الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

"إخوان السودان".. من تدمير البلاد إلى محاولة إفشال المسار الثوري

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يؤرخُ لحقبة عمر البشير التي استمرت لثلاثة عقود في السودان، على أنها واحدة من أسوأ تجارب حكم الإسلاميين في العالمين العربي والإسلامي، وتبدو هذه الحقيقة جلية عند القطاع الأكبر من المتابعين للشأن السوداني، إلا قطاعًا من الإسلاميين وأتباعُهم ممن عمتهم الإيديولوجيا عن رؤية الواقع وتجلياته الصارخة.

السودان الذي تركه البشير يرزح تحت الفقر طيلة ثلاثة عقود هي فترة حكمه للسودان، خرج في ثورة 19 ديسمبر 2019 يطلب الفكاك من حكم الإخوان، ويعلن بوضوح نهاية التجربة التي أذاقت السودانيين سوء العذاب.

وحظي الإسلاميون السودانيون بفرصة لم تُتح لغيرهم في الوطن العربي كله، حيث دانت لهم السودان لمدة ثلاثين عامًا، ولكنهم فشلوا في أن يحققوا مشروعهم السياسي عبر حكمهم الطويل الذي تمكنوا فيه بالكامل من مفاصل الدولة السودانية، بل إنهم سقطوا على المستوي الديني والأخلاقي سقطة مدوية، عنوانها الأبرز ربما كان حجم الأموال «الكاش» من مختلف العملات العالمية، التي ضُبطت في حوزة الرئيس المخلوع البشير.

«تجربة الإسلاميين هي جريمة بحق السودان والمنطقة بأسرها»، بهذه الكلمات يلخص صديق الهادي عقود حكم الإسلاميين الثلاثة للسودان. فمنذ حكَم الإسلاميين السودان، انفصل الجنوب عن الشمال، واشتعل الصراع المسلح في دارفور (غرب) والنيل الأزرق وجنوب كردفان (جنوب).

وأصدرت محكمة الجنايات الدولية مذكرتي توقيف بحق الرئيس عمر البشير بتهم ارتكاب إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، في خطوة هي الأولى من نوعها ضد رئيس لا يزال على رأس مهامه. ناهيك عن التأزم السياسي والاقتصادي المتصاعد. «هذا فقط نموذج لما يرتكبه الإسلاميون في السودان، باسم الإسلام» يقول الخبير السوداني صديق الهادي.


الإخوان ومساعي إفشال الثورة

مع تقدم مسار الثورة، من عثرات لنجاحات كأي مسار طبيعي تأخذه الثورات، خرجت مظاهرات هنا وهناك، تحرُس الثورة وطريقها، لتذكِر الساسة بمن أتى بهم، وبما هم موجودون من أجله، تيار يرفض أن يُلتفَت على مطالب الثورة وما نادت به من حرية وسلام وعدالة وهي شعارات الثورة الخالدة. لكن في المقابل ثمة تيار أخر يتظاهر هنا وهناك، وهو محسوب على الإخوان، وعلى إسلاميي السودان بشكل عام. يحاول كما يرى نشطاء من الحراك ومحللين أن يُعِيد عقارب الساعة للوراء كمحاولة لإفشال الثورة.

الاتهام الأكبر الذي وجه للإسلاميين بشأن محاولتهم إفشال الثورة السودانية هو المساعدة في فض اعتصام القيادة، والذي ما زالت التحقيقات تُجري بشأنه إلى الآن، كما يُتهم الجهاز السري للجبهة القومية الإسلامية، بأنه مارس العنف ضد الحراك الثوري السوداني في محاولة لتطويقه، حيث قام مؤيدون للحركة بالاعتداء على المتظاهرين في المواكب المختلفة اعتبارًا من مطلع العام الحالي، وذلك في سيارات بدون أرقام ومارسوا اغتيالات منهجية ضد بعض الشباب من اليسار خصوصًا، كما اعتدوا على المعتصمين في محيط القيادة العامة للجيش السوداني اعتبارًا من ليلة 7 أبريل منطلقين من بناء تحت التأسيس يسمى مدينة البشير الطبية، وحتى سقوط البشير في 11 أبريل.

وظهرت مؤخرًا اتهامات لفصيل إسلامي داخل جهاز المخابرات لعصابات مسلحة في الخرطوم بالتحرش بالنساء وشن هجمات على المدنيين لزرع عدم الثقة في الحكومة الانتقالية، فيما بدأت تظهر في بعض شوارع العاصمة السودانية مظاهر تفلتات أمنية محدودة مثل التحرش بفتيات والاعتداء على مدنيين في وقت كشفت فيه الصحفية يسرا الباقر، في تغريده على "تويتر" أن مصادر استخبارية أكدت لها وجود فصيل تابع للإسلاميين داخل جهاز المخابرات أجر عصابات من الشباب للاعتداء على المدنيين في الشوارع والتحرش بالفتيات. وتهدف التحركات كما يرى محللون إلى زرع عدم الثقة في الحكومة الانتقالية.

«تحالفٌ أسود»، كما يصفه السودانيون قام لثلاثة عقود بين الإسلاميين والمؤسسة العسكرية، وصل لتوغل الإسلاميين في مفاصل المؤسسة العسكرية والمخابرات وغيرها من مؤسسات الدولة السودانية، لذا فما يطلق عليه الدولة العميقة في السودان، هي في الحقيقة دولة الإسلاميين، وهي الدولة التي ويا للمفارقة جاهر الإسلاميون خارج السودان بمحاولتها إفشالهم، ها هم في السودان يستخدمونها لإفشال الثورة السودانية ومن أتت بهم.

إخوان السودان «الكيزان» كما يسميهم قطاع كبير من السودانيين، وهي تسمية قبل أن تكون موجهة للإهانة، فهي تفسيرية لأنها تشير إلى مواقف إسلاميي السودان الذين لم يهمهم في العقود الماضية سوى منطق البقاء في السلطة، ومساندة البشير في كل ما قام به من مذابح وقمع للمختلفين معه سياسيًّا، وهي الانتهاكات التي يندد بها الإخوان في مناطق أخرى من العالم العربي، وها هم مع الوصول للحكم في السودان يمارسونها بأبشع صورة، وهي انتهاكات ارتبطت أيضًا بتجارب حكم الإسلاميين في المنطقة، فما انتقده الإسلاميون في المعارضة كانت هي السلوكيات التي مُورست في الحكم، فالحركات الإسلامية لا تعي أنها بالداخل هي بنى سلطوية بالأساس، كل ما يعنيها على الحقيقة هو الهيمنة والبطش بالخصوم، لتحقيق ما تدعوه بالتمكين.

لا يفهم إخوان السودان إذا وإلى اليوم، أن الحِراك الأخير في سودان الثورة، هو حراك ضد الحكم الإسلامي، وأن التجربة تجاوزتهم، وأنه ليس ثمة دور يمكن أن يلعبوه في هذا التغيير، وبالتالي يلزمهم الصمت وتَركِ التجربة لفاعلين مدنيين آخرين، يمكنهم أن يصلوا بالسودان لنموذج آخر غير الذي وصل إليه بفعل الإسلاميين.

لكن المؤكد كما يقول المحللون أن إسلاميي السودان غير راضين تمامًا عن مسار السودان اليوم. ويرون فيما يجرى إقصاءً لهم من المشهد السياسي.


من يدعم إخوان السودان؟

ثمة تحالف قائم اليوم، ولا يخفى على أحد، بين قطر والإسلاميين، كما يرى كثير من نشطاء الحراك، والمتابعين للشأن السوداني، يهدف لعودة الإسلاميين والحفاظ على دور لهم في المشهد السياسي، فقطر التي دعمت البشير ونظامه لسنوات باعتباره محسوبًا على الإسلام السياسي. تحاول اليوم بهذا التحالف جاهدة إعادة العجلة إلى الوراء، وإن لم يكن عودة لنظام البشير، فعلى الأقل المحافظة على دور فاعل للإسلاميين في سودان ما بعد الثورة.

قطر اليوم بالنسبة للإخوان في السودان، هي أنبوبة الأكسجين، القادرة الوحيدة على إعادة الإخوان للحياة، في السودان الذي لفظ شعبه الإسلاميين ومن يدعمهم، لذا تحاول قطر اليوم العودة للسودان بكل ما أوتيت من قوة، وبكثير من الوسائل والطرق، فتبحث عن منفذ يتيح لها العودة مجددًا للساحة السودانية بعد توتر سابق مع المجلس العسكري الانتقالي الذي قاد لفترة مرحلة انتقالية انتهت بحوار مع المعارضة الممثلة للحراك الشعبي وأفضى (الحوار) في النهاية لاتفاق حول تقاسم السلطة نتج عنه تشكيل حكومة ومجلس سيادي لإدارة البلاد لعامين تعقبهما انتخابات رئاسية.

وتوترت العلاقات بين الخرطوم والدوحة على إثر تحرك قطري لإعادة ترتيب بيت إخوان السودان بالإشراف على اجتماعات مكثفة لتوحيد أحزاب سودانية لها خلفية إسلامية لإعادة إنتاج النظام السابق، الذي كان يتزعمه الرئيس المعزول عمر البشير ويقوده الإسلاميون.

وتستمر المساعي القطرية للعودة للسودان، لتجد لها موطئ قدم في سودان ما بعد البشير، وهو السودان الذي يرفض أي تدخلات في شأنه الداخلي، من أي طرف كان، وفي هذا الصدد نجد تصريحات عديدة من النظام القطري، تدعم هذه المساعي، التي تواجه بشكوك سودانية ورفض متكرر، لإدراك السودانيين لطبيعة التدخل القطري، فقطر لما تتدخل لحماية الثورة، كما يرى كثير من المشاركين في الحراك، إنما تدخلت لحماية إسلاميي السودان، وترتيب بيتهم الداخلي لتجد لهم موطئ قدم في النظام الجديد وفي السودان ما بعد البشير.

وتسعى الدوحة، كما يقول العديد من المحللين، لاستعادة نفوذها المسلوب في الخرطوم بعد تفكك النظام الإخواني في السودان مع سقوط نظام البشير.

ولم تجد الدوحة من سبيل للعودة للساحة السودانية إلا بتطبيع العلاقات مع السلطة التي يقودها المجلس السيادي وحكومة عبد الله حمدوك من بوابة الدعم المالي والسياسي بعد فترة فتور في العلاقات. وتوحيد أحزاب إسلامية موالية للبشير لإعادة احياء المشروع الإخواني. ورعت قطر اتفاقية للسلام في 14 يوليو 2011، ورفضته حركات التمرد الرئيسية في إقليم دارفور المضطرب، بينما وقعت عليه الحكومة وحركة «التحرير والعدالة».

كما تستثمر قطر ما قيمته 1.5 مليار دولار في السودان عبر 40 مشروعًا زراعيًّا وسياحيًّا وعقاريًّا، وفقًا لبيانات سودانية رسمية، وينظر سياسيون سودانيون للاستثمارات القطرية بريبة شديدة على خلفية دورها المشبوه في دعم جماعات الإسلام السياسي وتأجيجها للأزمة السودانية بدعمها لأحزاب محسوبة على تيار الإخوان السوداني، يضاف لهذا اتهامات لقطر بالعمل على إسقاط حكومة «حمدوك»، التي لا تخدم المصالح القطرية كما يقول محللون.

خاتمة

تأسيسيًا على ما سبق يبدو واضحًا أن الدور الذي يلعبه إخوان السودان اليوم، هو في حقيقته محاولة لإفشال المسار الثوري الذي اتخذه السودانيون بثورتهم في 19 ديسمبر 2018، لكن في المقابل يبدو واضحًا أن قطاعات كبيرة من الشعب وهي الداعمة للحراك، عازمة على القطيعة مع المؤسسة العسكرية التي يسيطر عليها الإسلاميون، وأيضًا على القطيعة مع الحركات الإسلامية التي لطالما دعمت البشير في إفقاره للشعب