الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اقرأ كي تفكر!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سئل أرسطو: كيف تحكم على إنسان ؟ فأجاب: «أسأله كم كتابا يقرأ وماذا يقرأ ؟».. فماذا لو تساءلنا نفس السؤال عن مجتمعنا؟!.. وكيف سنحكم على أنفسنا؟! ربما تُمكننا الإجابة من معرفة أسباب الكثير من مشكلاتنا، وتفشى الجهل والأمراض الاجتماعية والوعى المزيف.. فلا شك أن القراءة لدينا تراجعت بشكل كبير، وأصبح الكثيرون يعتمدون على وسائل التواصل الإلكترونية في تقصى معلوماتهم.. والمشكلة ليست فقط في الثقافة الزائفة التى تمنحها تلك الوسائل، وعدم دقة المعلومات ومصادرها.. وإنما في فقدان العلاقة الحقيقية بين القارئ والكتاب أو الوسائل المطبوعة، والتى لا يمكن أن يحل محلها أى مصدر آخر.. فالوسائل الإلكترونية لا يمكنها أن تقدم ثقافة حقيقية، وإنما تعتمد على المعلومات السريعة والمختصرة، لذلك يختلف نمط الكتابة للوسائل المطبوعة عن الكتابة لمواقع الإنترنت، فبينما يمكن القراءة الطويلة والمتأنية من خلال الوسائل المطبوعة، تحتاج الوسائل الإلكترونية لمعلومات مختزلة وسريعة، لأن مقدرتنا على القراءة من تلك الوسائل ليست كالوسائل التقليدية، فكثرة التعرض لها بشكل عام يسبب اضطرابا وعدم تركيز، بالإضافة للمشكلات الصحية الأخرى التى لم تتضح بعد، ولكن تتأكد يوما بعد يوم.. وقد حذر الباحثون في كلية الطب بجامعة هارفارد من تلك الوسائل، وأكدوا أن تلك الأدوات المضيئة تعمل على تعطيل الساعة الداخلية للجسم، وبالتالى تزيد من خطر الإصابة بالسكرى ومرض السرطان.. كذلك أكدوا أن قراءة الكتب الإلكترونية مع شاشات مضيئة أثناء محاولة النوم، يحد من إفراز هرمون الميلاتونين الذى يساعد الجسم على الاسترخاء، وبالتالى يعطل من أنماط النوم لدى الأشخاص، ويؤثر بشكل سلبى على الصحة.. وبالتالى فإن انتشار القراءة من الوسائل الإلكترونية، ظاهرة غير صحية، حتى وإن كانت القراءة لكتب قيمة ومطبوعة في الأساس.. فقد أثبتت العديد من الدراسات أيضا، أن القراء الإلكترونيين يجدون صعوبة في تذكر المعلومات، في حين أن القراء العاديين يملكون ذاكرة جيدة ويستطيعون التذكر بشكل أفضل، وربما يرجع ذلك وفقا لما قالوه للقدرة على التواصل المادى والبصرى مع الكتاب الورقي، أما في حالة قراءة الكتاب الإلكترونى فيمكن أن تكون القراءة مجزأة وتخللها زيارات إلى روابط أو مواقع أخرى، وهذه الفواصل أثناء القراءة تقلل التركيز وتحول دون الاحتفاظ بالمعلومات، والتى تتطلب قراءة طويلة، دون فواصل متباعدة في الزمن.. وبالتالى فمن الضرورى العمل على إعادة العلاقة بين الشباب والوسائل المطبوعة، وتشجيع الأطفال على القراءة من جديد.. فكما يقول الأديب الأمريكى راى برادبرى (1920- 2012): «لست بحاجة لحرق الكتب لتدمير الثقافة، فقط إمنع الناس من قراءتها».. وللأسف نحن أصبحنا في مجتمع أغلبه لا يقرأ، ولم يتعود على ثقافة احتضان الكتاب والتمتع برائحة الورق.. لذلك يجب أن ندرك أن تطوير التعليم لا يحتاج للإمكانيات المادية الكبيرة، ونشر الأجهزة الإلكترونية التى يريدون أن تحل محل الورقة والقلم!! وإنما في بناء العلاقة بين الطالب والكتاب الورقى.. فنحن نحتاج لأجيال تقرأ، وهذا لن يحدث إلا من خلال جعل ممارسة القراءة عادة يمارسها الطفل منذ سنواته الأولى.. فكلما تقدم العمر تضاءلت الفرص نحو تكوين هذه العلاقة، والتى تؤدى إلى تغيير نمط الحياة، وبناء الشخصية السوية الفاعلة التى يمكنها التأثير والتغيير.. وقد أكد الكاتب الأمريكى جيم تريليز أنه عند القراءة للطفل منذ عمر ثلاث سنوات، فنحن نرسل رسالة بهجة وسرور لدماغ الطفل تؤسس لعلاقة ودية بين القراءة والاستمتاع، وإذا نشأت هذه العلاقة فإنها ستستمر معه إلى الأبد.. وأتمنى ألا نكون قد فقدنا علاقتنا بالكتاب للأبد، وحل محله الموبايل الذى أصبحنا نرى الجميع منهمكين فيه في كل الأماكن وكل الأوقات.. وليتنا نعى أهمية القراءة ونرسخ داخل الأجيال الجديدة أهميتها، ونردد أقوال كبار الكتاب والحكماء في أنحاء العالم وفى كل الأزمنة.. فكما قال عباس محمود العقاد:« أنا أقرأ لأن حياة واحدة لا تكف، والقراءة دون غيرها هى التى تعطينى أكثر من حياة لأنها تزيد هذه الحياة من ناحية العمق، وإن كانت لا تطيلها بمقادير الحساب».. وربما نكتسب نضجا أكبر وسلوكا أفضل، إذا عملنا بمقولة الكاتبة الأمريكية فران ليبوتز: «فكّر قبل أن تتحدث.. اقرأ قبل أن تفكر».. فكما قال أنيس منصور: «علمتنى ‫القراءة الطويلة المتأنية أدب الاستماع، فالقارئ لا يتكلم وإنما يستمع طويلًا وعميقًا إلى الذى يقرأه».. ولا شك أن الله تعالى قد منحنا سر التقدم والرقى، حين وجهنا وبدأ أول خطاب سماوى في القرآن الكريم بقوله تعالى: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ».