الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"الهدنة الهشة".. لماذا رفضها حفتر ثم عاد ليقبلها؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعلن الجيش العربي الليبي، موافقته على مبادرة وقف إطلاق النار، التي طالب بها الرئيس الروسي بوتين ونظيره التركي أردوغان. الإعلان فيما يبدو جاء مخالفًا لتوقعات الكثيرين، والحق أقول لكم إنني واحد من هؤلاء الذين جانب توقعاتهم الصواب، فالجيش الليبي سبق وأعلن رفض المبادرة واستمرار المعركة حتى تحرير طرابلس، ما يعني أن ثمة متغيرات دفعته للقبول بها بشكل مفاجئ.
الموضوعية تقتضي التنويه في البداية، أن كاتب المقال ليس خبيرًا عسكريًا ولا يدعي، وكذلك تقتضي الاتفاق على أن القرارات العسكرية والأمنية، أسبابها في معظم الأحيان تكون مثل جبل الجليد، يختفي منه تحت الماء أكثر مما يظهر فوقه، لذا فإنني لست في إطار تقييم قرار عسكري، فللأمر رجاله، وإنما أتناول القرار من الناحية السياسية، خاصة أنه في تقديري قرار سياسي أكثر منه عسكري.
بين الرفض والقبول، ثلاثة أيام وترحيب بالدور الروسي وتجاهل تام لدور تركيا ورئيسها. خطاب رفض المبادرة نفسه تمت عنونته بـ"بيان القيادة العامة... بخصوص المبادرة الروسية"، رغم أن المبادرة كانت بناء على جلسة مشتركة بين الرئيسين الروسي والتركي في أنقرة، فإنه تم تجاهل حتى ذكر اسم تركيا وأردوغان في البيان، الذي استبق اسم بوتين بـ"فخامة الرئيس" والذي وصف روسيا بـ"الدولة الصديقة".
على مدى الأيام الثلاثة، واصل الجيش الليبي عملياته العسكرية، كما قال في بيان رفض المبادرة، بل لنقل كثفها على محاور عدة. واصل زحفه من سرت المحررة نحو مصراتة، وكثف عملياته ضد الميليشيات المسلحة على محاور طرابلس المختلفة، وفرض حظر جوي على مطار معيتيقة وشن غارات مكثفة عليه، كذلك منع الإبحار من أو إلى ميناء الخمس وميناء مصراتة، واعتبرهما مناطق عمليات عسكرية.
استغل الجيش الليبي فترة الثلاثة أيام ما بين رفضه للمبادرة وقبوله بها، في تقوية موقفه العسكري على الأرض بكسب أراض جديدة، وكذلك في الظهور بما لا يدع مجال للشك أمام الجميع بأنه الطرف المنتصر، وكذلك تقليله من شأن تركيا كوسيط في الصراع، لكونها منحازة وداعمة لأحد أطرافه، وإلقاء الثقل بالكامل في كفة روسيا، فتصبح الدولة التي ارتضى بها أطراف الصراع المختلفة في ليبيا.
ما قام به المشير حفتر عززه، فيما يبدو دون قصد، تصريح وزير الخارجية التركي، بأن بلاده تأمل أن تمارس روسيا ضغطًا على المشير خليفة حفتر، للقبول بوقف إطلاق النار.. هكذا أصبحت المبادرة روسية بامتياز، وأصبحت موسكو هي المحطة الأهم في مسيرة الصراع في ليبيا خلال المرحلة المقبلة، وأضحت تركيا طرف في الصراع وليست وسيط، فالوساطة تشترط القبول من طرفي الصراع، لا طرف دون آخر.
ليس عندي معلومة مؤكدة حول ما إذا كان المشير حفتر استهدف ذلك بالفعل، لكنه في النهاية حدث، وفي تقديري أنه كان يخطط له.. أمامه من الأيام ثلاثًا فلما لا يستغلهم في المراوغة السياسية وتحقيق المزيد من الانتصارات العسكرية لتقوية موقفه في أي مفاوضات مقبلة؟!، ثم قبل الموعد المحدد لبدء الهدنة بساعتين، يعلن قبوله بها.
بقبول وقف إطلاق النار، يكشف الجيش الليبي حقيقة أسطورة الحل السياسي، بقبوله به، قبل مؤتمر برلين المزمع عقده، والذي ستشارك به أيضًا أطراف دولية وإقليمية ذات صلة بالصراع في ليبيا، والحل السياسي يقضي بإلقاء الميليشيات سلاحها، وحصر شرعية حمل السلاح في الجيش الليبي فقط، الذي يمثله المشير خليفة حفتر، المعين من قبل البرلمان الليبي المنتخب، فهل ستقبل الميليشيات المسلحة بذلك!.
9 سنوات من الحرب في ليبيا أنتجت أمراء حرب، كل أمير على رأس ميلشيا أصبحت عصابة، هو يملك السلطة المفروضة بالقوة، والمال المنهوب من الشعب، والسلاح الممنوح له من أجهزة مخابرات دولية، أما المهنة فهي إرهابي!. هكذا يكسب الميلشياويون قوت يومهم وأيامهم المقبلة، وهكذا يؤمنون لأنفسهم حياة مترفة بالدولارات التي يحصلون عليها شهريًا كرواتب، نظير الإتجار في البشر أو في البترول المسروق أو خيانتهم لوطنهم.
مسلحون بهذه المواصفات، لا يمكن أن يكونوا طرفًا في وقف إطلاق نار حقيقي، بل أقول إنه لن يكون من مصلحتهم وقف حقيقي لإطلاق النار، هم مرتزقة، حتى لو كانوا ليبيين الجنسية، هم مرتزقة يرتزقون ويتكسبون من القتال، وبالتالي لا مجال لترك السلاح، فما بالك بمرتزقة ومن جنسيات أخرى غير ليبية!.
هذه هي الميليشيات التي تقع حكومة السراج أسيرة لها، هي تسيطر عليها وتُسيرها وتأمرها، وليس العكس، وبالتالي فإنه لا سلطة للسراج ولا حكومته عليها، ولا هم بقادرون على إلزامها بوقف إطلاق النار، وهذا في تقديري أيضًا ما يدركه جيدًا المشير حفتر، لذا فهو يدرك تمامًا أنه ذاهب إلى هدنة هشة، سيتم خرقها عاجلًا أو آجلًا، وهنا سيواصل سحقه لها بالسلاح، ولكن هذه المرة، سيكون مدعومًا بشكل أقوى من موسكو، وسيضمن الفيتو الروسي في صالحه، داخل مجلس الأمن إن اقتضى الأمر.
الضغط الميلشياوي على السراج، دفعه لإصدار بيان تالي لبيان قبوله بوقف إطلاق النار، تبنى فيه موقف أمراء الحرب بأن الهدنة تقتضي بانسحاب الجيش العربي الليبي، الذي وصفه البيان بـ"المعتدي" إلى حيث كان في الرابع من أبريل الماضي، عندما انطلق لتحرير الغرب الليبي، وهو المطلب الذي ستنهار عليه الهدنة، فالجيش المنتصر لن يرجع مرة أخرى إلى الوراء، والميليشيات المرتزقة لن تفرط في "أكل عيش" الشعب الليبي المسروق ونهب ثرواته.
سيخرج المشير خليفة حفتر والجيش العربي الليبي من وقف إطلاق النار منتصرًا في كل الأحوال، وستهزم الميليشيات سواء سلمًا أو حربًا، وستعود ليبيا مرة أخرى لشعبها، واحدة موحدة على كامل التراب الوطني.