الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الآخر والتعددية الدينية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نهتم كثيرًا بمبدأ قبول الآخر، فهذا المبدأ هو مفتاح الحوار الموضوعى عند الخلاف، وهو أن هناك رأيًا آخر غير رأيى، وأن هناك مصالح وعقيدة وموقفًا لبشر يختلفون مع مصالحى وعقيدتى وموقفى وأنه من حقى الاقتناع بما أؤمن به ومن حق الآخر أن يقتنع ويؤمن بما يؤمن ويعتقد فيما يعتقد، ورفض الآخر لا يقتصر على رفض الآخر الدينى فقط ولكن يشمل الآخر في ذات الدين لو اختلفت أفكاره واجتهاداته وتفسيراته للنص الدينى عن أفكارى واجتهاداتى وتفسيراتي، ويشمل رفض الآخر وقبوله الآخر السياسى والاقتصادى والثقافى والاجتماعي.
وعندما يسود مناخ رفض الآخر تكون هنا الطامة الكبرى التى تفتت الوحدة وتشرذم المجتمع وتهدد سلامة الأوطان، بل هى نقطة الضعف التى تُستغل دائما كبداية لهدم الدول، ولذا نرى أن قبول الآخر الدينى هو الأساس المتين والبداية الصحيحة لقبول أى آخر بعد ذلك، وذلك لما للدين من أهمية قصوى تشمل الحياة وما بعد الحياة، فكيف أقبل الآخر الدينى الذى يختلف معى في الدين؟، وهنا تكون الإشكالية الحقيقية في عدم معرفة الآخر وفى البعد عن القيم العظيمة والمقاصد العليا للأديان جميعًا، فلا يكون هناك قبول للآخر في الوقت الذى لا أعرف فيه الآخر على أرضية عقيدته ومفرداتها التى تختلف بلا شك عن عقيدتى ومفرداتي، والمعرفة هنا لا تكون معرفة للتفتيش على الخلاف والاختلاف بين عقيدتى وعقيدته بل معرفة للعلم والتقارب، كما لا يمكن قبول الآخر إذا لم أقتنع أن هذا الآخر من حقه أن يؤمن بما يشاء كما أنا أمارس حقى فيما أؤمن كيفما أشاء، وهنا يجب أن نطرح سؤالًا وهو لماذا كانت التعددية الدينية؟ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وأحبه وأكرمه وسخر له كل المخلوقات لخدمته، كما أن الله بحبه للإنسان قد أعطاه الحرية الكاملة التى تتوافق مع إنسانيته وكرامته كإنسان مفكر، حيث إن هذه الحرية هى مفتاح الحساب فيما بعد الموت، فلا يمكن أن يحاسب إنسان على عقيدة أُجبر على الاقتناع بها ولا على دين أُرهب للتمسك به، فالدين والعقيدة جاءا بحرية كاملة للإنسان في أن يؤمن أو لا يؤمن، إذن فالتعددية الدينية هى إرادة إلهية أرادها الله للبشر حبًا وحرية، وتتمثل هذه الإرادة في أن يترك الله للبشر الحرية في أن يؤمن أو لا يؤمن «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» فهل هذه الحرية أُعطيت للإنسان في إطار دين واحد من الأديان أم أعطيت للإنسان عمومًا في أن يؤمن بأى دين يرتاح له فؤاده ويهتدى له فكره؟ لا شك فهى حرية للإنسان عمومًا فيما يعتقد بالدين أو لا يعتقد ولكن مع هذه الحرية، وذلك الاختيار يكون الحساب وهذه هى العدالة، أن يكون الحساب مع الاختيار، ومع هذه الحرية من الطبيعى أن يؤمن كل صاحب دين أن دينه هو الدين الحق بل هو الحقيقة المطلقة، حيث إن كل دين يطمئن تابعيه بأنه الأحق، فاليهود هم «شعب الله المختار»، والمسيحيون «من لم يولد من الماء والروح لن يعاين ملكوت السماوات»، والمسلمون هم «خير أمة أُخرجت للناس». هنا هل هذه هى إرادة الله ؟ نعم هذه هى إرادة الله، فالإنجيل يقول «من ليس لهم ناموس هم ناموس لأنفسهم»، ويقول «من يفعل البر مقبول عند الله» كما أن المسيحية اختصرت الأمر في قبول الآخر، أى آخر، حينما قال المسيح على الجبل «أحبوا أعداءكم، باركوا لأعنيكم، صلوا من أجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم» فهل بعد حب العدو لا يكون هناك قبول للآخر؟! وإذا كان هناك حب فأين شواهده على أرض الواقع؟!، كما يقول القرآن «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا»، «لقد أرسلنا لكل أمة رسول»، أى أن الله هو الذى عدد الشرائع والمناهج، أى الاختلاف، ولأن هذه هى إرادة الله، حيث إنه كان يملك بقدرته أن يكون كل البشر في دين واحد فيقول «لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين»، «لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين» فهذه هى إرادته لهذه التعددية. ولكن بالرغم من قناعة وإيمان كل صاحب دين بصحة دينه وأنه ضامن الجنة ووارث السماء يقول «ليس بأمانيكم ولا أمانى أهل الكتاب، من يعمل سوءًا يجزا به ولا يجد من دون الله له وليًا أو نصيرًا» وهذا يعنى أن الإيمان الشكلى والتدين المظهرى بدون أعمال تدل وتبرهن على الإيمان الصحيح لا تعتبر إيمانًا «الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل» «ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا أباكم الذى في السماوات»، إذن مع هذ الإرادة بالتعددية ومع الإيمان المصحوب بالعمل الصالح الذى يقبل الآخر، الإنسان المتفق معى في الدين أو المختلف لأن الله لم يخلق الإنسان لكى يتقاتل ويتناحر ضد أخيه الإنسان حتى لو اختلف معه، حيث إن الاختلاف هو سُنة الحياة، ولذا وضع الله ضوابط للاختلاف وهى أنه ليس من حق أحد أن يحاسب أحد على دينه أو عقيدته فهو ملك لله وحده «إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شيء شهيد»، وليس هذا فحسب ولكن حدد العلاقة وأسس للتعايش «إنما ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».
هذه هى قيم ومقاصد الأديان التى جعلها الله للإنسان، مطلق الإنسان، وهنا نقول إن عدم قبول الآخر ليس سببه النص الدينى ولكن أفاته الفكر الدينى الذى هو فكر بشرى قابل للخطأ والصواب، هذا الفكر الذى يسحب النصوص الدينية المرتبطة بزمانها ومكانها وأحداثها على كل النصوص المقاصدية والكلية والدائمة التى تحمى حياة الإنسان، كل الإنسان، حتى لو لم يكن يؤمن بالله فهذه حكمة وإرادة الله، فلنقبل بعضنا بعضًا للتعايش والمعايشة ولسلام وطننا الغالى مصر وطن لكل المصريين.