الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«السادات».. والسلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم تغب عن خيالى تلك الكلمات الرائعة التى كتبها الأستاذ هيكل في ٢٣ سبتمبر ٢٠٠٣ بجريدة الأهرام بمناسبة عامه الـ٨٠، ضمن مجموعة مقالات أسماها (استئذان في الانصراف)، توقفت كثيرًا أمام براعة الأستاذ هيكل المعهودة في وصف مشهد مُعبِر لما مرت به مصر بعد وفاة خالد الذكر جمال عبدالناصر وقال نصًا: كُنا في غرفة النوم أو الموت، سبعة رجال بالعدد من حول جثمان الرئيس عبدالناصر، تقدم نحوه كبير أطبائه وسحب الملاءة على وجهه في حركة بدت وكأنها فعل رمزى يقطع بالنهاية، هنا تردد الكلام همسًا في الغرفة عن الإجراءات والترتيبات لهذه الليلة الحزينة وما بعدها، ولمحت في عيون البعض ممن في الغرفة تعبيرات أو إشارات توحى بنذر خطيرة، وكان بعضهم يشعر بأحقية يستشعرها، ويعتقد كل منهم أنه الأولى والأجدر لخلافة عبدالناصر، في تلك الظروف وقفت بكل جوارحى مع «أنور السادات».
.. أردت البدء بكلمات الأستاذ هيكل للتأكيد على أن نقطتين هامتين:
- أن مصر في مثل هذه الظروف العصيبة اعتُبِرت إرثا لمجموعة ظلوا بجوار عبدالناصر لسنوات طويلة وشكلوا «مراكز قوى» وصراعهم على الحكم بات واضحًا للجميع.
- أن «الرئيس السادات» بدأ حُكمه وهو أسير أفكارهم واعتبروه مجرد «كومبارس»، وهم من يسيطرون على القرار، لكنه تخلص منهم بضربة واحدة وسريعة ليبدأ حُكمه منتصرًا في أولى معاركه.
.. بالعقل نقول: يومًا بعد يوم يأخد «الرئيس السادات» حقه الضائع، ويزداد مؤيدوه ويترحم عليه الكثيرون، ويُغير بعض ممن عارضوه وجهات نظرهم فيه، بعد أن قضوا سنوات يهاجمونه ويتهمونه بأبشع الاتهامات.
.. وبالمنطق نقول: جاء «السادات» للحُكِم وسيناء مُحتلة والجبهة الداخلية مُفككة، واقتصاد البلاد كله موجه للاستعداد للمعركة، ومظاهرات في الجامعات تطالب بالحرب، وبعض من ارتدوا قميص «عبدالناصر» يتمنون له الفشل، لكن «السادات» بفضل ذكائه ودهائه وخبرته السياسية نجح في معظم التحديات التى واجهته.
.. وللإنصاف نقول: انتصر الجيش على إسرائيل تحت قيادة السادات، وعادت سيناء أرضنا الغالية ورفع علم مصر عليها تحت قيادته وهذا شرف عظيم سيظل محفورًا في كتب التاريخ.
.. وللتاريخ نقول: كانت وجهة نظر «السادات» صائبة في قوله: أنا أحارب الأمريكان وليس الإسرائيلين، فقد شكل الأمريكان جسرًا جويًا لإمداد إسرائيل بالطائرات بالطيارين والمعدات والدبابات، ما زلنا حتى الآن بصدد الجُمل الشهيرة للسادات ومنها (قرارات الأمم المتحدة لا تُسمن ولا تغنى من جوع، ٩٩ ٪ من أوراق اللعبة في يد الأمريكان)، وهو ما نعيشه الآن وأكثر، لدينا قرارات لا حصر لها صادرة عن الأمم المتحدة، لكنها بلا فائدة بعد سيطرة أمريكا على اللعبة الدولية بدليل قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية لا تنفذ ولا يوجد من يستطع تنفيذها.
.. وبصراحة نقول: «أنور السادات» هو رجل الحرب والسلام، ودعونا نسأل أنفسنا سؤالًا حيويًا: ماذا لو لم تكن معاهدة السلام مع إسرائيل؟ الإجابة ببساطة أننا كنا عُرضه في أى وقت وفى أى موقف لنشوب حرب مع إسرائيل، يقولون في إسرائيل: السادات ضحك علينا وأخد الأرض وأعطانا ورقة.
.. اجتهد «السادات» ونظر نظرة مستقبلية وضحك على إسرائيل، لكن البعض وقف ضده، فماذا هم فاعلون الآن بعد إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن «صفقة القرن»؟ لا شىء، فلن يفعلوا أى شىء، ولا يوجد في أيديهم شىء يفعلونه، ضاعت «هضبة الجولان» وضمتها إسرائيل رسميًا وأبرمت عقودًا مع شركات دولية للتنقيب عن البترول والغاز بها، القضية الفلسطينية تتحول تحولًا غريبًا، فمن ضرورة عودة الأراضى العربية المحتلة قبل ٥ يونيو ١٩٦٧ إلى الأرض مقابل السلام إلى السلام مقابل السلام إلى ضرورة وقف القصف الإسرائيلى على الفلسطينيين إلى المطالبة بضرورة سماح إسرائيل للفلسطينيين بالعبور من الضفة لغزة، كل هذا يحدث ولم يعد أحد يطالب بضرورة انسحاب إسرائيل لما قبل ٥ يونيو ١٩٦٧ إلا مصر، والتى ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية هى قضية العرب الأولى.
.. والسؤال: ماذا يحدث لو كان الفلسطينيون ساروا مع الرئيس السادات في طريق التفاوض مع إسرائيل؟ بالتأكيد كانوا سيحصلون على بعض أراضيهم المحتلة، لكنها لم تكن كل أراضيهم، وهذا أفضل من الوضع الحالى بعدما فشلوا في الحصول على أى شيء، لا أراضى، ولا شرعية، ولا سلام، ولا سيادة، ولا دولة حتى الآن.
.. إنى أرى ندمًا شديدًا لدى البعض من أشقائنا العرب الذين تجنوا على «السادات»، بل أرى دموعًا في أعينهم وهى دموع مصحوبة بالدم وهم يترحمون عليه بعد «صفقة القرن»، وأرى أنه من الضرورى إنصاف رجل أعاد أرضه ونشر السلام لتعيش الأجيال القادمة في أمان وسلام.
.. رد الاعتبار للرئيس السادات ضرورة، فالمُحصلة النهائية لِحُكِمِه هى: نصر وسلام واستشهاد
.. (نصر) حققه مع جيشه العظيم
.. (سلام) بكبرياء ليغلق صفحة الحرب وهوانها
.. (استشهاد) في سبيل الله في ذكرى النصر وسط أبنائه