الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

المتروبوليت باسيليوس منصور يكتب: خواطر في الإصلاح بالفكر الكنسي

المتروبوليت باسيليوس
المتروبوليت باسيليوس منصور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أريد في هذه العجالة، أن أعرض فكر الآباء حول "الإصلاح في الفكر الكنسي"، ولكن سأحاول سبك كلماتي مستمدَّة من فكرهم أي من فكر الذين عاشوا في العصور المسيحيّة الأولى، وهكذا حتى العصر الحديث، وسأعبر في فكري عبرَ الأحداث الشخصّية والقومية والجماعيّة.
يعتبر قول السيد له المجد: "مهما فعلتم قولوا نحن عبيد بطالون"، هي دعوة لنا أن لا نستكين على حال مهما تحسنت الأحوال فكيف إذا ساءت. علينا دائماً كأسياد الأرض والكون، وحتى ملكوت السماوات أن نعمل باستمرار على تحقيق هذه الدعوة التي لا تحدها حدود ولا قياسات، وكانت دائماً منطلقاً تحريضياً للوصول الى معاني كلمة الرسول بولص: "ما لم تره عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه"، كذلك الكلمات تعلن عن المستوى غير الموصوف لما سيحصل عليه البشر إن هم عملوا وفعلوا الفضيلة في حياتهم، ونجم عن نجم يمتاز بلمعانٍ، كلها دعوات للترقي والتدرج من حالٍ حسن الى حال حسن، وكما تصلح هذه الكلمات للأفراد كذلك تصلح للجماعة، وكذلك للأمم، وكما هي في السماء كذلك يجب أن تعاش على الأرض، ولو بالمحاولات. وخبرة القديسين تؤكد أن ذلك ممكن، كانت محاولاتهم في الإصلاح تبدأ من ذواتهم معتبرين في ذلك قول السيد له المجد: "أخرج الخشبة من عينك ثم القذى من عين أخيك"، حتى هذه الآية ذهبت مثلاً في كل العالم، فالإصلاح الشخصي مهم جداً، وأساس في عملية الإصلاح الجماعي، وكل المحاولات أو الأنظمة التي حاولت الإصلاح الجماعي أولاً خابت وفشلت، في الكنيسة، لا يمكن للإنسان أن يصبح أباً روحياً إلا إذا ذاق خبرة إصلاحه الذاتي، وصار بإمكانه أن يشرحها بكل ثقة لتكون الكلمات فعالة في حياة من يساعدهم لإصلاح ذواتهم.
لا ينبري الآباء في الأديار لإصلاح الآخرين وإرشادهم، بناءً على ما قراوه أو سمعوه بل بالأحرى على ما اختبروه فيصبح عندهم معلماً يضيؤون من خلاله للآخرين، "هل تريدون أن تقولوا لي أيها الطبيب طبب نفسك"، نعم هكذا يكون جواب الناس لمن لا يصلح ذاته أولاً.
وإذا اعتمد الأفراد هذا النوع من المحاسبة يصبح بالإمكان صناعة مجتمع مصلح ومتصالح ويسير قدماً نحو الأمام، ولكن إذا ترك الناس أهواءهم الفرديّة على غواربها لا يمكن أن يصلحوا مجتمعهم، فأول شرط والأهم في أي إصلاح أن يبدأ الإنسان بنفسه، وبعد ذلك سيلجأ إليه الكثيرون ليأخذوا من خبرته، حتى ملكوت السماوات هو مجتمع صالح لأن أفراده صالحون.
وبالرغم من انشغال الآباء بأهوائهم الشخصية، والتقدم في القداسة إلا انهم كانوا يهتمون بالجماعات والمجتماعات في حال احتياجها إليهم.
ولنا عبر التاريخ أمثلة عديدة، ولكن أيضاً كانوا يقومون بتنبيه المجتمع لإصلاح ذاته، وبعد ذلك لمواجهة الخطأ، وإذا أصلح المجتمع ذاته يصلح الخطأ أو يزول تلقائياً، وحجر الزاوية في هذا الإصلاح هو اتباع كلمة الرب التي لا يحابى فيها، وتكون الكلمات حينئذ كلمات نبويّة كما كان حال الأنبياء في العهد القديم في توجهاتهم للشعب الغارق في الفساد والخطيئة، وينبهون الشعب أن لا يذهبوا الى كلمات أخرى في أديان أخرى، بل أن يتكلوا على الله الذي أخرجهم مراراً وتكراراً من أرض العبودية والعبوديات للأمم، وأن يسيروا على هَديِ هَدْيهِ.
وأما في الإصلاح ضد القوى الخارجية أو المحتلة فكان للآباء دور هام في إصلاح نفسية الشعوب واستنهاض هممها للمسك بزمام الحريّة والكرامة. ولا أدل على ذلك من تحرير دول البلقان من نير العثمانية، وغيرها من القوى الإستعمارية. وتحرير روسيا من نير المغول والتتر، ولكن قبل التحريض على الثورة ضد الأمم الغريبة، عمل آباء الكنيسة ونساكها على الإصلاح الإجتماعي، لأن الإنسان الذي لا يستطيع مقاومة ضعفاته، والمجتمع الذي لا يعرف نقاط قوّته من ضعفه لا يستطيع أن يسير مسيرة مظفّرة، فكم من الأمم أهلكتهم الخطيئة، وكم من الخطط أفشلتها الرذيلة، والإصلاح الضروري للإصلاح القومي يمتد الى تدارك تداعيات وانهيارات كثيرة تتجاوز الأخلاقيات، إلى المقوّمات الحضارية والمشاعر القومية. والعودة الى ما دلَّ الماضي على نجاحاته، كاللغة تحوي أفراح القوم ومشاعرهم وعلومهم، والشخصيات البارزة لتكون قدوة حياتية، والعودة الى النقاء الحضاري مع الاستفادة، ما يأتي به الواقع من جهالات وكمالات.
أسأل الله، ونحن نعيش في هذه الأيام ثورة حضارية مباركة أن يأخذ بيدنا لإصلاح أنفسنا أولاً قبل أن ننبري لإصلاح غيرنا أو مجتمعنا، وأن نكون يداً واحدة ورؤية واحدة لتنقية هذا البلد الجميل من كل الفاسدين والمفسدين ليعود كما نصلي في الصلاة الربية، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض.
ولتكن السنة الجديدة، سنة إصلاح وخير، وبركة عليكم، وعلى العالم أجمع.