الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

هل ليبيا جارة تركيا؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عندما تكون أدوات الدولة السياسية تصادمية وحادة جدًا، فهى لا تستطيع استخدام الدبلوماسية أو بالأحرى لا تجيدها. هذا ما ينطبق على السياسة التركية حرفيًا، فالأجندات السياسية المتخبطة تطغى على لغة العقل والمنطق والعلاقات الدولية، وتكتيكات الدولة العثمانية في القرن الثامن عشر تسيطر على ذهنية السلطان في القرن الحادى والعشرين، لذلك تجد نفسها دائمًا في صراعات واختلافات وحروب مع الجميع، فما الدولة التى تحظى بصداقة تركيا حاليًا؟ إذا استثنينا الدوحة التى تتطابق سياساتها مع أنقرة تمامًا، لاعتبارات القاعدة التركية والجنود المتناثرين في قطر، فإن بقية دول العالم تضع حواجز ومسافات ومحاذير. فبعد العمليات العسكرية وغزو الشمال السوري، جاءت آخر المغامرات التركية غير المحسوبة بإعلان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان عن تدخل بلاده عسكريًا في ليبيا، قبل أن تبدأ أنقرة في إرسال جنود ومرتزقة، وهى من سبق وأرسل أسلحة، في مخالفة صريحة للشرعية الدولية وانتهاك لقرار مجلس الأمن رقم 1970 لعام 2011، الذى ينص على عدم مد ليبيا بالأسلحة.. كل هذا يحدث رغم عدم وجود حدود مباشرة بين ليبيا وتركيا، فجزيرة كريت اليونانية تفصل بينهما، كما أنه لا توجد بينهما أى فواصل بالبحار حتى يتم توقيع اتفاق بحرى لم يعترف به أحد، إلا أن وزير الدفاع التركى خلوصى أكار، له تعريف آخر للجغرافيا، عندما صرح أمس بأن «ليبيا جارتنا من البحر»!، ووفق هذا التعريف «العثماني» الخيالي، فإن الهند وباكستان جارتان للسعودية، وسوريا جارة لفرنسا، ولبنان جار لإسبانيا!
تحتل ليبيا المرتبة الخامسة عالميًا في احتياطيات النفط، بمعدل 74 مليار برميل تكفى لتصدير النفط 112 عامًا أخرى، وهو قد يكون سببًا كافيًا يدفع أنقرة لمحاولة التدخل، خصوصًا مع معاناتها في موارد الطاقة واستيرادها 90% من احتياجاتها النفطية، ناهيك باستهلاكها 500 ألف برميل يوميًا، إلا أن الهدف الاقتصادى ليس وحده ما يدفع تركيا إلى التدخل عسكريًا، فلا يخفى على أحد المكانة المتنامية لليبيا كعامل استراتيجى رئيسى في السياسة الخارجية التركية، تستخدمها سواء لمنافسة خصومها القدامى كاليونان أو الجدد كمصر، وكان ذلك يحدث بواسطة أذرعها من الميليشيات، لكنه أصبح يتم بشكل رسمى وفاضح، بالإضافة إلى أن ليبيا تمثل المركز الرئيسى في طرق الهجرة بين القارتين الأفريقية والأوروبية، وهذا الملف استخدمته تركيا جيدًا لابتزاز جيرانها الأوروبيين وتهديدهم بغزو المهاجرين السوريين للحصول على مكاسب مادية لا حصر لها، وهى هنا أيضًا تريد أن يكون لها دور جديد، بحيث لا يمكن لأى سياسات مناهضة للمهاجرين في أوروبا التصدى لها دون أن يكون لتركيا يد فيها تمارس ابتزازها مجددًا.
الغزوة التركية لليبيا فشلت قبل أن تبدأ، فبالإضافة إلى صعوبة تنفيذ ذلك على أرض الواقع، واختلاف الظروف الجغرافية التى دفعت أنقرة إلى التدخل العسكرى في سوريا، والتى لم تحقق أهدافها حتى الآن على كل حال، فإن السمعة التركية أصبحت في الحضيض عالميًا، ولا توجد دولة لم تُدِن هذا التدخل التركى الغاشم، باستثناء قطر طبعًا التى أيّدته، وغدت السياسة التركية مرتبطة بالتهور والعنجهية والغرور، لذلك فإن السياسة التركية تستحق جائزة المركز الأول في تحقيق الفشل الذريع سياسيًا وعسكريًا واستراتيجيًا.
وبعيدًا عن واجب «الجيرة» الذى دفع تركيا إلى غزو ليبيا، وقبلها سوريا، أليس الأقربون أولى بالمعروف؟ أليس الجزر التركية التى تقول تركيا إنها «محتلة» من اليونان في بحر إيجة أكثر قربًا من سوريا وليبيا؟ فإذا لم تتحرك من أجل تراب بلدك، فكيف تفعلها من أجل تراب دول أخرى؟!
* نقلًا عن «الشرق الأوسط»