الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليبيا.. تحرير العاصمة شرط نجاح مؤتمر برلين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهدت الأيام الماضية تحركات دبلوماسية دولية متسارعة بهدف إنجاح مؤتمر برلين المزمع عقده الأحد المقبل 19 يناير2020، وهو المؤتمر الذى طال انتظاره منذ دعت إليه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل مطلع سبتمير الماضى لإيجاد حلول للأزمة الليبية.
آخر تلك التحركات كانت المبادرة الروسية لإعلان وقف إطلاق النار وبدء هدنة بين الجيش الوطنى الليبى وبين ما تبقى من الميليشيات والعصابات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق غير الشرعية والمنتهى صلاحيتها قبل عامين بموجب اتفاق الصخريات الذى جاءت على أساسه.
في البداية رفض الجيش الوطنى الليبى الذى لا يفصله عن مقر حكومة الميليشيات سوى 2000 متر المبادرة، فقد بات قاب قوسين أو أدنى من ساعة إعلان تحرير طرابلس، لكن وبعد اتصالات أجراها الرئيس الروسى فلاديمير بوتين مع كل من الرئيس عبدالفتاح السيسي والشيخ محمد بن زايد، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة الليبية قبول الهدنة، وفق شروط أهمها وقف التدخل التركى العسكري، والعمل على تفكيك الميليشيات والعصابات المسلحة التى طالما خضع فائز السراج رئيس ما يسمى بالمجلس الرئاسى لإرادتها.
وبحسب مصادر سياسية وتقارير صحفية قدم بوتين تطمينات لكل من الجيش الليبى ومصر والإمارات بشأن التدخل التركى والموقف من الجماعات الإرهابية، وحتى يؤكد المشير خليفة حفتر أن حربه ليست طمعا في السلطة، أو صراعا مع طرف سياسى وافق على الذهاب إلى موسكو للانخراط في مفاوضات سياسية كان من المفترض أن تفضى إلى التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار وهدنة طويلة الأمد ويبدأ بموجبه تفكيك الميليشيات المسلحة التى تسيطر على العاصمة، مع انسحاب كامل لكافة العناصر التركية التى جاءت لمحاربة الجيش الوطنى الليبي.
وفى مقر وزارة الخارجية الروسية، حيث عقدت المفاوضات لمدة ست ساعات، اجتمع الوفد الليبى برئاسة المشير حفتر مع المسئولين الروس فيما اجتمع وفد الميليشيات برئاسة فائز السراج مع مسئولين أتراك بالإضافة إلى الطرف الروسي، الذى كان يلعب دور الوسيط.
وللأسف لم تكن موسكو وسيطا محايدا، فقد هيمنت مصالحها مع تركيا على إدارتها لعملية التفاوض حيت مارست ضغوطا كبيرة على المشير حفتر ليقبل التوقيع على وثيقة لوقف إطلاق النار لا تنص على تفكيك الميليشيات وتجعل تركيا مشرفا على عملية تحديد نقاط التماس بين قوات الجيش الوطنى وعناصر الميليشيات، ومراقبا للهدنة، أى أن تركيا التى استدعيت لاحتلال ليبيا من قبل حكومة الميليشيات ستصبخ فاعلا رئيسا في صياغة مستقبل البلد، علاوة على ذلك لم تذكر الوثيقة شيئا عن الاتفاق الأمني والبحرى المخالف لاتفاق الصخيرات والقانون الدولى والذى سمح للرئيس التركى رجب طيب أردوغان بإرسال مئات المرتزقة السوريين للقتال في ليبيا.
الوثيقة التى رفض المشير حفتر التوقيع عليها، جعلت من فائز السراج وعصابته من جنرالات الإرهاب طرفا سياسيا في المعادلة الليبية وأفرغت حرب تحرير العاصمة من مضمونها، وصورتها باعتبارها صراعا سياسيا بين طرفين على السلطة بل إنها بحسب غالبية المراقبين والمحللين تعمل على تقسيم ليبيا عمليا كما يقول المحلل السياسى المتخصص في الشأن الليبى محمد فتحى الشريف الذى يرى أن الوثيقة كانت تسعى للاعتراف بالنواب المنشقين المتواجدين في طرابلس بوصفهم يمثلون برلمانا موازيا.
قبل نحو أسبوع افتتح الرئيس الروسى مع نظيره التركى خط السير التركى الذى سينقل 31 مليار قدم مكعب من الغاز الروسى إلى تركيا وجنوب أوروبا، ويبدو أن هذه الصفقة قد ألقت بظلاها على اجتماع موسكو وسياستها عموما تجاه ليبيا.
لكن الغاز وما رتبه من مصالح إستراتيجية بين أنقرة وموسكو لم يكن السبب الوحيد في انحياز الأخيرة للتصور التركى لوثيقة الهدنة، فقد لعبت ادلب السورية هى الأخرى دورا كبيرا في التأثير على الموقف الروسي.
وعما إذا كان رفض المشير حفتر التوقيع على وثيقة الهدنة يعنى انتهاءها، قال الدكتور محمد الزبيدى أستاذ العلاقات الدولية بالجامعات الليبية إن الهدنة مكنت القوات المسلحة الليبية من إعادة التمركز في مواقع جديدة تساعدها في عملية تحرير قلب العاصمة أى أن الهدنة كانت مفيدة من الناحية العسكرية للجيش الليبي.
وتفيد المعلومات الواردة من ليبيا أن رحلات الطيران بين مطارى أسطنبول ومصراتة لم تتوقف منذ الأحد الماضى وحتى كتابة هذه السطور وأن مئات المرتزقة قاموا بالتمركز بعدة مواقع داخل مدينة مصراتة بينما توجهت أعداد منهم إلى مدينة طرابلس.
ربما كانت هذه الأنباء سببا إضافيا دفع المشير حفتر إلى رفض التوقيع على وثيقة الهدنة فبينما تتم مفاوضته على ترتيب وقف إطلاق النار يقوم أردوغان بإرسال مئات الإرهابيين والمرتزقة لاحتلال بلاده. ويؤكد الدكتور محمد الزبيدى أن عمليات نقل المرتزقة والأسلحة إلى ليبيا لم تتوقف وأنها كانت ستستمر سواء بوجود هدنة معلنة أم لا.
يبقى القول ان اجتماع موسكو فشل في تحقيق أهدافه المتمثلة في تثبيت الهدنة وتمكين تركيا من لعب دور أكبر في ليبيا تمهيدا لمؤتمر برلين وأنه بدلا من ذلك كتب شهادة رسوب المؤتمر قبل أن يبدأ، وربما كان موقف الروس ودعمهم لتركيا من حسن حظ الليبيين، لأنه أفشل مؤتمر برلين الذى كان سيتعامل مع كل من المشير الخليفة حفتر وفائز السراج كطرفين سياسيين على عكس واقع المشهد الليبى الذى يعبر عنه المشير حفتر أن الأزمة في ليبيا أمنية وليست سياسية وأن الجيش الوطنى الليبى ذهب لتحرير طرابلس من جماعات إرهابية وعصابات إجرامية وليس للإطاحة بسلطة سياسية.
لا يمكن الرهان على مؤتمر برلين بأى حال طالما لم يتغير فهم المجتمع الدولى لطبيعة الصراع في ليبيا كما أشرت بهذه الزاوية في مقال سابق.. ربما نحتاج لبرلين جديدة تتوافر فيها شروط النجاح وأهمها تحرير العاصمة طرابس وباقى مدن الغرب الليبى من سطوة جنرالات الإرهاب الذين انصاع لهم فائز السراج لتسقط شرعيته الوطنية والسياسية وحتى الاجتماعية، فلا برلين بتواجد السراج ومن يمثله، ولا بديل عن تحرير طرابلس حلا للأزمة الليبية.