السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الدكتور صلاح فضل لـ"البوابة نيوز": ثورة 30 يونيو أنقذت مصر من ضراوة الدولة الدينية.. التعليم تحول إلى عقبة في طريق التنمية ويجب إصلاحه.. ولابد من مواجهة عصابات الإسلام السياسي

الدكتور صلاح فضل
الدكتور صلاح فضل لـالبوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعد الدكتور صلاح فضل، أستاذ النقد بجامعة عين شمس، وعضو مجمع اللغة العربية، واحدًا من شهود التاريخ الدموي لجماعة الإخوان، حيث نشأ في أسرة أزهرية، خُدعت مثل كثير من المصريين بشعارات الجماعة الزائفة، ما حدا بجده وأعمامه في أربعينيات القرن الماضي إلى تكوين شعبة إخوانية في دارهم بقرية "شباس الشهداء"، التابعة لمركز دسوق، بمحافظة كفر الشيخ، وكان هو أمين مكتبة هذه الشعبة.
ثم ما لبثت الأسرة أن أحرقت الوثائق والأوراق والكتب الإخوانية، وتنصلت من الأفكار التخريبية، بعد أن تكشفت المخططات الاستحواذية للجماعة، وهي الحادثة التي رسخت في وجدانه إيمانًا بأن استخدام الدين في غير مجاله مآله دائمًا إلى النار.
ولأنه ملقب بشيخ النقاد، وأحد رواد التحديث النقدي في مصر والعالم العربي، لذا كان من المهم التعرف على نظرته للقضايا المهمة، مثل: تجديد الخطاب الديني، خاصة أن له باع في صياغة وثيقة الأزهر التي تتعلق بهذا الأمر، والتي لم تخرج إلى النور لسبب مجهول، وإلى نص الحوار.


في البداية ما رؤيتك للشأن العام المصرى؟
لا بد أن يعلم الجميع أن التاريخ المصرى صحح مسار التاريخ العربى كما يفعل دائما، فقد استطاعت ثورة 30 يونيو أن تدحر الجماعات الإرهابية التي لم تكن راغبة لتجر مصر فقط، بل كانت ستجر معها المنطقة العربية جمعاء إلى الهاوية والهلاك، وقد استلهم الجيش المصرى روح شعبه، وفى المقدمة وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي شجاعا متصديا لكل محاولات الإرهاب، كما يحسب لذلك النظام أنه استطاع، في غضون سنوات قليلة، تجاوز أزمة الطاقة، وقدم بناءً وطرقا ومساكن وهو في غمار حربه ضد الإرهاب الشرس مقصد القول إن مصر تسير في اتجاهين معا: الأول البناء والتشييد والنهضة، والثانى محاربة الإرهاب.
ويمكن القول الآن بعد سنوات من الحرب على الإرهاب أن مصر استطاعت أن تكون الدولة الوحيدة بالمنطقة العربية، الأقل إرهابا والأكثر انتصارا على الإرهاب.
بخصوص التعليم كيف يمكن إصلاحه من وجهة نظركم؟
يعد ميراث الخراب والدمار كبيرا، ولا بد أن ننتبه إلى الأهم كى نسرع في إصلاحه، وعلى رأس ذلك بالطبع يكمن التعليم الذي بات عقبة أمام نهضة بلادنا فترى مدارس التعليم الأساسى خربة لا تقدم علمًا لأبنائنا، فالمعلمون تركوا بدون رعاية ووجدوا أنفسهم جائعين لا يستطيعون الإيفاء بمتطلبات منازلهم فلجئوا للعمل في المراكز التعليمية التي تدر عليهم ربحًا يعيشون به في أمان، وأصبح شغلهم الشاغل ليس المدرسة بل الدروس الخصوصية، والعملية التعليمية في تلك المرحلة كارثية، ولابد من انتشالها فورا من براثن التخلف والعتمة التي تعيشها بواسطة عدة طرق، أولها تعيين مدرسين بدلا من المحالين للمعاش بعد اختبارهم بشكل جاد للوقوف على قدراتهم الذهنية والعلمية، مع منح الناجحين منهم مقابلا ماديا يناهض متطلبات الحياة المتزايدة، ليكون المدرس على قدر من العلم والمعرفة، أيضا الاهتمام بالمادة التي تحتويها الكتب، بحيث تتماشى مع التقدم والحضارة، وتجعل التلاميذ قادرين على إخراج إبداعاتهم، فضلا عن أهمية بناء مدارس تستوعب الأعداد الموجودة وتوفير مستلزمات المدارس الحديثة، وذلك بتخصيص ميزانية تناسب الإصلاح التعليمى لأنه الطريق الوحيد لتقدمنا مع الحاجة الملحة إلى وضع استراتيجيات طويلة الأمد تلتزم الوزارات بتنفيذها لا أن يأتى كل وزير ليلغى ما سبقه، فهذا عقم لن يفلح معه التعليم.
وماذا عن التعليم الدينى الأزهري؟
لا بد من إدماج التعليم الدينى في التعليم العام بمرحلة التعليم الأساسى، وأنا أتذكر، كونى خريج الأزهر، أن عدد المعاهد الدينية في الخمسينيات كان لا يتعدى أصابع اليد الواحدة، بينما الآن تخطى عددها الخمسة عشر ألف معهد، وهو ما ليس له نظير في أي مكان إسلامى آخر، فلسنا بحاجة إلى كل هذه الأعداد، ولا أقصد بذلك أي مساس بالأزهر، فالأزهر هو علم دراسات العلوم الشريعة وهي كليات الشريعة والفقه ويجب أن ترفع نسبة تنسيق هذا الكليات حتى يخرج علماء الدين على أعلى ثقافة لأن هؤلاء الأئمة يشكلون الوعي العام، إلى جانب يجب أن يكون في كل مسجد مكتبة تنويرية وثقافية وأدبية ويكون إمام المسجد أمينها.


كيف ترى الموقف الثقافي حاليًا؟
في الفترة الليبرالية لعبت الثقافة دورا خطيرا جدا في توجيه السياسة كان المثقفون هم قادة الرأى والفكر والموجهون للزعماء السياسيين كان مقال واحد من الممكن أن يسقط وزارة وهى الفترة في 30 عاما التى أفرزت الطاقات العظمى الخلاقة، حيث إن طه حسين نشأ في هذه الفترة، وتوفيق الحكيم، والدكتور محمد حسين هيكل، والزيات والعقاد والمازنى، ونجيب محفوظ، والحركة العلمية، والجامعات المصرية، فهذه الفترة الليبرالية المزدحمة بالأحداث هى الفترة التي مثلت الشرارة الحقيقية للنهضة المصرية.
ومنذ عام 2011 حاول المثقفون أن يقوموا بدور لكن اختطفت الثورة على يد جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين وحدث ما حدث في العام الأسود الذى حكمنا فيه المتأسلمون وحاول مرسى أن يرتد بمصر إلى عصر المماليك والقرون الوسطى، ثم جاءت ثورة 30 يونيو لتنقذ مصر مرة أخرى وتضع نتائجها العظمى، فثورة 30 يونيو أنقذت مصر والشعب من ضراوة الدولة الدينية.

هل السلفيون أقل خطرا من الإخوان؟
إطلاقًا فالجماعة السلفية أكثر تعصبًا وانغلاقًا وضيقًا في الأفق من الإخوان، وأيضًا أكثر جهلًا ومغالطة وتخلفًا في فهم مقاصد الشريعة الحقيقية، وبداخلهم عداء وكراهية ورغبة في تدمير الآخرين، ناهيك عن اعتناقهم أفكارًا أصولية تخريبية، لكنهم يتسمون بشيئين الأول أنهم أشد جُبنًا من أن يقفزوا على السلطة أو يتولوها، والشيء الثاني أنهم عملاء لدول أجنبية يقبضون منهم المال الذي يتحركون به سياسيًّا في مصر، ولذلك هم ليسوا أحرارًا في قراراتهم، والسبب في انخفاض أصواتهم الآن، واختبائهم داخل الجحور هو انقطاع الدعم والتمويل عنهم، إضافة إلى خوفهم من السلطة.
وأذكر أنه في العام 2014 حين كنا نصيغ دستور مصر التوافقي عقب دحر حكم الإخوان الفاشي، وكنت مستشارًا للجنة الدستور، كلفني المفكر الدبلوماسي عمرو موسى، بأن أتحاور مع السلفيين أعضاء اللجنة، واكتشفت أثناء حواري معهم أنهم مقتنعون بما نقول من وجهة نظرنا المدنية، لكنهم يرفضون إعلان قناعاتهم هذه على الملأ؛ خوفًا من مواجهة أتباعهم، وهذا يؤكد أنهم كاذبون في ادعاء الدفاع عن الإسلام حتى على جماهيرهم.
وكانت المشكلة الثانية التي واجهتني أثناء حواري معهم هي رفضهم إعمال عقولهم، والاكتفاء بالخضوع للأكاذيب التي اخترعوها مع جمهورهم، وكنت أضحك كثيرًا من حججهم؛ لأنك إذا كنت مفكرًا وزعيمًا سياسيًّا فأنت الذي تقنع جماهيرك، ولا تقبل بأي حال من الأحوال أن تخضع لابتزازهم.
من وجهة نظركم.. ما معنى تجديد الخطاب الدينى؟
تجديد الخطاب الديني اختصاص أصيل للمفكرين والمثقفين والعلماء الحقيقيين، لا يمكن تجديد الخطاب الدينى في ظل قوانين مثل قانون ازدراء الأديان فهى الجدار الأصم الذى يمنع تجديد الخطاب الدينى، فلا بد من مطالبة البرلمان بتعديل هذه القوانين، الخطوة الثانية بعد اتاحة حرية الرأى أن يكون هناك جدل دينى بدون تكفيرى، بدون اتهامات بالتكفير أو الإلحاد وهذا أسوا ما وصلنا إليه بسبب عصابات الإسلام السياسى، فإذا عقابنا من يكفر غيره لان ذلك تحريض على القتل وإذا عاقبنا ذلك بتهم التحريض على القتل وعاقبناه بالأشغال الشاقة سوف لا يجرؤ أى صاحب لحية أو عمة أن يكفر غيره، بالإضافة إلى اتاحة الجدل الحر، وان يكف بعض ائمة المساجد عن التعصب الدينى والتحريض على أصحاب الديانات الأخرى، وان يثقفوا تثقيفا تنويرا، وأن يكون في كل مسجد مكتبة تنويرية وثقافية وأدبية وأن يكون إمام المسجد هو أمينها وأن يقرأ لا أن يقرا الكتب الدينية فقط بل يقرأ في الدين والأدب وأن يكون هناك هيئة تشرف على المكتبات تشرف على محتواها، فالمساجد كانت قديما كان يلقى فيها الأشعار وفيه اقاصيص كثيرة وتذاع فيه الاشعار كانت بعيدة عن الأخلاق كانت تلقى في المساجد ابن عباس أنشد بيتا شنيعا ثم أذن للصلاة لكى يثبت بأن المسجد بيتا للثقافة وليس للعبادة فقط.
هل الحجاب من وجهة نظرك فريضة؟ 
لا فالحجاب يرتبط بالعادات والتقاليد والاحتشام وأنا دخلت في حوار حاد جدًا وطويل مع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بخصوص هذا الشأن، وبعض هذا الحوار عام وبعضه الآخر شخصي، لكن الرجل في الحقيقة بالغ الطيبة والدماثة والأدب.
كما أنني من أسرة شيوخ وتربيت إلى حد كبير منقوعًا في الثقافة الدينية، ومع ذلك لا أجد أي غضاضة في أن تكون زوجتي أو ابنتي غير محجبه لأنه لم يقل أحد على الإطلاق أن الحجاب فريضة، إلا بعد ضغط من الإخوان والسلفيين وربما بأكثر من الضغط، ونحن نعرف أن الزي مسألة مواءمة اجتماعية مع الحفاظ على المظهر الأخلاقي فقط، ومن ثم عندما وضعنا عقب قيام ثورة 25 يناير 2011 وثيقة حقوق المرأة، لم أذكر فيها ما يتصل لا بالحجاب أو النقاب ولا بزي النساء عامة؛ لأنها وثيقة كانت تهدف إلى زيادة حرية المرأة.


كنت في صغرك من أعضاء جماعة الإخوان ثم ما لبثت في شبابك وشيبتك أن عاديتهم عداءً شديدًا فلماذا؟
ليس الأمر على هذا النحو، وكل ما هنالك أنني نشأت في أسرة أزهرية فكان والدي وجدي من علماء الأزهر، وكان هذا وسط مناخ ريفي جميل، التدين فيه ظاهرة طبيعية؛ لكنه كان تدينًا منفتحًا ومعتدلًا، وكانت جماعة الإخوان حينئذ في بداياتها، وقد استثمر عناصرها وسطية المصريين ونقاء قلوبهم ونفذوا إلى القرى والمنعطفات؛ من أجل استمالة الناس لكي ينضموا إليهم، ثم بعد فترة زمنية قصيرة انفض الجميع من حولهم بعد أن اتضحت برامجهم الاستحواذية، وخططهم للسيطرة على السلطة.
وأذكر وأنا طفل صغير،أن جدي لأبي وأعمامي كونوا شعبة صغيرة تابعة لجماعة الإخوان، وأوكلوا إلىَّ مسئولية أمين مكتبة هذه الشعبة، لأنني كنت مولعًا بالقراءة، وعندما حدثت موجة الاغتيالات التي نفذها الإخوان، والتي كان من أبرزها اغتيال محمود فهمي النقراشي، رئيس وزراء مصر، وما تبعها بصدور أول قرار بحل الجماعة في نهاية الأربعينيات، أدرك الجميع حينئذ أن هذه الجماعة تتخذ الجريمة سلمًا للقفز على السلطة، وليست هي التي زين لهم أنها إسلامية.
وبالفعل حلت الجماعة في نهاية الأربعينيات، وحرقنا الوثائق والأوراق والكتب التي كانت بمنزلنا، وكنت حينئذ طفلًا أرقب ألسنة النيران وهي تلتهم كل ما تأتي عليه، وقد أيقظ هذا المشهد (على وجه التحديد) بداخلي قدرًا من الوعي الفكري المبكر، ورسخ في وجداني أن استخدام الدين في غير مجاله مآله دائمًا إلى النار؛ سواء تلك التي تحرق الأوراق في الدنيا، أو نار الآخرة.