الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأديبة أمل خليفة.. و"قلوب أصابها الهوى"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رواية «قلوب أصابها الهوى» للأديبة والكاتبة الصحفية الموهوبة أمل خليفة، صدرت حديثًا بالتزامن مع الدورة الـ51 لمعرض القاهرة الدولى للكتاب.
هذه الرواية، وهى الثالثة في رصيدها الأدبى، بها جرعة عالية من التشويق، والأحداث كتبت بإيقاع سريع متلاحق، تتوهج فيها الأفكار فتسحرك، وتفتح بهذا الايقاع السريع شهية المتلقى لالتهام الرواية دفعة واحدة دون أن يلتقط أنفاسه. 
في إطار جذاب تأخذك المبدعة أمل خليفة من السطور الأولى للرواية إلى عالم الطفلة «نوال»، التى تستيقظ ذات يوم على دموع أمها المنسابة بغزارة، فقد دفع الفقر وضيق ذات اليد والدها لاختيارها من دون أشقائها للعمل كخادمة في المنازل، كى يعينه راتبها على تغطية أعباء الحياة القاسية، والتى لم يعد قادرا على الوفاء بها، وبعد رحلة شاقة وقاسية لاقت خلالها الطفلة صنوفًا من العذاب، تنويعات من إهانات واعتداءات لفظية وجسدية أذلت وأنهكت الفتاة ذات القلب الأخضر.
وتأخذنا الكاتبة ذات الخيال الخصب بأسلوبها المشوق في منحى أكثر مأساوية، وذلك عندما بلغت نوال السادسة عشرة من عمرها، حينئذ عملت لدى امرأة تبدو للوهلة الأولى أنها ودودة، تدعى «هويدا» تعاملت معها برفق وبإنسانية فشعرت المسكينة بالطمأنينة والراحة، لكن دوام الحال من المحال، فتلك السيدة لها ابن يكبر نوال قليلا، وسرعان ما تأججت المشاعر بينهما، حتى شعرت بدبيب حياة داخل رحمها. ما دفع الأم للتخلص بقسوة من هذا الجنين مستعينة بالعجوز مبروكة وجارتها التمرجية.
فيما ظهر الأب وقتئذ ليأخذ ابنته ليزوجها من شاب من بلدتهم، إلا أن هويدا نهرته بعنف، وأخبرته بأن ابنته هربت بعدما سرقتها، بل وهددته بالحبس لو جاء يسأل عنها مجددا.
وعادت الفتاة مره أخرى إلى منزل مخدومتها بعد عملية الإجهاض، وكلها أمل أن يداوي الحب انكسار الروح وما تعرضت له، إلا أنها على حد توصيف الكاتبة: «أيقنت نوال عدم وجود أمل يرجى منه، وتأكدت أنها خسرت حضن أسرتها، وعذريتها بسبب سراب، فمنذ هذه اللحظة قررت الانتقام، والتخلص نهائيًا من نوال الساذجة الطيبة البسيطة التى يسهل خداعها باسم الحب والتحول إلى نوال أخرى، تملك من الأدوات والأقنعة مايمكنها من الانتقام والتلون وفق المعطيات والدور المطلوب منها، وبالفعل شرعت في تنفيذ مخططها عمليا».
اللافت أن السهل الممتنع كان الأسلوب الذى استخدمته الكاتبة أمل خليفة، حيث تميزت الرواية بسهولة وسلاسة المفردات مع وضوحها، إلى جانب التركيز الشديد على الأفكار، وهذا الأسلوب محبب لأن مفرداته سلسة، فهو يتطرق مباشرة إلى أحاسيس وآلام الإنسان، كالقهر والشوق والفراق والانتقام.
وبالفعل قادها الانتقام الأعمى لسرقة مجوهرات مخدومتها، قبل أن تلجأ للعجوز مبروكة والتى رغم أنها شاركت في إجهاضها! إلا أن نوال يعلق بوجدانها كيف أولتها العجوز اهتمامًا ورعايه، بل وعاملتها بحنان حينما تعرضت لنزيف كاد يودى بحياتها، بل أصرت على أن تظل تحت رعايتها حتى تماثلت للشفاء، ولأن نوال لم تعرف أين تذهب كان خيارها اللجوء للعجوز، والتى تكشف الأحداث أنها ليست إلا والدة هويدا التى كانت سببا في انتحار شقيقتها بعدما قتلت حلمها وتزوجت من حبيبها، ما دفع الأم لطردها من حياتها وليس فقط بيتها.
وعلى لسان الأم تصف الكاتبة حجم الأنانية والشر والحقد الذى كان يملأ قلب ابنتها، وكيف فشلت في تقويم سلوكها لذا وافقت على أن تساعد نوال بأن تحصل على أموال ابنتها كنوع من التعويض لما حدث لها وبالفعل تجبر ابنتها على القبول بالأمر الواقع.
غير أن الكاتبة تحاول التأكيد من خلال روايتها على أن الرياح لا تأتى بما تشتهى السفن، وأن المال وحده لا يصلح حياة ولا يسهم في بناء أخرى، حيث توالت الأحداث وأخذت منحى أكثر قتامة إذ تزوجت نوال من «فتحى»، البلطجى، الذى يطمع في أموالها، ويوافق على أن يمنحها حلم الأمومة مقابل ثروتها والتى استأجر بها ملهى ليلى وفى يوم مشئوم تتشاجر نوال مع زوجها الذى اعتدى عليها بالضرب مما يتسبب في إجهاضها للمرة الثانية والأخيرة، على مرأى ومسمع من ضحى الشريف الراقصة الأولى بالإسكندرية.
اللافت للنظر حرص الكاتبة على إبراز الكثير من أوجاع المرأة ومخاوفها في ظل مجتمع ذكورى لا يحترم مشاعرها، ولا يراها إلا كائن للمتعة وفقط من السهل أن يكون ضحية، ولكنه أيضا يمكن أن يتحول للنقيض لينتقم ممن أساءوا له، وهو ما تلخصه الكاتبة على لسان «ضحى» شارحة كيف تحاول مقاومة الحزن ولا تخضع لطقوسه، رغم أنه قابع في أعماقها، يسيطر على كل جوارحها، ولكن عندما تتذكر ما مررت به وما عاشته، تتحول لكائن آخر، مشيره إلى أن الحزن أفسد نضارة شبابها وحول وجهها لكتلة من البؤس.
بهذا الوصف نكتشف أن تلك الراقصة تحمل أيضا رصيدا ضخما من المعاناة، بالإضافة لإنكار أبويها لها، وما لاقته من غدر الحبيب، ماجعلها تقبل على المخدرات وتعمل في الصالات الليلية.
وهنا تلاقت المصالح بين نوال وضحى، بعدما سجن الزوج، وتوالت الأحداث والتقت المرأتان ونشأت بينهما مودة وذابت العذابات ومعاناتهن الطويلة بالحب والعطاء.
وظفت الكاتبة تقنيات السرد في هذه الرواية تحديدًا لتكشف وتعرى المسكوت عنه، صورت الشدائد والمحن النفسية، ولحظات الضعف الإنسانية وكل هذا بصياغة مفعمة بالإحساس، إلى جانب بساطة الأسلوب، والبعد عن الحشو والتكلف والإسهاب، والدقة في اختيار الألفاظ المعبرة عن طبيعة شخوص الرواية.
ما يؤخذ على الكاتبة في نظرى هو العجلة في السرد، فالرواية تقع في ١٥٩ صفحة، وفى تقديرى فإن هذا العمل بتفاصيله المتشابكة وأحداثه المتلاحقة كان يمكن أن يملأ مئات الصفحات لو تمهلت الكاتبة ومنحت المشاهد والأحداث مزيدًا من التفاصيل لتشبع نهم القارئ ولتزيده استمتاعًا.
فيما نجحت الأديبة أمل خليفة في إحكام صياغتها للأحداث بلغة أدبية سلسة كما نجحت كما أشرنا في رصد مشاعر شخوص روايتها على الرغم من تنوعهم، خاصة أن النفس البشرية لا يمكن الوقوف بدقة على طبيعتها ما لم تتعرض لاختبارات الحياة التى تكتب النهايات.
كما تدعو الكاتبة في رواياتها إلى مواجهة القهر الداخلى والخارجى والظلم، رافضة الواقع الاجتماعي الجائر على حقوق المرأة، «مجتمعنا يغفر للرجل ويجلد الست»، وروايتها الأخيرة «قلوب أصابها الهوى» خير مثال على ذلك.