الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

العالم يرفع راية الرفض لـ«سياسات أردوغان»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المعارضة التركية ترفض التدخل العسكرى
استمرار الضغوط.. مسارات الردع لتوجهات أنقرة فى ليبيا
فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا تدعم «مسار برلين».. واليونان تطرد السفير الليبى على خلفية اتفاق «السراج وأردوغان»
مشاورات أوروبية للحد من التأثيرات السلبية للاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق
أطماع العثمانلى.. مساومة تركية لأوروبا.. ومحاولة لنهب غاز المتوسط
أنقرة تحاول استغلال أزمات المنطقة لتحقيق مصالح اقتصادية 

كعادة الرئيس التركى طيب أردوغان الحالم باستعادة الخلافة العثمانية حتى ولو على حساب دماء الشعوب، ومستقبل دول، يسعى للتدخل فى ليبيا، من خلال إرسال قوات تركية، ونقل إرهابيين مدربين مقابل أموال لفرض نفوذه، كمحاولة لوقف خطط إعادة الاستقرار لبلد يعانى من الانقسام وسيطرة المسلحين منذ عام 2011.
لكن خطط أردوغان هذه المرة، تواجه رفضا داخليا من خلال إعلان المعارضة التركية أنها ترفض إرسال جنود أتراك إلى ليبيا، مؤكدة أن خطط الرئيس التركى ستتسبب فى إراقة دماء المسلمين وأنها ترفض تكرار السيناريو السورى فى أى بلد آخر.

كما تواجه خطط أردوغان، رفضا دوليا، فالاتحاد الأوروبي يتجه لفرض عقوبات على أنقرة، كما تؤكد العديد من دول العالم تمسكها بالخيار السياسي ورفضها التدخل العسكرى التركى فى ليبيا.
المعارضة التركية ترفض التدخل العسكرى
عقب الإعلان عن عزم الحكومة التركية إرسال مشروع قرار إلى البرلمان ينص على نشر قوات تركية فى ليبيا لتعجيل خطط أنقرة للتدخل العسكرى فى ليبيا بعد زعم الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أنه يتخذ تلك الخطوة بناءً على طلب حكومة الوفاق الوطنى الليبية بقيادة فايز السراج الدعم العسكرى من أنقرة كى تتمكن من التصدى لهجوم قوات خليفة حفتر عليها. 
وكان من المقرر أن يمرر مشروع القرار يوم الثامن من يناير الجارى ولكن حاول أردوغان الضغط على البرلمان والمعارضة كى يمرر قبل ذلك الموعد وبالرغم من بذل تشاووش أوغلو، وزير الخارجية التركي، جهودا حثيثة لإقناع المعارضة بدعم المشروع فى اجتماع عقده مع زعماء المعارضة إلا أنهم تمسكوا برفض هذا المشروع.

فأعلن حزب المعارضة الرئيسى فى تركيا-حزب الشعب الجمهوري- يوم ٣٠ ديسمبر –عقب الاجتماع- أنه يعارض مشروع قرار نشر القوات التركية فى ليبيا معللًا ذلك بأن هذه الخطوة ستؤدى إلى تفاقم الصراع فى البلاد وتُسبب فى انتشاره فى جميع أنحاء المنطقة. وفى هذا السياق رأى حزب الشعب الجمهوري، أنه يجب إعطاء الأولوية للدبلوماسية بدلًا من الدخول فى حرب بالوكالة التى ستؤدى إلى تدهور الوضع الحالى فى ليبيا. وفى هذا الصدد أكد نائب رئيس الحزب أونال تشيفكوز أن المعارضة لن تسمح أن تكون تركيا «سببًا لإراقة دماء المسلمين» وتابع «لا نريد أن يحدث ما وقع فى سوريا فى أى بلد آخر». 
وعلى الرغم من عدم الكشف عن التفاصيل المتعلقة بالانتشار المحتمل للقوات التركية فى ليبيا من حيث حجم وتوقيت ونطاق الانتشار، أوضح حزب الشعب الجمهورى أن المعارضة فى البرلمان ستصوت ضده. 
جدير بالذكر أنه كان من المتوقع أن تقدم الحكومة اقتراحًا إلى البرلمان يوم الإثنين ٦ يناير الجارى كى يتم التصويت عليه يوم الخميس ٨ يناير الجارى ولكنها سعت لتسريع تلك الخطوة فقامت بتقديمه يوم الإثنين ٣٠ ديسمبر ليتم التصويت عليه فى جلسة طارئة للبرلمان اليوم الخميس.

وصرح زعيم المعارضة كمال كلشدار أوغلو أن الحزب يعترض على قتل الجنود الأتراك فى ليبيا، وأكد أن سياسات أردوغان فى ليبيا وسوريا لن تضر سوى أنقرة. وأرجع إصرار أردوغان على هذا القرار بأنه يريد الذهاب إلى ليبيا لدعم جماعة الإخوان المسلمين وليس لإرساء السلام بين حكومة السراج وحكومة حفتر. 
تأسيسًا على ما تقدم يمكن القول إن المعارضة التركية ترفض التدخل العسكرى فى ليبيا للأسباب التالية: أولًا: أنها ستساعد على زيادة خطورة الموقف وليس حلحلة الصراع بما يؤدى إلى عدم استقرار المنطقة، ثانيًا: أنها ستكلف الاقتصاد التركى كثيرًا خاصة فى ظل ما تشهده تركيا من عقوبات اقتصادية مفروضة عليها إثر حصولها على صفقة صواريخ إس ٤٠٠ الروسية، بجانب العزلة التى تحاول الولايات المتحدة أن تفرضها عليها وكذلك الغضب الأوروبى من تهديد تركيا لأمن الطاقة فى شرق المتوسط، جُل هذا أدى ألقى بتداعيات سلبية على الاقتصاد التركى ومن ثم فإن التدخل سيزيد من الأعباء الاقتصادية وهو ما يدفع المعارضة بالتمسك بالتدخل الدبلوماسى وليس العسكري. ثالثًا: رؤية المعارضة أن التدخل ليس فى صالح تركيا ولا يخدم مصالحها وأهدافها بل هو لخدمة الإخوان المسلمين وليس الدولة التركية. 
وأخيرًا يجدر الإشارة إلى أن توقيت هذا القرار – التدخل العسكرى فى ليبيا-والذى أتى عقب توقيت اتفاقية ترسيم الحدود بين تركيا وليبيا فى ٢٧ نوفمبر ٢٠١٩ المخالفة للقانون الدولى والهادفة إلى الاستيلاء على مناطق إضافية وضمها إلى تركيا، يؤكد هذا التوقيت أن الهدف ليس مساعدة حكومة السراج أو المساهمة فى حل الصراع كما يدعى الرئيس التركي، ولكن الهدف هو تطبيق هذه الاتفاقية وتأكيد النفوذ التركى من خلال ضمان وجود موطئ قدم فى ليبيا بما يهدد الأمن القومى المصرى بجانب تسهيل عملية الاستيلاء التركى على غاز شرق المتوسط.

استمرار الضغوط 
برزت العديد من الآليات التى من شأنها محاصرة التدخل التركى فى الأزمة الليبية أو فى منطقة شرق المتوسط، خاصة بعدما أعلنت أنقرة استعدادها للتواجد الميدانى من خلال قوات عسكرية نظامية أو من خلال الجماعات المسلحة التابعة لها من مناطق النزاعات فى سوريا والعراق، جاء ذلك بعدما أعلن المرصد السورى لحقوق الإنسان بأن عددا من العناصر المسلحة التى نقلتها تركيا إلى ليبيا وصل حد ٣٠٠ عنصر مسلح، فيما يتلقى الكثير منهم التدريب قبل الذهاب لطرابلس فى المعسكرات التركية فى منطقة عفرين السورية.
وبالتوازى مع ذلك أعلنت تركيا تعجيل موعد انعقاد البرلمان لمناقشة تفويض إرسال جنود إلى ليبيا، اليوم بدلًا من الموعد السابق الذى حدده الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى يومى ٨ و٩ من شهر يناير الجاري، ولعل هذه الإجراءات أنتجت بيئة إقليمية ودولية ضاغطة على التحركات التركية بما يفرض على أنقرة العديد من القيود.

مجابهة شاملة
وأعلنت العديد من الدول معارضتها للسلوك التركى التصعيدى سواء فيما يتعلق بالتدخل على خط الأزمة الليبية أو فى منطقة شرق المتوسط حيث الموارد الاقتصادية الكبيرة والتى تتشارك فيها عدة دول إقليمية ودولية، ولعل هذا الأمر تجلى بصورة واضحة من جانب العديد من الفاعليين سواء على المستوى السياسى أو الاقتصادى أو العسكرى وفيما يلى أبرز تلك الأدوات:
المستوى السياسى 
تباينت التداعيات السياسية بين الدعوة إلى التنسيق المتبادل بين دول المنطقة فيما يتعلق بالجانب الليبى أو فيما يتعلق بتسوية الأزمة المتعلقة بترسيم الحدود البحرية بين دول منطقة شرق المتوسط، ولعل أبرز تلك الدعوات تمثلت فى مسار برلين السياسى الذى تدعمه فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا لتسوية الأوضاع الداخلية الليبية، أو فيما يتعلق بمنطقة شرق المتوسط، وفى نهج سياسى تصعيدى مغاير أعلنت اليونان فى ٥ ديسمبر ٢٠١٩، طرد السفير الليبى على خلفية الاتفاق بين حكومة الوفاق وتركيا، وفى نفس السياق؛ قام وزراء خارجية الاتحاد الأوروبى بإجراء مشاورات حول كيفية الحد من التأثيرات السلبية للاتفاق بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية؛ خاصة فى ظل الاهتمام الأوروبى بتحقيق الاستقرار فى هذه المنطقة، فيما يتعلق بتأمين احتياجاتها من الطاقة بعيدًا عن الجانب الروسى الذى تشهد العلاقات معه توترات عدة؛ خاصة أن بنود الاتفاق تسمح لتركيا بالوجود فى مناطق تخضع للسيادة اليونانية والقبرصية، والتى تشهد نزاعًا طويل الأمد حول حقوق التنقيب عن النفط والغاز شرقى البحر المتوسط.
وفى نفس الإطار عُقدت قمة ثلاثية بين رؤساء مصر واليونان وقبرص فى ٨ أكتوبر ٢٠١٩، تم تباحث فيها سبل تعزيز العلاقات بينهم والتأكيد على حقوق الثلاث بلدان الأساسية فى حماية ثرواتها النفطية، ودعم جهود قبرص للتوصل إلى حل للقضية القبرصية على أساس قرارات مجلس الأمن. وأعلنت الدول الثلاث مواجهتها للأعمال غير المشروعة التى تقوم بها تركيا داخل منطقة شرق المتوسط وخاصة فى المنطقة الاقتصادية الخالصة (الجرف القاري) لقبرص.
بجانب ذلك أعلنت جامعة الدول العربية اجتماعًا طارئًا فى ٣١ ديسمبر ٢٠١٩، على مستوى المندوبين بناء على طلب مصر لبحث التدخل التركى فى أزمة ليبيا؛ حيث تقدمت القاهرة بمذكرة رسمية للجامعة لعقد الاجتماع من أجل مناقشة تطورات الأوضاع فى ليبيا، والتى تنذر بتهديد استقرار المنطقة، داعية لاتخاذ موقف عربى فى هذا الشأن.
ومن قبل بادرت مصر بتحقيق التقارب مع دول منطقة شرق المتوسط من خلال استحداث منتدى غاز شرق المتوسط مقره العاصمة المصرية القاهرة، والذى يمثل الآلية السياسية للدول المتوسطية لتحقيق تعاون فيما يتعلق بالتنسيق المتبادل بينها خاصة مع وجود احتياطات كبيرة من الغاز فى هذا الإقليم تقدر بنحو ١٢٢ تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، ويتضمن المنتدى الدول بالإضافة إلى مصر كلا من إيطاليا، واليونان، وقبرص، والأردن، وإسرائيل، وفلسطين، على أن تكون العضوية مفتوحة لمن يرغب بذلك.
على المستوى الداخلى تشهد تركيا حالة من المعارضة الداخلية ممثلة فى حزب الشعب الجمهورى الذى يعارض بصورة كبيرة إرسال جنود أتراك إلى ليبيا خاصة فى ظل العديد من الأزمات الداخلية السياسية التى تشهدها تركيا، ومن ثم تزداد الضغوط على المستويين الداخلى والخارجى سواء على مستوى التحركات الفردية للدول أو من جانب المعارضة أو من خلال التنسيق الجماعى لدول منطقة شرق المتوسط.

المستوى العسكري
شهدت منطقة شرق المتوسط العديد من المناورات العسكرية التى من شأنها مواجهة الأخطار المتنامية فى شرق المتوسط حيث شاركت مصر فى نوفمبر ٢٠١٧ بمناورات عسكرية مشتركة مع اليونان فى جزيرة رودس اليونانية منزوعة السلاح لقربها من الأراضى التركية، كما شاركت اليونان فى مناورات النجم الساطع عامى ٢٠١٧ و٢٠١٨ بعد إعادة إحيائها مرة أخرى فى قاعدة محمد نجيب العسكرية المصرية، ويأتى هذا التدريب الأخير كامتداد لتنامى علاقات الشراكة والتعاون العسكرى بين القوات المسلحة المصرية والدول الشقيقة والصديقة، وإظهار ما وصلت إليه القوات المشاركة من القدرة القتالية العالية والمستوى الراقى من التدريب لمواجهة التحديات المتنامية بمنطقة البحر المتوسط، وفى ٣ نوفمبر ٢٠١٩ أعلنت مصر عن انطلاق مناورات عسكرية بحرية وجوية بالاشتراك مع اليونان وقبرص فى البحر المتوسط، لمواجهة أى تهديدات محتملة، وذلك وسط التوتر بينهم وبين تركيا حول التنقيب عن الغاز والنفط فى المتوسط. وتتم فعاليات التدريب البحرى الجوى المشترك «ميدوزا - ٩» بمشاركة عناصر من القوات البحرية والقوات الجوية والقوات الخاصة المصرية واليونانية والقبرصية، والتى تستمر لعدة أيام بمسرح عمليات البحر المتوسط بدولة اليونان.
فى نفس الإطار تباحثت مصر مع إيطاليا أبرز المستجدات العسكرية فى منطقة شرق المتوسط فى إطار التشاور المتواصل بين مصر وإيطاليا حول ليبيا؛ حيث أجرى سامح شكرى وزير الخارجية المصرية، اتصالًا هاتفيًا مع «لويجى دى مايو» وزير الخارجية والتعاون الدولى الإيطالى والتوافق على ضرورة العمل على تكثيف الجهود فى سبيل استعادة الأمن والاستقرار فى ليبيا، مع رفض التدخلات العسكرية الأجنبية فى الساحة الليبية، والتى من شأنها عرقلة مسار التوصل لتسوية سياسية شاملة تتناول معالجة كافة جوانب الأزمة الليبية، وفى إطار مسار برلين السياسى، كما أكد الرئيسان الفرنسى إيمانويل ماكرون والمصرى عبدالفتاح السيسى على أن مذكرة التفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية تعارض القانون الدولي.
بالنسبة للموقف الروسى وفيما يتعلق بالاتفاق التركى مع حكومة الوفاق الليبية دعا الرئيس فلاديمير بوتين إلى وقف الأعمال العسكرية فى ليبيا، والتوصل إلى حل يسمح بتوزيع صلاحيات الحكم بين الأطراف الليبية، وقال بوتين: إن روسيا على اتصال مع جميع الفرقاء الليبيين، بما فى ذلك رئيس حكومة الوفاق الوطنى فايز السراج، وقائد الجيش الليبى المشير خليفة حفتر، مشيرًا إلى مشاورات تجريها موسكو مع تركيا ودول أوروبية أخرى بهذا الإطار؛ خاصة بعد زيادة احتمال نقل تركيا قوات عسكرية إلى ليبيا وفق الاتفاق الأمني.
على الجانب الآخر، أعلنت الولايات المتحدة من خلال الكونجرس فى ١٧ ديسمبر ٢٠١٩ رفع الحظر العسكرى المفروض على قبرص والمفروض عليها منذ عقود، فى خطوة تنطوى على تحدٍّ لتركيا عبر السعى لتعزيز العلاقات الأمريكية مع الجزيرة المتوسطية، وسط التوتر المتصاعد بين أنقرة وواشنطن.

المستوى الاقتصادى
بالتزامن مع الأدوات السياسية والعسكرية برزت العديد من الآليات الاقتصادية التى من شأنها مواجهة التحركات التركية ولعل العقوبات الأمريكية كانت أبرز تلك الأدوات الضاغطة على تركيا؛ حيث فرضت الولايات عقوبات اقتصادية على تركيا على خلفية إقامة الغاز الروسي، السيل الشمالى ٢ أو نورد ستريم، والسيل التركى أو ترك ستريم، وفى كل الأحوال تجد تركيا نفسها الآن فى مأزق، ففى حال رضوخها من أجل تجنب العقوبات الأمريكية عليها، فستغضب الحكومة التركية القيادة فى موسكو، ويمكن للحكومة الروسية فرض عقوبات اقتصادية أيضًا كما فعلت فى عام ٢٠١٥ بعد إسقاط طائرة مقاتلة روسية فى المجال الجوى التركي، وبالتالى فإن الخيارات التركية فى أى جانب سوف تتسبب فى كلتا الحالتين فى التوتر مع إحدى القوتين العظميين.
على مستوى الاتحاد الأوروبى يستهدف الاتحاد الخروج بجملة من الإجراءات التى لم تعد فقط العقوبات السياسية آلية وحيدة على ردع ومواجهة السلوك التركي؛ خاصة أن هناك تشابكًا أيضًا بين الجانبين على الكثير من الملفات الخلافية، كما هو الحال فى أزمة اللاجئين أو أزمة العائدين من داعش، واللتين تستخدمهما تركيا فى الضغط على دول الاتحاد؛ حيث وقع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبى ١١ نوفمبر ٢٠١٩ على الإطار القانونى الذى يسمح بفرض عقوبات على تركيا على خلفية أنشطة التنقيب عن الغاز التى تقوم بها قبالة سواحل قبرص. ويهدف القرار لمعاقبة أنقرة على انتهاك المنطقة الاقتصادية البحرية القبرصية بالحفر قبالة الجزيرة المقسمة، وتعكس هذه الخطوة تدهور علاقات الاتحاد الأوروبى مع تركيا، كما أنها تأتى بعد قرار منفصل بوقف مبيعات السلاح الجديدة من حكومات الاتحاد الأوروبى لأنقرة بسبب توغلها فى ٩ أكتوبر ٢٠١٩ فى شمال شرق سوريا حيث استهدفت المقاتلين الأكراد.

تداعيات رادعة
من المحتمل أن تتسبب الآليات السياسية والاقتصادية والعسكرية التى تواجهها تركيا إلى الحيلولة دون التمادى فى انتهاج سياسات تصعيدية سواء فيما يتعلق باعتزامها إرسال قوات عسكرية إلى الجانب الليبى أو فيما يتعلق بنشاطها غير المشروع فى التنقيب عن الغاز فى منطقة شرق المتوسط، ومن ثم فإن هذه الأدوات المتنوعة والتى تتشابك فيها العديد من الدول الإقليمية والدولية تشكل موقفا مناهضا لهذه السياسات.
الجدير بالذكر أن هناك جانبا مهما فى فهم طبيعة الضغوط التى تتعرض لها أنقرة خاصة على مستوى الضغوط الداخلية فيما يتعلق بالمستويين السياسى والاقتصادي؛ حيث تتزايد الضغوط من جانب المعارضة التى تتماشى بصورة كلية مع التوجهات الإقليمية والدولية التى ترفض التحركات التركية الخارجية خاصة من جانب حزبى الشعب الجمهورى والجيد، وأعلن رئيس حزب الشعب الجمهورى وزعيم المعارضة التركية، كمال قليجدار أوغلو، شدد على رفضه إرسال قوات تركية إلى ليبيا، مشيرًا إلى أن نواب حزبه سيقفون ضد تمرير مذكرة إرسال قوات إلى ليبيا خاصة وأن رؤية الحزب تتجه نحو أن هذا التحرك من شأنه أن يفاقم الصراع فى ليبيا، وتأسيسًا على ذلك فإن توازى الضغوط الداخلية والخارجية من شأنه أن يمثل مسار ضغط وردع للسلوك التركى الخارجى فى ليبيا.

أطماع العثمانلى 
لطالما تحاول تركيا استغلال الفرص بالتدخل فى دول شئون المنطقة؛ الأمر الذى اتضح فى التدخل التركى فى ليبيا ما اعتبره البعض بهدف دعم الميليشيات المسلحة التابعة لها هناك، ودعم مشروع الإخوان المسلمين، فضلًا عن العقود التى تم توقيعها منذ عام ٢٠١٠ فى مجالات اقتصادية وتنموية مع الحكومة الليبية فى ذلك الوقت، وبالتالى تخشى على مصالحها دون أن تعى أن ليبيا ستضرر من ذلك كثيرًا وبالتالي، تعطل المصالح التركية ذاتها. 
ولكن تعد ليبيا آخر المحطات التى يمكن أن تتدخل فيها تركيا فى المنطقة بعد تدخلها فى سوريا فى أكتوبر لعام ٢٠١٩. 
كما يأتى التدخل التركى فى ليبيا فى وقت تمر فيه دول العالم العربى بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام بأزمات طاحنة تتمثل فى الأزمة اليمنية والمواجهات المستمرة بين التحالف الدولى لدعم الشرعية المدعوم من المملكة العربية السعودية، المجلس الانتقالى الجنوبى المدعوم من الإمارات العربية المتحدة وجماعة الحوثى المدعومة من إيران، والمواجهات المستمرة بين الجيش السورى والمسلحين بقيادة القوى العظمى والإقليمية التى تشن حربًا بالوكالة فى دمشق، فضلًا عن حالة التوتر المتصاعدة بين المملكة العربية السعودية وإيران فى المنطقة على خلفية بعض الملفات العالقة فيما بينها التى يتصدرها الملف اليمنى والاتهامات المتبادلة بين الطرفين بالتحريض على تأجيج الاحتجاجات المتواصلة فى كل من العراق ولبنان. 
يتوازى ذلك، مع ضعف شرعية التدخل التركى فى ليبيا بالتوافق الأيديولوجى مع حكومة الوفاق التى ما زالت تتلقى خسائر باهظة على الأرض على يد الجيش الوطنى الليبي، فى بلدة السبيعة، جنوب العاصمة طرابلس؛ حيث تعرضت الجماعات المسلحة التابعة لحكومة الوفاق لخسائر كبيرة على يد الجيش بعد أن قصفت بالمدفعية الثقيلة تمركزات لها ومخازن للسلاح فى محيط منطقة الفروسية، فضلًا عن استهدف سلاح الجو لأكثر من ١٣ سيارة مفخخة، بالإضافة لتدمير دبابة تابعة لميليشيات حكومة الوفاق فى المنطقة ذاتها، كما تم استهداف مواقع أخرى فى محيط مدينة سرت ٤٥٠ كلم شرق طرابلس، فضلًا عن تعرض مطار معيتيقة الدولى بالعاصمة طرابلس لقصف جوي؛ الأمر الذى خلف عددا كبيرا من القتلى والجرحى. 
فى السياق ذاته، تشهد منطقة شرق المتوسط حالة من الصراع المتزايد على خلفية إقرار هيئة المسح الجيولوجى الأمريكية باحتمال وجود ما يقرب من ١٢٢ تريليون متر مكعب من احتياطى الغاز، فضلًا عما يقارب ١٠٧ مليارات برميل من النفط القابل للاستخراج فى حوض شرق المتوسط. ومن هنا، يأتى التدخل التركى فى ليبيا ليزيد من حدة التوتر والنزاع القائم بين دول هذه المنطقة، سيما مع تنامى الرفض الإقليمى من قبل الاتحاد الأوروبى لهذه الخطوة التركية.
ومن اللافت للانتباه، بداية التموضع الروسى فى هذه المنطقة من خلال عرض وزير الطاقة الروسى «الكسندر نوفاك» خلال حضوره اجتماع الـ١٦ للجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا وروسيا فى أنطاليا، الذى تمثل فى مرافقة تركيا فى التنقيب عن مصادر الطاقة التقليدية فى المياه الإقليمية الواقعة شرق البحر المتوسط، وهو الأمر الذى أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية بالدخول على خط المواجهة فى هذه المنطقة للنيل من ثرواتها؛ حيث أقر المشرعون الأمريكيون أواخر ديسمبر لعام ٢٠١٩ تشريعًا يساعد على تعزيز مواقع الولايات المتحدة فى سوق الغاز بشرق المتوسط، وإضعاف مواقع روسيا وتركيا فى المنطقة، وهو ما اتضح فى تعزيز العلاقات الأمنية الأمريكية مع اليونان من خلال رفع الحظر عن توريد الأسلحة إلى قبرص.