السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

يسرى عبدالله: رواية «الصاد شين» تعتمد في بنائها على آلية التوالد الحكائي

 الدكتور يسرى عبدالله،
الدكتور يسرى عبدالله، أستاذ النقد الأدبى بجامعة حلوان
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قال الدكتور يسرى عبدالله، أستاذ النقد الأدبى بجامعة حلوان: بتاج مكسور ووجه يختلط فيه الواقعى بالسيريالى يشبه القذافى، وثمرة فلفل حمراء تعلو التاج» الفلفل الأحمر يرمز في دلالته الاجتماعية إلى القسوة والشظف ومرارة العيش»، يأتى غلاف رواية «قيام وانهيار الصاد شين» للروائى حمدى أبو جليل، الصادرة في القاهرة حديثا عن دار ميريت للنشر، التي يحيلك عنوانها إلى «قيام وانهيار آلـ مستجاب»، المجموعة القصصية للكاتب الراحل محمد مستجاب.
وأضاف: غير أنه في «قيام وانهيار الصاد شين» نحن بإزاء زمن يتداعى، وتحولات مرعبة تخص الأمكنة والبشر على كافة المسارات السياسية والثقافية، لنصبح أمام مؤشرات زمانية تتصل بالزمن الداخلى للرواية من جهة، وترتبط بالسياق العام من جهة ثانية، خاصة فيما يتعلق بالسبعينيات التى شهدت تحولا عاصفا في بنية المجتمعات العربية، غير أن رصد تجليات السبعينيات هنا لا يتطرق للمدلول السياسى القح، قدر ما يتعلق بالتغيرات الاجتماعية العاصفة التى أوقعت هذه المنطقة من العالم في قبضة الرجعية المدعمة بسطوة المال ومظاهر التدين الزائف، التى استشرت في التسعينيات من القرن الماضى مع تغول جماعات الإسلام السياسي، ويدرك الروائى هنا تلك الصلة الفكرية بين عقدى السبعينيات والتسعينيات التى كانت ارتفاعا لوتيرة النغمة الدينية المسيسة في محاولتها لالتهام العالم العربي، ليتحرك النص في تلك المساحة الجدلية التى أسميها بتحولات المكان تحولات البشر.
وأضاف عبدالله، أن الرواية تعتمد في بنائها على آلية التوالد الحكائي، وهى ابنة وفية لصيغة الحكاية الشفاهية، وتتواتر الفصول السردية المُشكلة للرواية، وتستمر من الفصل الأول «اتضح أن الزعيم نفسه صاد شين»، ووصولا إلى الفصل الأخير «سان فيكتوريا»، ولنصبح أمام جغرافيا سردية متسعة باتساع خبايا ليبيا وأراضيها الشاسعة، وبالتداخلات بين صحراء الفيوم وليبيا، بين بدو الغرب وبدو الشرق، بين «الصاد شين» الممثلين لتلك المنزلة بين المنزلتين، فلا هم ليبيون خلص، ولا هم غير ذلك، تبدو جنسيتهم المخترعة من قبل الزعيم، اللفظة التى تتواتر على نحو كاريكاتيرى في النص، وبمدلولات أخرى أيضا، منها المدلول الشعبى حينما يخاطب مثلا الكاتب قارئه مباشرة، موظفا تقنية كسر الإيهام، ومحطما ذلك الجدار الوهمى بين النص والمتلقي، فيقول: «الزعيم ولد في الفيوم يا زعيم»، حيث الانحراف بلفظة الزعيم عن مسارها المألوف إلى مسار شعبوي، ومتداول في الحياة اليومية، يحدده النص ذاته وفقا للسياق السردي.
وأوضح أن بدو الصحراء الغربية في مصر الذين يفدون إلى ليبيا ليحصلوا على جنسية «الصاد شين» وهى اختصار لمفردتى الصحراء الشرقية، والذين يوثق الكاتب حكايتهم، وينحو أحيانا منحى تسجيليا معنيا بالإخبار عنهم، كما يفعل في فصله «مصدر الصاد شين» على سبيل المثال، أو في فصله المركزى المتماس مع عنوان الرواية أيضا «الصاد شين»، عبر لغة تقريرية لا تخلو من سخرية: «الصاد شين أو أبناء الصحراء الشرقية جنسية اخترعها الزعيم القائد، حقيقة لا خيالا، تعتبر هى والكتاب الأخضر والنهر الصناعى العظيم من بنات أفكاره، بل إنها الفكرة الوحيدة التى اكتملت وتحققت، فالنهر الصناعى العظيم ما زال لم يجرِ نهائيا، أو أنه لم يجرِ الجريان اللائق بعظمته، ومقولات الكتاب الأخضر تهاوت واحدة تلو الأخرى على صخرة إباء الشعب الليبى العظيم، وهو نفس الإباء الذى أودى بالزعيم نفسه في نهاية المطاف» صفحة ٦٠.
وتابع: ما بين التقلبات والارتحالات القلقة للراوى البطل وأشياعه وخصومه، وذويه من أبناء الصاد شين «الصحراء الشرقية»، أو أقربائه من الليبيين الخلص، وما بين البدو والفلاحين، والمهاجرين والوافدين، ما بين الإخفاق في الهجرة إلى إيطاليا، وما بين السفر بعيدا والعودة فرارا، تتشكل ملامح التغريبة السردية التى تغاير المستقر من التغريبات، لكنها تحتفظ بروحها القلقة، روحا لفتى «الصيد»، أى ذلك الفتى الذى يعدو سريعا، الخطاف، الذى يقنص الأشياء، ولم يزل يحتفظ بسذاجة ريفى عايشه، أو بدوى كأنه يحيل الكاتب في استهلاله السردى إلى الشاعر المصرى أسامة الدناصوري، وتبدو محاولة استعادة الدناصورى هاجسا لدى حمدى أبوجليل، فهو يبثه نجواه تارة، ويحكى عنه تارة ثانية، كما فعل من قبل في كتابه «الأيام العظيمة البلهاء طرف من خبر الدناصوري»، لا يلبث أن يكسر الكاتب إيقاعه اللغوى منذ اللحظة الأولى، وكأن ثمة إصرارا على مواصلة الحكى بطريقته ذات الطابع الشفاهي، إن الأسلوب هنا يبدو ابنا لروح الكتابة والأنساق الفكرية والجمالية التى ينطلق منها الكاتب ذاته، ويصدر عنها، معتمدا على ذلك العقد السردى بينه وبين متلقيه، منذ المفتتح وحتى الختام.
وأشار عبدالله إلى أن السخرية تعد تيمة مركزية في الرواية، وبنية مهيمنة عليها، وتتجاوز السخرية هنا مساءلة العالم والواقع المحيط إلى السخرية من الذات نفسها، والتندر الدائم عليها، وتتعدد مستويات السخرية من توظيف المفارقات الساخرة مثل مشهد العم الذى يحرص على امتهان زوجة أخيه بعبارة «يا ولية»، وبأن ابنها «الراوي- البطل» ليس أكثر من «تربية ولية»، مع أن زوجة العم التى يأتمر بأمرها ليست أكثر من «ولية» أيضا بتوصيف النص، تأخذ السخرية بعدا آخر، يتجلى في تلك العلاقة المضمرة الرهيفة بين الأم والراوي: «أمى كانت تقول لي: أنت مش ماشى على قدك.. وكنت بأقول لها بغيظ: أنا لو مشيت على قدى تماما هنام، هاغطس تقريبا، مش هاتحرك أساسا» صفحة ١١، تدخل السخرية في صلب الرواية وتصبح بنية مهيمنة بالفعل حين تتجلى المفارقة الساخرة في كون أبناء «الصاد شين» يبدون مهمشين وحاكمين في نفس الآن.