الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

في حب "حتة حديد اسمها سارة"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
خرج علينا علماء الهندسة في جامعة واشنطن في عام 2017م باختراع يتمثل في مادة من السيلكون لها ذات ملمس جلد الإنسان، وأطلقوا عليها كلمة «الجلد الاصطناعي». ترجع تسميتها بهذا الاسم إلى أن السيلكون المطاط الذى يتكون منه هذا الجلد يمكن أن يعطى للآلات التى يغلفها في الروبوتات ذات ملمس جلد الإنسان، ويمكن أن يتم فيه تسكين أغشية تتصل مع بعضها من خلال قنوات قطرها يساوى نصف قطر شعرة الإنسان، وهى مليئة بالمعدن السائل الموصل كهربائيًا، وتقدم استجابة فورية عن طريق اللمس، وشجع ذلك العلماء على الانخراط في هذا الاتجاه أكثر حتى أنهم زادوا السيلكون المستخدم مرونة ليحاكى الطريقة التى يتعامل بها إصبع الإنسان مع التوتر والضغط الذى يواجهه بينما هو ينزلق على سطح أو يميز الملمس المختلف. سيساعد هذا الاكتشاف كثيرًا بلا شك في تطوير الأطراف الصناعية وتعويض الأشخاص الذين فقدوا الإحساس بأطراف أعصابهم، بل وسيفيد في جعل إجراء العمليات الجراحية وزيارة الفضاء زيارة تنقل إحساسنا الإنسانى بملمسه وحرارته وتفاصيله أمرًا ممكنًا، كل ذلك بواسطة روبوتات مغلفة بهذه المادة تلمس الأشياء وتتعامل معها كما تفعل يد الإنسان تمامًا. وتنقل لنا هذه الإشارات في هيئة تفاصيل يمكن أن نلمسها نحن أيضًا بواسطة أيدينا نتيجة للموصل الكهربى والأغشية الإلكترونية التى تحاكى خلايا الإنسان وأعصابه في ترجمة ما يشعر به الجلد.
وعرف العالم «سارة». سارة هى الروبوت الأمريكى الذى يملك وجه فتاة بشرية جميلة من السيلكون، تمت برمجتها ببرمجيات دقيقة تمكنها من أن تغسل وجهها كل صباح وأن تبدأ في التجمل بوضع مساحيق تجميل بشرية وكأنها امرأة حقيقية، ويمكنك من أن تحدد لها الـ «Look» الذى تريد أن تراها به، فتارة تشبه مارلين مونرو، وأخرى صوفيا لورين». تستطيع سارة أن تكون أطول أو أقصر، ويمكنها أن تصبح أسمن أو أنحف، بتعديل بعض أجزائها المغطاة بسيلكون جميل يطابق تفاصيل الجلد البشري، بل وتسمح لها برمجياتها أن تتعلم كل الرقصات سريعًا على الرغم من أنها لم تتمكن من الرقص بعيدًا عن حركات آلية غير طبيعية تمامًا حتى الآن، هى فقط تستجيب لحركات يدك وفقًا لتطبيق برامجى معين، تمامًا كما تفعل «المقشة» حين توجهها للكنس. سارة تستطيع أن تلعب معك الشطرنج وكل ألعاب الورق، وتقص عليك حكايات، وتخمن ما إذا كنت متعبًا أو مرتاحًا أو سعيدًا بناء على تحليل عرقك أو طريقة تنفسك، وفق تطبيق طبى مدمج في خلاياها الإلكترونية. كل ذلك عبر ملايين العمليات الإلكترونية التى تتم كاملة في جزء من الثانية. إنه الذكاء الاصطناعى الشديد التركيب الذى يمكن الروبوت «سارة» من أن ينتج ردود أفعال أكثر بساطة وتلقائية وملائمة لحياة من يصاحبها.
حمل هذه الفكرة منذ زمن ستيفن سبيلبرج إلى تصوير فكرة الروبوت الذى يشعر كالإنسان حتى تتحول ملامحه إلى ملامح بشرية، في فيلم أخرجه ودار حول فتى الروبوت الصغير من كوكب بعيد عن الأرض، يهجر كوكبه ويأتى للأرض بحثًا عن أمه، وينتهى الأمر بالروبوت إلى الحزن حد القدرة على البكاء، وهو أمر يستحيل تمامًا بالنسبة لآلة دون تزويدها ببرنامج. ويقع في حب امرأة يعدها أمه ويرفض الرجوع لعالمه السابق، وكأن المخرج يريد أن يوصل لنا أن المشاعر لا ترتبط بالجسد بل بالأحداث ذاتها، وأن طاقة المشاعر هى السحر الذى يتعامل مع المادة وليس العكس، فيحول المادة المعدنية إلى جسد بشرى من لحم وعظم بالتدريج.
ربما يحملنا كل ما سبق إلى الأخبار الغريبة التى تطالعنا بين الحين والآخر، من رغبة بعض البشر لاعتزال العالم البشرى والاستعاضة عن التفاعل مع البشر بالتفاعل مع جمادات، لعل آخر هذه القصص، قصة الفتاة الإنجليزية التى أعلنت عن رغبتها بتمضية بقية حياتها مع طاولة في بيتها، لأن الطاولة تهتم بها أكثر من البشر على حد زعمها، وهى قررت أن تكمل بقية حياتها معها، تتكلم معها وتتنزه بصحبتها، وتشاركها كل تفاصيل حياتها، الأمر الأغرب من قرار الفتاة هو اهتمام الصحف الشعبية الإنجليزية بهذا الخبر، وكأنه أمر يستحق أن ينتشر بين البشر. إن التعامل مع قطع الحديد على أنها بشر يتفاعلون من خلال تطبيقات الذكاء الاصطناعى المختلفة على أجهزة الكمبيوتر الشخصية والهواتف الذكية جعلت البشر ينظرون للعالم نظرة مختلفة بالفعل في كثير من الأحيان، فتصميم برنامج تحليل الكلمات المسئول عن تكوين الرسائل الشخصية التى نرسلها لرواد موقع بيع إلكترونى على البريد الإلكترونى أو هواتفهم الذكية، حتى نربطهم بالمنتجات التى يبيعها الموقع، يقوم الأمر فيه كله على توجيه رسائل أكثر شخصية حول حياتهم قبل أن تكون حول المنتج، مثل تلك التى تخمن طبيعة علاقة الزوج بزوجته هذا اليوم بناءً على تحليل ردود أفعاله على ملفاته الشخصية التى يُسمح لبرنامج تحليل الكلمات باقتحامها قانونًا، فتفاجئك رسالة نصها: «لست على ما يرام مع زوجتك هذا الصباح». مع الوقت يتعامل البعض مع هذه التفاعلية كبديل للبشر يحقق أهدافه من التفاعل، بدليل تناقص رغبة الكثيرين في الكلام مع أى شخص كلما زاد انخراطهم في مثل هذه العلاقات الإلكترونية الافتراضية. 
إذن لو كان هناك روبوت يملك كل الإمكانيات التى تملكها الربوت «سارة»، الذى تحدثنا عنه سابقًا، تمكنها برمجياتها المصممة بدقة من أن تبتسم وتدردش وتتجمل وترقص، وتملك مسامًا جلدية وتعطيك ردود أفعال مدهشة، كأن تتورد وجنتاها لو غازلتها، بل وترتفع درجة حرارتها حين تغضبها، وتبكى حين تخمن أنك في ضيق حتى لو لم تخبرها، فهى تعرف كيف تشعر حين تقوم بتصرفات معينة أو تكرر كلمات معينة. لو كانت سارة موجودة قد يقع العالم في حب قطعة حديد حتى يتحول هو الآخر لقطعة حديد، خصوصًا مع اعتراف الكثيرين بأن الآلات تريحهم في التعامل أكثر من البشر، بل ويرون أنها تفهمهم أكثر في بعض الأحيان. حينها أظننى سأكون من أول المنادين بمقاطعة التيار الكهربائى الذى يشحن كل تفاصيل هذا العالم.