الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

عبدالرحيم علي.. مشاغبات من الصعيد إلى أوروبا "3".. البرلمان خطوة تأجلت 20 عامًا.. "درويش ودنقل والأبنودي" 3 شعراء أثروا في تكوين ابن عروس الصعيد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انضم في حلقة ثورية سرية مع رفيقي الرحلة مصطفى بيومي وعادل الضوي
التحق بحزب التجمع ونشط في اتحاد الشباب التقدمي.. إصداراته وأبحاثه ماركة مسجلة للانحياز الوطني والدولة المدنية
رفض الضغوط للترشح في المنيا وساند "وجيه شكري" في المعركة الانتخابية
كان يمكنه أن يحصل على مقعده في البرلمان قبل عشرين عاما.. ومن أي دائرة يختارها
قدم خدمات ومساعدات مباشرة من خلال فريق عمل متخصص لتلك المهمة
فارس "الصندوق الأسود" يختار "أرض اللواء" لانطلاق حملته الانتخابية

يعرف الجميع، حكومة ومعارضة، الانتماء الفكري لـ"عبدالرحيم علي"، هو ابن تيار اليسار المصري الذي قدم تضحيات مذهلة على مدى تاريخه منذ عشرينيات القرن الماضى، دفاعا عن العدالة الاجتماعية والحرية والاستقلال، وكنت قد ذكرت في فصل سابق أن عبدالرحيم علي بدأ انخراطه في العمل العام بداية الثمانينيات، بدأ شاعرا مغرما ومفتونا بالشاعر العربي الكبير محمود درويش، فموسيقى اللغة لدى محمود درويش مع انحيازه للقضية الوطنية لهما القدرة على خطف الانتباه، وفي ظني أن كل المبدعين الذين بدأ إنتاجهم في الظهور مطلع الثمانينيات تأثروا بـ"درويش" ودخلوا في منافسة معه بمحاكاته.

المنيا التي كانت عاصمة مصر ذات يوم صاخبة بالحراك الأدبي والفني ولا يمر يوم إلا وتنعقد بها ندوة هنا أو أمسية هناك، حتى أن وزارة الثقافة عندما قررت إحياء مؤتمر أدباء مصر في الأقاليم اختارت المنيا لينعقد المؤتمر الأول على أرضها. 
وسط هذا الزخم الإبداعي والمعرفي تتشابك العلاقات ويتقارب أصحاب الهم الواحد.. يتعرف "عبدالرحيم علي" بديوان الشاعر الكبير أمل دنقل وقصيدته المشهورة "أقوال جديدة عن حرب البسوس" والتي يقول مطلعها.. لا تصالح.. ولو منحوك الذهب.. لتمثل هذه القصيدة صدمة كبيرة للشاب الذي يسعى باحثا عن تكوين فكري وإبداعي ينسجمان معه.. لغة "دنقل" هنا مختلفة تماما عن درويش، بل ربما أعمق وموضوع القصيدة في منتهى القوة، حيث يستلهم أمل دنقل التراث ويعيد إنتاجه بصورة معاصرة، فضلًا عن الرسالة الواضحة في النص التي يرفض فيها "دنقل" معاهدة كامب ديفيد وهو ذات الموقف السياسي الذي كان يتبناه عبدالرحيم، فيحفظ القصيدة عن ظهر قلب وتمنعه نصوص دنقل المتوالية وكذلك إبداعات عبدالرحمن الأبنودي من مغامرة كتابة قصيدة جديدة.. الأبنودى في قصيدته الدايرة المقطوعة أنهى كل ما يمكن كتابته من شعر.

يختلط الشعر بالسياسة وتنتصر السياسة على التشكيل المعرفي للشاب الجامعي عبدالرحيم علي، وهناك كان ينتظره رفيق دربه المبدع النابه عادل الضوي، والمثقف الكبير مصطفى بيومي. 
لافتة اليسار كبيرة ويمثلها على أرض الواقع حزب التجمع.. الحزب ملء السمع والبصر وزعيمه خالد محيي الدين هو الملهم لكل الحالمين بالاشتراكية بل وبالديمقراطية أيضا في مصر. 
عضوية حزب التجمع ليست سرا.. ولكن طالما نحن نتكلم في التاريخ نستطيع البوح الآن أن عبدالرحيم علي انضم وبشكل منظم إلى حلقة ثورية سرية مع رفيقي الرحلة عادل الضوي ومصطفى بيومي، حيث يرتفع سقف المطالب عن سقف حزب التجمع، وفي ذلك تفاصيل كثيرة ربما نرويها يوما ما، حيث كان الفتى الأصغر سنا هو المسئول السياسي لهذه الخلية، ما يعني كونه المسئول الأول عنها.
ومن الخلية الثورية، يقرر عبدالرحيم علي الالتحاق بحزب التجمع وينشط في اتحاد الشباب التقدمي "الجناح الشبابى للحزب" ومنه إلى موسكو تلك أيضا تجربة ربما تفاصيلها تصلح لحكايات عديدة عن الفتى الذي قرر في يوم من أيام أغسطس ٢٠١٥ أن يتقدم لانتخابات برلمان الثورة.

الرحلة إلى البرلمان:
الرجل الذي باتت تستضيفه شاشات الفضائيات بشكل شبه يومي صار معروفا وبارزا، وساعده في ذلك معرفته الواسعة بالملف الذي يعمل عليه وهو ملف جماعات التأسلم السياسي، تلك المعرفة التي يطرحها في لغة بسيطة هي مزيج بين النص الأدبي ولغة الصحافة في إطار علمي موثق.
الإصدارات المتتالية من كتب وأبحاث علمية جعلت من اسمه ماركة مسجلة للانحياز الوطني والدولة المدنية، لذلك لم يكن غريبا على قناة الجزيرة قبل أن تنكشف انحيازاتها للتطرف أن تدعو عبدالرحيم علي ممثلا للتيار المدني في مواجهة مشايخ الفتنة من خلال برنامجها الشهير "الاتجاه المعاكس" الذي يقدمه فيصل القاسم.
الفضائيات والكتب وتطور مركز الدراسات الذي أسسه عام 1998، فضلا عن الارتباط الوثيق بينه وبين كل من تعامل معه كلها مؤهلات كانت تقول إن مقعد البرلمان في حاجة ماسة إلى تلك الروح، روح عبدالرحيم علي.
أعرف على سبيل المثال أن ضغوطا قوية مورست عليه في المنيا لكي يترشح، ولكنه رفض ليتفرغ لعمله الذي وهب له حياته.. وكانت المنيا دائرة نموذجية يستطيع الفوز بها من الجولة الأولى.. فهناك العصبيات القبلية اللازمة للعملية الانتخابية وهناك التراث النضالي الذي قدمه كواحد من كبار قيادات حزب التجمع ومن أهم كوادره.
اكتفى في المنيا بدعم قدرات المرحوم الدكتور وجيه شكري، وتقديمه للترشح والوقوف خلفه بكل قوة.. الأمر الذي أوصل الرجل إلى جولة الإعادة ولكن لأسباب متنوعة من بينها الطائفية لم يحصد شكري مقعد البرلمان.. وهنا التفتت كل الأنظار إلى الكاتب الصحفي ليتقدم المعركة ولكنه قرر مرة أخرى التأجيل.
مقعد البرلمان لم يكن مطمعا ولا هدفا في حد ذاته، لأن المعركة التي تدور داخل مصر، بل وعلى الساحة العالمية بين قوى التقدم وقوى التخلف الرجعي المسلح كانت أكبر من مقعد هنا أو أصوات هناك.
ليس معنى هذا ابتعاد القائد الشاب عن محيطه الاجتماعي في أي دائرة تعامل معها.. بل العكس هو الصحيح ويعرف الذين اقتربوا من عبدالرحيم علي في مجالات عمله الخدمات الكثيفة المتنوعة التي يقدمها بشكل يومي لكل من دق على بابه، تلك الخدمات التي لا تتوقف عند حل مشكلة أو تدخل لرفع ظلم عن مظلوم، ولكنها اتسعت لتصل إلى تقديم مساعدات مباشرة من خلال فريق عمل متخصص لتلك المهمة.

وقبل أن أستكمل كتابتي في مقالي هذا لكي أرصد المساعدات ونوعيتها وعدد المستفيدين منها، لأنني كنت شاهد عيان على تلك التجربة في مرحلة ما، رأيت وجه صديقي التاريخي عبدالرحيم علي يطل عاتبا بل يتدخل على الكيبورد ويقوم بمحو ما كتبته معقبا على ذلك بلهجته الصعيدية التي ما زال يحتفظ بها قائلا: "قلنا ألف مرة الحاجات دي بينا وبين ربنا.. لا تتكتب ولا تتنشر". 
ولكنني لا أكتم الشهادة وسوف أبحث عن حيلة فنية لكي أكتب ما أريد من باب التوثيق وليس من باب الاستعراض حول ما يقدمه مكتب عبدالرحيم علي من خدمات اجتماعية حقيقية لكل من كسره الزمن، وبشكل مؤقت يمكن للمتابع والمهتم أن يقرأ ما تنشره صفحة صوت الناس بجريدة البوابة يوميا.
ومؤسسة البوابة التي رسخت أقدامها في 57 شارع مصدق بالدقي صارت معلما أساسيا من معالم الدقي والعجوزة، البناية التي تضم تسعة طوابق وتنتج يوميا للقارئ العربي، بل وكذلك للناطقين بالإنجليزية والفرنسية والألمانية والتركية، عبر مواقعها المتعددة، محتوى إعلاميا متفوقا في مضمونه لكونه صاحب رسالة تقدمية تهدف إلى التنوير ومحاصرة التخلف والإرهاب، تلك المؤسسة التي يقودها ببراعة رمز جيلنا عبدالرحيم علي، نجحت في أن تضم مئات الكوادر المهنية من مختلف التخصصات وصارت هي البيت البديل لـ عبدالرحيم علي، ومحله المختار.. "البوابة" التي شهدت المعركة تلو الأخرى لم تعد كباقي المؤسسات ولكنها مشروع حضاري متكامل.. لذلك لم يبتعد عنها عبدالرحيم علي في محل إقامته وسكنه بالعجوزة صاحبة الذكريات القديمة في لعبة الكر والفر، التي فرضتها جماعات الإرهاب المسلح قبل عشرات السنين.. حى العجوزة الذي كان المخبأ السري لـ عبدالرحيم علي وقت تهديده بالاغتيال.. وطالما ذلك الحي له ديون في أعناقنا فقد جاء وقت الرد ووقت السداد. 

فلاش باك 2005:
في مكتب القائد التجمعي محمد خليل أمين تنظيم الحزب وابن دائرة الدقي وبالتحديد "داير الناحية"، يقنعني خليل بالترشح للبرلمان عن دائرة الإسماعيلية، موضحا أن الحزب يجدد شبابه في المعركة بثلاثة أسماء، الدكتور إسماعيل الخلفي في نجع حمادي، وأحمد سليمان في بورسعيد (نجح فيما بعد وحصل على عضوية البرلمان) وخالد حريب في الإسماعيلية.. سألته مباشرة وزميلنا الكاتب الكبير عبدالرحيم علي، أجاب محمد خليل قائد التنظيم بكل ثقة: عبدالرحيم يسبقكم بعشر خطوات وهو من سيحدد التوقيت الذي يخوض فيه المعركة والدائرة التي يمثلها.


أكتوبر 2015:
أعمل صحفيا في الخليج منذ سنوات وعلى تواصل شبه يومي بالقاهرة ومتابع دقيق لميلاد "البوابة"، وخطوات عبدالرحيم علي المهنية والسياسية.. تصلني منه رسالة مختصرة على الموبايل تقول "قررت الترشح لانتخابات البرلمان القادمة عن دائرة العجوزة والدقى".. لم أكن بحاجة لدعوة لكي أشارك في معركته الانتخابية.. طلبت إجازة من عملي وحجزت تذكرة القاهرة وبعد أيام قليلة وصلت في ذات اليوم الذي يبدأ فيه أولى جولاته بالدائرة مشيا على الأقدام.. تابعت الشائعة الأولى التي أطلقها منافسوه وهي أن عبدالرحيم علي لن يتمكن من الحركة في الشارع بسبب الحراسات التي تصاحبه باستمرار ويضرب مرشحنا تلك الشائعة في مهدها.. يختار منطقة أرض اللواء لتكون جولته الأولى هناك.. والمنطقة المعروفة بشعبيتها تلك الشعبية المحببة لمرشحنا تستقبله غير مصدقة أن فارس برنامج الصندوق الأسود يمشي الآن في شوارعها ويدخل المقاهي التي تابع زبائنها مرشحنا على شاشات التليفزيون، وهو يصول ويجول فاضحا الإخوان المسلمين، ومنتقدا النخبة التي ساهمت في صعودهم.
استقبال حافل وحاشد لتصبح الناس منذ هذه الجولة هم حراس عبدالرحيم علي، ليسكت منافسوه عن ترديد الشائعات.. معركة قوية بها مئات التفاصيل، جولات يومية مكثفة من أرض اللواء إلى بين السرايات إلى ميت عقبة.. جلسات ومناقشات ومقاهي في سليمان جوهر وداير الناحية، بل اختراقات مهمة في عشش السكة الحديد وأولاد علام.. تواصل صادق مع البسطاء وتحركات ذكية في نادي الصيد وخطاب واضح مثقف للنخبة في الدائرة.. ملفات يومية يتم فتحها.. حلول فورية لمشكلات معقدة.. بشكل عام اعتمد مرشحنا على المصداقية لذلك صدقته الجماهير.. ليحصد من الجولة الأولى 54 ألف وردة في شكل أصوات انتخابية، ويكون أول نائب تعلن كل وسائل الإعلام فوزه باكتساح، ويصبح لأهالى الدقى والعجوزة نائب بحجم أحلامهم.. هل انتهت القصة أعتقد أنها بداية أمل أن تتاح لي الفرصة لكي أكملها لنهايتها.