الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الملائكة لا تخون أوطانها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أسوأ ما يمكن أن يصيب أى أمة هو قتل روحها واغتيال رموزها ونشر اليأس والإحباط بين صفوف أبنائها، حتى تنعدم ثقة مواطنيها في قياداتها سواء أكانت قيادات سياسية أم عسكرية أم علمية وثقافية أم فنية.
الاغتيال المعنوى للرموز المصرية كان وما زال نهجا متبعا للجانب الصهيونى، ويردده دائما أعداء الخارج والداخل بشكل ممنهج يتبعهم الغوغاء والعامة ترديدا ببغاويا بجهالة أحيانا وغضبا ومكايدة بسبب موقف سياسى أو نفسى أحيانا أخرى. 
كان آخر ما اعتبره اغتيالا معنويا هو اتهام الفنانة الجميلة الراحلة نادية لطفى بالعمالة لدولة الكيان الصهيونى المحتل، علما بأن الفنانة الراحلة كانت صاحبة موقف سياسى في منتهى النضوج، وكانت علاقتها المشتبكة بالرموز السياسية واضحة وعميقة، فضلا عن ذلك لها مساهمات واضحة في العمل الخيرى والإنسانى العام دعما للفقراء وذوى الحاجة من قبل أن تنقطع عن الفن منذ سنوات، وظل عطاؤها الإنسانى مستمرا حتى وفاتها تقريبا.
الاتهام بالعمالة لم تسلم منه أيضا الفنانة الجميلة برلنتى عبد الحميد بحكم زواجها من الرجل الثانى في النظام الناصرى المشير عبدالحكيم عامر، وكان قبلهما اتهام المطربة الجميلة ليلى مراد التى كانت قد تركت اليهودية وأسلمت وحسُن إسلامها، قبل أن تعتزل الحياة الفنية والعامة على السواء وتتفرغ لتربية أبنائها والاعتناء بأسرتها.
اللافت للنظر أن الاتهامات ضد رموز مصر السياسية والفنية تأتى غالبا بعد رحيلهم، عندما يتأكد عجزهم عن الدفاع عن أنفسهم، وبعد أن يصبحوا في رحاب رب كريم في ظل صمت أبدى.
وعلى مدى سنوات عدة ثار جدل خبيث يطعن في وطنية الراحل أشرف مروان، وتصاعد هذا الجدل خلال الشهور الماضية مع مرور الذكرى المائة لميلاد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، نظرا لعلاقة النسب والمصاهرة التى كانت تربط مروان بالزعيم؛ فقد كان زوجا لابنته منى عبد الناصر، كما كان مقربا للرئيس أنور السادات قبل وبعد معركة العبور، كما كان والده اللواء أبوالوفا مروان أحد القيادات المهمة في الجيش المصرى وأحد مؤسسى سلاح الحرب الكيماوية.
واستغلت إسرائيل ذكرى ميلاد عدوها الأول الراحل جمال عبد الناصر، وأنتجت فيلما يدلس الحقيقة ويجافيها، وأطلقت على الفيلم اسم «الملاك»، وادعى الفيلم زورا وبهتانا على الراحل خيانته لوطنه مصر لصالح الموساد الصهيونى.
ورغم نفى القيادة السياسية في مصر لهذه الاتهامات وحضور عدد كبير من رموزها مراسم دفنه وعزائه في عام ٢٠٠٧، الذى كان واضحا مدى حرصهم على تقديره. ورغم تأكيد الرئيس السابق مبارك أكثر من مرة على وطنية أشرف مروان؛ فإن هناك إصرارا من جانب العدو على زعزعة الثقة في رمز وطنى قدم خدمات كبيرة لوطنه في أثناء حرب أكتوبر المجيدة. وتم زرعه بذكاء في جهاز الموساد كعميل مزدوج وحاز ثقة الجانب الصهيونى حتى أطلقوا عليه أسماء حركية منها اسم «العريس»، و«الصهر»، واسم «الملاك» الذى تم إطلاقه على الفيلم الذى أنتجته دولة الكيان المحتل عليه. أما أشهر أسمائه لديهم فكان اسم «بابل».
وأمام هذا الكم الهائل من الأكاذيب التى يتم ترويجها للطعن في وطنية الرجل، سأكتفى بالتحقيقات التى أجرتها لجنة «أجرانات»، وهى اللجنة التى عقدتها دولة الكيان الصهيونى بعد هزيمتها في حرب أكتوبر، وكانت من أهم الجهات التى حققت في أسباب هزيمة العدو وأكثرها جدية.
في تحقيقات «أجرانات» يقول رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان)، إبان حرب أكتوبر إيلى زعيرا، عن أسباب هزيمة أكتوبر ١٩٧٣: «إن «بابل» نقل معلومات دقيقة إلى إسرائيل لكى يحظى بثقتها. ولكن الهدف من تشغيله من قبل المصريين كان في الواقع التضليل..! فهو قد أبلغ عن رسالة السادات إلى بريجنيف فقط، لكى يقنع إسرائيل بأن السادات لن يحارب إلا إذا حصل على صواريخ (سكود)، وفى الحقيقة أنه لم يحصل عليها..! ولذلك سادت القناعة في إسرائيل بأن مصر لن تجرؤ على إعلان الحرب، مما أدى إلى سواد نظرية «الفرضية» المشهورة لدى الاستخبارات العسكرية».
وتقول «الفرضية» وفق تقارير لجنة أجرانات: «إن مصر لن تحارب إلا إذا تمت الحرب بالاشتراك مع سوريا وبالحصول على طائرات حديثة، وأسلحة أخرى تضمن تفوقا مصريا على سلاح الجو الإسرائيلى».
ويضيف زعيرا: «كيف يمكن لمسئول مصرى رفيع كهذا أن يأتى إلى السفارة الإسرائيلية في لندن في وضح النهار، في الوقت الذى يعرف هو وقادته بأن هذه السفارة مثل غيرها من السفارات الإسرائيلية في الخارج مراقبة من عشرات أجهزة المخابرات في العالم؟».
ويعتبر رئيس شعبة الاستخبارات الإسرائيلية السابق، أن أهم مهمة قام بها «بابل» هى عندما أبلغ إسرائيل بموعد الحرب. فهو قال إنها ستتم قبيل حلول المساء، وبذلك خدع إسرائيل لأن الحرب بدأت في الثانية من بعد الظهر. فقد فهم منه الإسرائيليون أن الحرب ستقع في السادسة مساء، وخلال الساعات الأربع كانت القوات المصرية قد أتمت عبور القنال، ولذلك فإنه نجح في تضليل إسرائيل.
ويؤكد كلام زعيرا عدد من القادة الإسرائيليين، ويقولون: «إن ما قامت به المخابرات المصرية بزرع «بابل» كعميل مزدوج هو تكتيك روسى تقليدى يتمثل في «زرع عميل مزدوج يغذونه بـ ٩٥٪ معلومات دقيقة، وفى اللحظة الحاسمة ينقلون عبره معلومات كاذبة».
ويرى إيلى زعيرا- أن الثقة في «بابل» كانت «أكبر هزيمة تحققت لإسرائيل في تاريخها». 
كما ارتبط مروان بعلاقة نسب أخرى مع وزير الخارجية المصرى الأسبق عمرو موسى، الذى سمح لابنته بالزواج من ابن مروان، في الوقت الذى كان فيه موسى في منصب يسمح له بالاطلاع على المعلومات الأشد سرية في الاستخبارات المصرية بحكم عمله في الخارجية.
لن أستطرد كثيرا في إثبات ما هو ثابت بحكم المنطق والحق والحقيقة، لكننى فقط أريد أن أشير إلى أنه إذا كان العدو قد أطلق على الراحل أشرف مروان اسم «الملاك» سواء في ملفاتهم في الموساد أو على الفيلم المدلس الذى تناول قضيته بحثا عن بطولة زائفة أمام هزائمهم من جانب أجهزة المخابرات المصرية؛ فإننى أؤكد لهم أن «الملائكة لا تخون أوطانها».