا لاشتباك وتداخل دورها الممتد، فهى على حد تعبيره «خليط من الأشكال والألوان»، أما نابليون بونابرت فيضع الحقيقة ماثلة أمام الجميع بمفهوم قد يصطدم ظاهره مع الوعى العقائدى، لكنه مفهوم في تصورى يتسامى فوق كل إدراك يقول نابليون: «المرأة شِعْر الخالق والرجل نثره».
وتدفعنا أهمية القضية إلى الطرح التأسيسى الذى يستظهر في مرايا التاريخ وجذوره الضاربة الدور النسوى سياسيًا واجتماعيًا، فهنا على أرض مصر منذ فجر التاريخ أُقيمت أول حضارة إنسانية علمت الدنيا بأسرها، فكانت مصر أول دولة بالمعنى السياسى المنتظم تظهر على مسرح الوجود الإنسانى؛ حيث تعاظم دورها حتى صارت أكبر قوة متجذرة في الوجود، وتنامت فيها عناصر الأمة بمعناها المتكامل، وظلت هكذا حقيقة سياسية في الشرق القديم لمدة ألفى عام امتدت فيهما كل ظواهر السيطرة والنفوذ، وفى ظل هذا المد الحضارى احتلت المرأة مكانة لم يعرفها العالم قديما أو حديثا، فكان لها نفس الحقوق الشرعية ونفس عهود الخلود التى مُنحت للرجل، فُسجل فوق المقابر الفرعونية ما يفيد بدفن العظماء بجوار أمهاتهم، ومن ثم مارست المرأة حرية الحركة المديدة والإرادة المطلقة، وهو ما دفع المؤرخ الكبير «ماكس مولر» إلى القول: «ليس هناك شعب قديم أو حديث رفع منزلة المرأة مثلما رفعها سكان وادى النيل».
وتقلدت المرأة آنذاك أرفع المناصب الدينية والسياسية، فكانت الملكة «تى» أول من نادى بالتوحيد، واختارها زوجها «أمنحتب» لتكون عماد استعادة مجد الإمبراطورية المصرية، فقوى نفوذها حتى ظهرت ندًا لزوجها في المحافل والإنجازات السياسية، ومن أشهر نساء العالم الملكة المصرية «حتشبسوت»، التى حكمت مصر 22 سنة، وحققت نهضة هائلة في الحياة المصرية العامة، وقادت أول رحلة في تاريخ البشرية لاكتشاف بلاد بونت- الصومال حاليا-، والملكة نفرتيتى زوج الملك إخناتون، التى شاركت في التأصيل الدينى، ووضع قواعد الدين الجديد لتوحيد كل الأديان في إله واحد هو آتون الشمس، وحين جاء الإسلام وأشرقت شمس محمد- صلى الله عليه وسلم- في سماء الكون نبيًا ورسولًا، فقد أرسى المركز الاجتماعي والسياسى والثقافى للمرأة، فحصلت على كل حقوقها، وشاركت في الدعوة وحاربت، واستظهرت آراءها في أمور الدين والدنيا بكل جرأة ومسئولية وصلابة، وظلت هذه الصورة المشرفة على حالها في عصر الأمويين والعباسيين، ومع تفكك الدولة الإسلامية استقلت مصر تحت حكم الطولونيين والإخشيديين والفاطميين والأيوبيين، وانزوى دور المرأة خاصة بعد ضعف الوعى الإسلامى بحقيقة الدور النسوى، ولم تظهر على الساحة إلا «شجرة الدر» التى يعدها المؤرخون استثناءً من تاريخ هذه الحقب التى توالت رجعيتها، حتى اشتد ظلامها، وتلبدت بغيوم التخلف سماؤها في العصر التركى البائد.
ومنذ بواكير النهضة الحديثة، فقد صحبتها حركات التصحيح لضبط إيقاع المسار الاجتماعي وتوازى أطراف المشاركة المجتمعية، فظهرت الدعوات الإصلاحية لرواد المفكرين، وبالفعل لاقت استجابة من بعض أطراف النبض المجتمعى، حتى توهج دور المرأة في ثورة 1919، واستمر التماع ضوئه مع بداية إعلان الجمهورية بمراحلها المختلفة انطلاقا من مبدأ ثقافة المساواة وسد الفجوة النوعية، فلم تعد المشاركة النسائية في عملية البناء والتطوير مجرد تأكيد لحق أصيل من حقوقها، وإنما صار واجبًا والتزامًا وطنيًا تقتضيه طبيعة التحديات التى تفرضها سياسات وبرامج التنمية، أو التحديات التى تطرحها المستجدات المتلاحقة على الساحة الدولية.
وإذا كان البعض من النساء ما زال يستدعى الصورة القديمة التى ظلت فيها المرأة نسبيًا حبيسة القهر الذكورى والعبودية الاجتماعية، فإن الأمر يختلف كثيرًا منذ عقود تصدرت فيها المرأة كل معالم الريادة، وما زال المجتمع يطمح في حاضره إلى المزيد، وهو ما يرتب على كاهل المنظمات والأحزاب السياسية والمرأة معًا ضرورة خلق المناخ المناسب لعملية التنشئة السياسية، لانتقال الثقافة والتقاليد والقيم والأدبيات السياسية إلى كل أفراد المجتمع، وإتاحة كل المعلومات والفرص لتداول الخبرات، لاتساع مساحة النسق السياسى السائد، ومن ثم فإن التغير ليس نتاجًا للقوة الشخصية مفردةً، وإنما نتيجة لالتقاء الإرادات والأفعال البشرية في ضوء القناعات الفكرية والإيديولوجية الحاكمة.
ولقد كانت مصر وما زالت في هذا الصدد أحد أهم أعضاء المجتمع الدولى في دعم المساواة والتمثيل السياسى للمرأة، فدوليًا قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإقرار الاتفاقية الدولية للقضاء على كافه أشكال التمييز ضد المرأة في 19 سبتمبر 1979، ونُفذت في 3 سبتمبر 1981، وكانت مصر من أولى الدول التى صدقت على هذه الاتفاقية، وأصبحت لها قوة النفاذ بموجب القرار الجمهورى رقم 434 لسنه 1981، وما يهمنا في هذا السياق هو ما نصت عليه المادة السابعة من التزام الدول أطراف الاتفاقية باتخاذ كل الوسائل والتدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة، وتمكينها من مباشرة كافة الحقوق السياسية في الانتخابات وصياغة سياسة الحكومة وتنفيذها، وتولى الوظائف العامة والمشاركة الحقيقية في كل المنظمات والجمعيات.
ومن مصر وفيها عُقد المؤتمر الدولى للسكان والتنمية عام 1994، الذى كان نقطة مهمة وفاصلة للحكومات كى تؤكد التزامها بالمساواة وتمثيل المرأة في كل القطاعات، ونهض المجلس القومى للمرأة في مصر على تفعيل توصيات المؤتمر من خلال التوعية والتعبئة بين أوساط النساء، وحثهن على ممارسة أدوارهن السياسية في التصويت والترشح، وإدماج المرأة في مجالات النشاط السياسى والاجتماعي، فشاركت المرأة لأول مرة في اجتماعات المجموعة الاستشارية للدول المانحة في شرم الشيخ، وذلك بضم المجلس القومى للمرأة إلى الوفد المصرى.
ومع تداخل قضايا التنمية وتعدد مصادرها، فقد تزايدت قناعة القيادة السياسية في مصر بعامة، والرئيس عبد الفتاح السيسي بخاصة، بحتمية توسيع المشاركة السياسية للمرأة، وزيادة فرص القوى الناعمة في تشكيل الوعى الفكرى والمجتمعى والسياسى في مصر، فقد بلغت نسبة تمثيل المرأة في مجلس الوزراء 25%، وتزايد عدد عميدات الكليات الجامعية وعضوات السلك الدبلوماسى والقنصلى والقاضيات، وبلغ عدد الفتيات في التعليم ما يقارب 50%، وفى السنوات الأخيرة نافست المرأة بقوة وكفاءة في عديد من المهن التى كانت حكرًا على الرجل، مثل المأذون والعمدة، بالإضافة إلى تعيين خمس سيدات لأول مرة في موقع المحافظ، ووجود المرأة نائبًا لمحافظ البنك المركزى، ووكيلة لمحافظ البنك المركزى للرقابة والإشراف على البنوك وقطاع مكتب المحافظ، كما بلغت نسبة الموظفات في الجهاز الإدارى للدولة 43%، بينما تتراوح نسبة المناصب القيادية ما بين 27 و28%، واجتماعيًا تم تخصيص 250 مليون جنيه لوزارة التضامن الاجتماعي لتمويل مشروعات المرأة المعيلة، بالإضافة إلى أن حرص الرئيس السيسي على تكريم الأمهات المثاليات بنفسه ومنحهن الأوسمة تقديرًا لهن وتكريم زوجات الشهداء وأمهاتهم، ينقل إلى العالم كله صورة المرأة في المشهد الاجتماعي والسياسى المصرى، لا سيما وقد عبر الرئيس عن ذلك بقوله: «المرأة صوت الأمة وضميره والحارس على وجدان هذا الوطن»، ومع إيجاز هذه الكلمات وكثافة دلالتها، إلا أنها تترجم صدق ووعى التحركات السياسية الحاضرة تجاه قضايا المرأة وواقعها.