الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الحبيب علي الجفرى يتحدث لـ«البوابة نيوز»: الجنود المصريون لا يخافون الموت ويتوقون للشهادة.. مصر «عمود الخيمة ».. أزمات المنطقة وراءها أطماع من يحاولون السيطرة وإثارة التناحر على الحكم

الحبيب على الجفرى
الحبيب على الجفرى يتحدث لـ«البوابة نيوز»
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الغرب حاول تحييد الدين من خلال العلمانية فتحول إلى صيغة سياسية للاستغلال اليمينى خلال الانتخابات
«تنقية التراث» كلمة بغيضة.. ونحتاج إلى تنقية العقول في التعامل مع النصوص لبناء مجتمعات جيدة
التوجهات المسيسة والمتطرفة اختطفت الإفتاء لسنوات وأوجدت ما يسمى «الدين الموازى»
نحتاج إلى رؤية ناضجة لبناء هوية ثقافية ودينية لـ٥٠ سنة
المؤسسات المنوطة بتجديد الخطاب الدينى «الأزهر الشريف ودار الإفتاء»
في حديث من القلب استطاع الداعية الإسلامى الحبيب على الجفرى، أن يفند مشكلات المجتمع العربى ويتحدث عن المفاهيم الخاطئة التى انتشرت في المجتمعات العربية مؤخرا، ووضع حلول للأزمات التى نعيشها..
الجفرى قال في حوار خاص لـ«البوابة نيوز» إن مؤتمر الإدارة الحضارية للتنوع الفقهى الذى نظمته دار الإفتاء المصرية، كان مفيدا للغاية وناقش العديد من الموضوعات القوية التى تهم المجتمع الإسلامى. 
وأكد أن الأزهر الشريف ودار الإفتاء هى المؤسسات المنوطة بتجديد الخطاب الدينى في مصر، مشيرا إلى أن التجديد فريضة دينية صار الجميع يتحدثون عنها بشكل سطحى.
ووجه الجفرى خلال حواره عددا من الرسائل للشباب العربى وقال «جاوزوا كل هذه الأنماط المقيدة لآدميتكم وتعاملوا مع درجات خصوصيات الانتماء بما يتناسب معها".

■ كيف رأيت مؤتمر الإفتاء الذى ينعقد سنويًا؟ وما جدواه من وجهة نظرك؟
في البداية أود أن أشير إلى أن تقييم أى مؤتمر ومدى الفائدة منه والحاجة لاستمراره ترجع إلى معرفة الهدف منه، وهذا النوع من المؤتمرات ليس هدفها المخاطبة المباشرة للجماهير، إنما هو نوع تخصصى من المؤتمرات في غاية الأهمية، خاصةً أنه جاء هذا العام بعنوان «الإدارة الحضارية للتنوع الفقهى». ويمكن تركيز جدوى وأهمية هذا المؤتمر في ثلاث نقاط، الأولى، تتمثل في كون المؤتمر هو عمل تنسيقى الأول من نوعه في العالم الإسلامى، بين دول، وهيئات الإفتاء المعتمدة، بعد أن مرت علينا سنين طويلة، اختطفت فيها التوجهات المسيسة والمتطرفة، الإفتاء، فأوجدوا ما يمكن تسميته بـ«الدين الموازى»، بديلًا عن المؤسسات المعتمدة والمؤهلة.
وهذه الجهات لديها تنسيقات كثيرة، وشبكات اتصالات متعددة، بينما أصحاب الأهلية الحقيقية للفتوى، ليس لديهم هذا المستوى من التنسيق، لذلك، أؤكد أن تأسيس دار الإفتاء المصرية الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، وعلى رأسها فضيلة المفتى الشيخ شوقى علام، وعقدها المؤتمر، خطوة رائدة، فلأول مرة يحدث هذا النوع من التنسيق المستمر بين دور الإفتاء المعتمدة.
النقطة الثانية، اختيار المؤتمر لموضوعات مهمة جدًا، ولم يكن مجرد «دورة من دورات الكلام البعيد عن الواقع أو التطلعات لما نحتاج إليه»، فالعناوين المطروحة جاءت في غاية الأهمية والتركيز، فعنوان هذه السنة كان «الإدارة الحضارية للتنوع الفقهى». النقطة الثالثة، تمثلت في كون المؤتمر لا ينتهى بانتهاء أيامه؛ بل تبدأ الأمانة العامة لدور الإفتاء عملها، فور انتهاء المؤتمر، وتستمر طوال السنة، ثم نأتى بعد انتهاء العام في الدورة التالية ليعرض ما تم إنجازه من التوصيات خلال السنة، وهذه إضافة تميزه عن باقى المؤتمرات أنه يتولى متابعة تنفيذ هذه التوصيات المشتبكة مع الواقع على نحو منقطع النظير وهذه النقاط الثلاث مجتمعة تكسبه أهمية كبيرة وتجعل استمراره مهمًا.
■ في إحدى ندواتك تحدثت عن القوات المسلحة وتأثر بهذا الحديث كثير من المصريين، ما يجعلنا نتساءل عن رؤيتك للجندى المصرى؟، وهل تشكل موجات الهجوم على الجيش المصرى مصدر إزعاج بالنسبة لك؟
رؤيتى للجندى المصرى نمت من خلال احتكاكى المباشر مع الجنود ومختلف مستويات الجيش المصرى، من جندى وصف الضابط، والملازم، إلى آخر الرتب، وذلك خلال بعض الزيارات التى قمت بها إلى الوحدات العسكرية لإلقاء المحاضرات، فوجدت فيهم ما قرأته من السنة النبوية الشريفة من أنهم أبعد الناس عن فتنة، والحقيقة المتأصلة فيهم أنهم خير أجناد الأرض، فالجندى المصرى تجد فيه الشجاعة مع الرأفة، والرحمة والعطف على الفقير، وعدم الخوف من الموت بل الشوق للشهادة في سبيل الله، وقوة العزيمة في حماية الوطن.
وفيما يتعلق بموجات الهجوم على الجيش المصرى، فبالتأكيد، هذا الهجوم يشعرنى بألم شديد خاصةً عندما يأتى هذا الكلام من بعض المصريين، وإذا نظرنا حولنا، سنجد أن جيوشًا أخرى في المنطقة، متعددة الولاءات أضاعت دولها، لديكم يا مصريين نعمة جيش يحمل هم هذا البلد، وأستطيع أن أتفهم أن بعض الشباب مشوش عليهم ولديهم موروث عصرى، وهو كسل البحث، وسرعة إطلاق الأحكام، وعدم التثبت من المعلومة، وأخذ الأشياء من طرفها دون التحقق منها، مع اغتراب الفهم لدى عموم الشباب في ظل ثقافة العصر السائدة، بالإضافة إلى وجود وجع لدى الشباب في جوانب مختلفة، قد تجعل الآذان مصغية للكثير من التشويشات الموجودة الصادرة عن الإعلام الخارجى، وهذه الأسباب مع بعضها البعض تجعلنى أتفهم لماذا هذا يحدث ولكن هذا لا يبرر التقصير في التثبت والتحقق من صحة ما يشاع وينشر.

■ كيف نعمل على تجديد الخطاب الدينى بما يتوافق مع ثوابت الدين؟
كثر الحديث عن كلمة التجديد، خاصة بعد أن ذكرها الرئيس عبدالفتاح السيسي، لكن كلمة التجديد ليست جديدة، لأنها من نص الحديث النبوى حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لهذه الأمة أمر دينها»، غير أن الكثيرين ممن تناولوا الحديث عن التجديد تحدثوا عنه بشكل سطحي، والتجديد فرض من الفرائض الشرعية، نأثم إن لم نفعله، وهو ليس عملية جراحية يتم استئصال ورم من خلالها وتنتهى المشكلة، بل هو مفهوم أعمق من ذلك بكثير.
التجديد له مستويات، الأول نسميه «العمل الإطفائى»، وهو المستوى الذى يعالج الإشكالات اليومية التى هى نتيجة لأصل المشكلة، وهى الإشكالات التى تعد عَرَضًا وليست المرض، مثل إفرازات أفكار التطرف والإرهاب، ويحتاج هذا المستوى إلى تفكيك جذور وأصول هذه الأفكار والانحرافات في التعامل مع النصوص، سواء القرآنية، أو النبوية، خاصةً أن البعض يبرر القتل، واستباحة الأعراض والأموال، بهذه النصوص.
وفى المقابل، يأتى النوع الآخر من المتطرفين، من الملاحدة والمُشككين، الذين يهاجمون النص الدينى نفسه، ويشككون فيه، ويطالبون بـ«تنقية التراث»، التى أراها كلمة بغيضة؛ فنحن نحتاج إلى أن ننقى العقول التى تتعامل مع التراث. والقول الذى يتجه لتفسير تنقية التراث بأنها تعنى حذف نصوص من الكتب يعد بلاهة بل خيانة علمية وأكاديمية. وهنا أود الإشارة إلى أنه أثناء حضورى أحد المؤتمرات بجامعة كامبريدج سألنى أحد الأكاديميين في الجامعة: «هل صحيح الذى سمعته عنكم بأنكم سترتكبون حماقة حذف نصوص من الكتب؟، كيف تفكرون بهذه الطريقة؟ فهذه خيانة أكاديمية»، فأجبته: «هذا لن يحدث، وبعض المتطرفين المغفلين الذين درسوا عندكم، جاءوا بهذه الأفكار، فما نحتاج إليه هو تنقية العقول التى تتعامل مع التراث وليس تنقية التراث».
وهنا يجب التأكيد على أن التعامل مع النصوص، ما صح منها وما لم يصح، يجب أن يكون وفق منهجية منضبطة أقرها علماؤنا وأئمتنا وردوا على الإشكالات الموجودة فيها، والاستدلال الخاطئ الذى يحكم به.
وكل ما نحتاج إليه هو أخذ هذا الأمر، وإعادة صياغته بطريقة مبسطة يفهمها الشباب عبر وسائل العرض المختلفة كالمطويات المركزة والأفلام القصيرة وغيرها، التى توضح للناس الموضوع بطريقة جديدة، مع إقامة حلقات نقاش ومجموعات تركيز وورش عمل لتوضيح الصواب.
وفى مصر، الأزهر الشريف، ودار الإفتاء، ووزارة الأوقاف تحاول جاهدةً القيام بهذا العمل، من خلال الأفلام القصيرة، والكتيبات والأبحاث والكتب، ونحن في مؤسسة «طابة»، نحاول الإسهام في ذلك مع الترجمة إلى ١٥ لغة، وبثلاثة مستويات، المستوى الأول، المطويات الخفيفة المبسطة، والمستوى الثانى، الأبحاث الأكاديمية العلمية المتوسعة، والثالث، الأفلام القصيرة.

■ ماذا عن المستوى الثانى؟
يشتمل المستوى الثانى من التجديد «الاحتياجات المتعلقة بالفتوى الفقهية»، فهناك مستجدات في العصر، ومعاملات جديدة في المال والاقتصاد، وهناك تقنيات جديدة ظهرت في التواصل والتعامل والتنقل، لذلك نحتاج التجديد في الاجتهاد الدينى كذلك.
وشهد العصر الحديث تغيرًا في مفهوم الدولة، ففى السابق كان مفهوم الدولة محدد، وطريقة تولى الحكم ثنائية، إما البيعة، ولها شروط، أوالتغلُّب، أما الآن، فهناك الدولة الحديثة، التى وضعت لها أسس، وضعها عدد من الفلاسفة الغربيين، أمثال جون جاك رسو وجون لوك وهيجل، وتطورات مفهوم المواطنة الحديثة، ومفاهيم الحقوق والعقد الاجتماعي.
فكل هذه المستجدات لم يتم تناولها بالقدر الكافى في الخطاب الشرعى، إلا في صورة التلفيق الذى قامت به الحركات الإسلامية، فبعضهم قال إن الديمقراطية كفر، وإن التصويت في الانتخابات حرام، ثم تحولت الرؤية لدى بعضهم إلى النقيض فصارت الديمقراطية هى الشورى، والانتخابات هى البيعة، دون النظر لشروط البيعة ومن يبايعه، كنوع من التلفيق السريع الذى يستخدم الخطاب الشرعى والفقه الإسلامى في سياق تحقيق المكاسب السياسية.
والنتيجة هى أن هذا النوع من الخطاب لا يفعّل الشريعة في الواقع السياسى بل يستخدمها ويسخرّها في التنافس على السلطة.
وبالتالى، فهناك مستجدات فقهية نحن بحاجة إلى النظر فيها، وهنا يحضرنى مثال طرحه مولانا الشيخ على جمعة حيث كان يقول هل صور البيوع توقيفية أم اجتهادية؟ أى أن أنماط البيوع المذكورة في كتب الفقهاء هل ينبغى أن تكون وحدها المعتمدة وما سواها حرام؟ أم أن تجدد العمليات المالية الموجودة وتجدد أنماط التناول المالى يقتضى استنباط صور لبيوع جديدة؟
ودار الإفتاء المصرية في هذه المسألة لديها أنماط متجددة في التعامل مع المعاملات المالية وآراء متسعة في فهم الواقع. ولكن لا تزال الحاجة للتجديد لا تتوقف، ومجالات العمل عليه متشعبة، وتسارعها يفوق سرعة تناولنا الفقهى لها.
والتجديد هنا لا أقصد به الاستسلام لواقع الرأسمالية العالمية المتوحشة الموجودة، ولكن القدرة على فهم ما يجرى يجعل الفتاوى قادرة على أن تستوعب الواقع، وهو ما يجعل المستفتى لا يتوهم التعارض بين الدين والتقدم.

■ وماذا عن المستوى الثالث؟
المستوى الثالث، هو عمل عميق، لا ينتهى في سنة أو اثنتين، أو حتى خمس سنوات، وهو «النقلات التجديدية الكبرى في النماذج المعرفية والرؤية الفلسفية»، فالعالم شهد مراحل انتقالية كبرى من صياغة الفكر الإنسانى نحن فارقناها منذ ما سمى في أوروبا بعصر النهضة، ثم عصر التنوير والحداثة، ثم عصر ما بعد الحداثة، هذه العصور الثلاثة التى شهدت النقلات الكبرى في التقنيات، والتقدم العلمى المادى والتجريدى، والتعامل مع الأسئلة الكبرى والنظرة للوجود نحن كنا غائبين عنها في العالم الإسلامى، ولم نشارك في شىء من صياغتها، وكأننا كنا في «سُبات».
الآن المرحلة التى نعيشها تشهد قلب صفحة جديدة، فمرحلة فلسفة ما بعد الحداثة تشهد انهيارًا وشيكة لهذه الفلسفة.
وتجديد الخطاب الدينى بهذا العمق يعنى أن نستطيع صياغة خطابٍ، يرقى إلى مستوى الشراكة الإنسانية نجلس به على طاولة صناعة الفلسفة المقبلة، التى سيتبناها العالم، بحيث نكون منتجين للفكر وشركاء للعالم عوضًا عن أن نكون مستهلكين للفكر، ولا ننتظر إلى أن ينتهى العالم من صنع هذه المرحلة فننقسم ونتصارع بيننا البين على نتاجها هل نقبله جملة كما هو أو نرده جملة.

■ ما ملاحظاتك أو الانطباعات التى تكونت لديك عن الشباب المصرى خلال نقاشاتك مع الطلبة في الجامعات؟
شباب مصر كغيرهم من شباب العصر لديهم تعطش للمعرفة، وتشوّف لأن يُصغى إليهم، ودعونا نكف عن الكلام عن الشباب، ولنتكلم مع الشباب، ونناقشهم. وفى الندوات الدينية والثقافية، والبرامج الحوارية، والمقالات الصحفية، نجدنا نتحدث عن الشباب كثيرًا، ولكن لا نحتك بهم عن قرب إلا قليلًا، والانتقال من حالة الكلام عن الشباب إلى الكلام مع الشباب غاية في الأهمية، فمن خلال هذا الاحتكاك، أرى تجاوب الشباب كبيرًا، وتفهّمهم مذهلًا.
وهنا ألفت النظر إلى أن البعد عن الشباب، أوجد «حائطا»، تصورنا أنه من «الخرسانة المسلحة»، فصدق الشباب ذلك، وصدقناه نحن، وبقى كل طرف بعيدًا عن الآخر، بينما عند الاقتراب يكتشف طرفانا أنه ليس إلا حاجز ورقى اصطبغ بصبغة الحائط.
والشباب المصرى شباب واعد وهو جاد عندما يؤمن بشىء ويثق به، ولديه قابلية للانطلاق الكبير متسع الاتجاهات والتفكير. إضافة إلى ميزة أخرى، وهى أنه عندما تُوضح لهم الأمور، فإنهم لا يكابرون، فالشباب المصرى مع مقولة «أقنعنى وأنا معك، وأشركنى فأنفعك».

■ ما منظورك لمنظومة القيم واختلالها لدى الجيل الحالى من الشباب؟ وعلى من تقع المسئولية؟
ليس لنا الحق أن نلوم الشباب وحدهم، لأن هذا تقصير مشترك بين الأسرة والمجتمع والدولة، وهناك واجبات مهمة على الأسرة، مثل التربية، ونقل ثقافة المجتمع، والأزمة أن الأسر منشغلة حاليًا بـ«الرعاية»، وليس «التربية»، وشتان بين الأمرين فالوالد والوالدة قد تشغلهما الحاجيات الأساسية لمعيشة الأبناء، من مأكل، وملبس، وتعليم نظامى يهب شهادة تؤهل الابن لسوق العمل وغيرها من الأمور، غير أنهم في غمرة الكفاح لتوفير ذلك يغفلون نقل الثقافة الراقية، والقيم، والمبادئ، الأب يرجع متعبًا من عمله، وفى الغالب تعمل الأم أيضًا، فتعود لتحضر الطعام والشراب، ولا ينتبهان للمعنى الذى هو أصل مهمتهما والذى سيُحاسبون عليه أمام الله.

■ وهل الأسرة هى المسئول الوحيد؟
لا بالطبع، فالمجتمع يقع عليه دور، وهنا يجب أن نتساءل هل المجتمع يشعر بمسئولية جمعية تجاه الشباب؟ وإلا فقط الهجوم على الشباب وانتقادهم أو محاكمتهم أخلاقيًا، وبالتالي، فهذه المسألة تعانى من عدم نضج واضح يتطلب إعادة النظر في هذا الدور والمسئولية من جانب المجتمع.
أيضًا يقع على الدولة دورًا مهمًا، فالدول بحاجة إلى صياغة رؤية ناضجة واسعة لصياغة الهوية الدينية والثقافية والأخلاقية لـ٥٠ عامًا قادمة.
ذات مرة سألت أحد رؤساء دولنا العربية وقت صعود موجات التطرف والإرهاب فيما بعد سقوط برجى التجارة العالمية في نيويورك «هل عندنا تصور حقيقى للهوية الدينية للأجيال الشابة خلال الخمسين سنة المقبلة؟»، فأجاب بـ«لا»، من الجيد أن من دولنا من وضعت رؤى اقتصادية وسياسية لـ٢٠٣٠، و٢٠٥٠ وحتى ٢٠٧٠، ولكننا بحاجة إلى ما له تعلق بالمعنى في بناء الإنسان دينًا وثقافةً وقيمًا، وليس فقط التحصين من الإرهاب.
وهنا ينبغى أن نؤكد على ضرورة العمل على صياغة رؤية يمكن من خلالها أن يكون الدين عنصرَ بناءٍ للإنسان، فالدين لا يمكن تحييده، فهو كالطاقة لا تقبل الحياد إما أن يكون عنصر بناء أو يختطف خطابه من يوظفه في الدمار.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الغرب قد حاول تحييد الدين من خلال العلمانية بمختلف درجاتها فتحول إلى صيغة سياسية للاستغلال اليمينى خلال الانتخابات. وبالتالي، فالدين إما أن يُتعامل معه على أنه طاقة تبنى كما أرادها الله سبحانه وتعالى تحرك في وجدان المتدين خوفًا من الله ورجاءً وحبًا وشوقًا لله يتحول إلى محبة لخلقه ونفعًا لعباده وبناء للوطن وإيثارًا وعمارة للأرض وحفظًا للبيئة، وتزكية وجهادًا للنفس، وإما أن يتحول إلى وسيلة تدمير وإرهاب واستغلال سياسى.

■ خلال إحدى الندوات بجامعات الصعيد طالبت المجتمع الصعيدى بالقضاء على ظاهرة الثأر.. كيف نفعل هذا الأمر وخاصة بأنها ظاهرة راسخة في هذا المجتمع وما هى المؤسسات المعينة في كيفية خلق حلول لهذه المشكلة ؟
التوعية وتضافر الجهود بين المسجد والمدرسة والجامعة ومراكز الشباب وقصور الثقافة مع الاستمرار في ذلك وتكريم النماذج الراقية التى تتجاوز هذه المشكلة، وقبل ذلك وأثنائه وبعده إشاعة معنى المحبة والتسامح والإيثار وتقديم معاملة الله على من سواه من نفس أو قبيلة أو محيط.

■ ما الخطة المستقبلية لمؤسسة طابة خلال الفترة المقبلة وهل هناك أنشطة أخرى غير إقامة الندوات الفكرية ؟
صالون طابة التثقيفى الشهرى هو أحد مبادرات المؤسسة والمقصود منه مع التوعية هو مد جسور التواصل بين مختلف الشرائح للعمل معًا على تصحيح المسار، وتحويل الاختلافات إلى تنوع يسهم في تكامل البناء، ولمؤسسة طابة مبادرة بعنوان سند تعمل على تفكيك الفكر التكفيرى ولها موقع في الشبكة اSanad.network، وهناك مبادرة للتفاعل مع أسئلة الشباب الفلسفية وموجات التشكك والإلحاد ولها موقع في الشبكة Suaal.org، بجانب مبادرة بعنوان تزكية وعمارة ما زالت طور الإعداد وهى حول تجديد مسلك التزكية كما لطابة إدارة أبحاث معمقة وإصداراتها متوفرة مجانًا في موقع المؤسسة: www.tabahfoundation.org/

■ ماذا تمثل مصر بالنسبة إليك؟
مصر هى «عمود الخيمة»، الذى بدونه لا تنتصب الخيمة، ولن ينكسر هذا العمود أبدًا بإذن الله، ومصر بالنسبة إلى وجدانى هى الأم والتلقائية والتعاطف والبساطة وعدم التكلف والملهمة، وهى أرض أهل الله من الأنبياء والصحابة والأولياء الصالحين، فمصر هى الأزهر والحسين، والسيدة زينب والسيدة نفيسة.
مصر التى أدين لها على المستوى الشخصى بالفضل، من علمنى في المدرسة في جدة بالمملكة العربية السعودية، أغلبهم مصريون، وأرى فيهم آباءً، ووالدى درس في مصر في ثانوية حلوان، وتخرج في الكلية الحربية، وعمى الكبير محمد- درس في مصر أيضًا وأخذ العالمية من الأزهر الشريف، وعمى أحمد تخرج من كلية الشرطة، وهناك ما يقارب العشرين من أسرتنا تعلموا في مصر، وهنا يحضرنى المثل الشعبى «اللى ملوش كبير بيشترى له كبير»، ونحن لنا كبير، فمصر بالنسبة لنا كبيرة.
في حديث من القلب استطاع الداعية الإسلامى الحبيب على الجفرى أن يفند مشكلات المجتمع العربى ويتحدث عن المفاهيم الخاطئة التى انتشرت في المجتمعات العربية مؤخرا، ووضع حلول للأزمات التى نعيشها..
الجفرى قال في حوار خاص لـ«البوابة»، إن مؤتمر الإدارة الحضارية للتنوع الفقهى الذى نظمته دار الإفتاء المصرية، كان مفيدا للغاية وناقش العديد من الموضوعات القوية التى تهم المجتمع الإسلامى..
وأكد أن الأزهر الشريف ودار الإفتاء هى المؤسسات المنوطة بتجديد الخطاب الدينى في مصر، مشيرا إلى أن التجديد فريضة دينية صار الجميع يتحدثون عنها بشكل سطحى.
ووجه الجفرى خلال حواره عددا من الرسائل للشباب العربى وقال «جاوزوا كل هذه الأنماط المقيدة لآدميتكم وتعاملوا مع درجات خصوصيات الانتماء بما يتناسب معها».


■ في ضوء متابعتك لما يدور في المنطقة من حروب وأزمات، كيف تخرج الدول العربية من هذا المأزق؟
هذا الجانب سياسى، وليس من اختصاصى، ولكن هناك جانبا مهما، وهو محل الاختصاص، فجميع الأزمات الموجودة في العالم القاسم المشترك فيها، هو النفوس التى لم تتهذب ولم يقم أصحابها بتزكيتها، النفوس الأمارة بالسوء، التى غلبت عليها الأطماع والأنانية والأهواء، المشكلة الأساسية أن بيننا البعض ممن لديهم «عقدة نقص»، ويريدون أن يثبتوا لأنفسهم، وللعالم، أنهم يستطيعون إدارة المنطقة، فيحدثون البلابل، ويثيرون التناحر على الحكم.
المشكلة كما قلت، في النفوس، ففى أحد المؤتمرات التى كنا نحضرها في إحدى الدول العربية، طلب رئيس هذه الدولة الاجتماع بالعلماء الضيوف ليرحب بهم قبل ذهابه لحضور مؤتمر قمة جامعة الدول العربية، وقد طلب نصيحة العلماء وبعد أن أدلى أصحاب الفضيلة بنصائح قيمة أشار على الفقير إلى الله بالمشاركة، فقلت: «لدينا أزمة ثقة بين قياداتنا البين، فإذا استطعت أن تسهم في تجسير الثقة بينكم البين، ولو بخطوة واحدة، فستساعد على إنقاذ الوطن.
وعلى مستوى الشعوب، هناك مشكلات اقتصادية، وتعليمية، إضافة إلى عدم الشعور بالعدالة، لكن هذه المشكلات وحدها لا تؤدى لما حدث في المنطقة، فهناك عوامل أخرى دخلت عليها، وهنا ينبغى التأكيد أنه لا يوجد حل سحرى للمشكلات، ويجب أن تكون الحلول متنوعة».