الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

عبد الحليم محمود.. المنقذ من الضلال

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نشرت صفحة الأزهر الشريف عبر موقع التواصل الاجتماعي فيديو عن الراحل الدكتور عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر الأسبق، في ذكرى مولده، اليوم الثاني من شهر جمادى الأول، والذي يصادف ١٢ مايو من كل عام، فالرجل الذي عرف بقوته وورعه ترك الكثير من المجلدات دفاعًا عن الوسطية، وحفاظا على التصوف من المبتدعة، ومدعى الروحانية، فكانت مجلداته خليطا بين الفكر وإعمال العقل، وبين التصديق والاتباع فيما يخص العقيدة التي تصل إلى حد اليقين بمبدأ الاتباع وعدم الابتداع كونها مكتملة لا نقص فيها. 
"المواقف لا تعرف بالرجال، إنما الرجال هم من يعرفون بالمواقف"، هكذا كان شيخ الأزهر السابق، وغزالى القرن العشرين الدكتور عبدالحليم محمود، فرغم أن الظروف دائمًا ما كانت تضعه في صدامات ليست كأى صدامات أخرى، إذ أن الطرف المقابل له أعلى سلطة في الدولة «رئيس الجمهورية»، إلا أن ذلك لم يغير من موقفه والثبات عليه، لا يحركه حب الذات أو الرغبة في أن يسطر اسمه داخل كتب التاريخ كأحد المناضلين، فلقد كان هدفه الوحيد، ومحرك الثورة داخله حبه وغيرته على الكيان الذي نسب إليه - الأزهر - حتى لقب بـ«هبة الأزهر»
جعل التصوف جوهر الدين ينقص بفقده
عرف عن الشيخ الراحل الدكتور عبدالحليم محمود تعمقه في الصوفية، حيث أصدر كتابا خاصا باسم «قضية التصوف» ترجمة لكتاب الإمام أبو حامد الغزالى «المنقذ من الضلال» من أهم المراجع التي تناولت قضية التصوف كقضية فكرية لها جوانبها وأبعادها، فيفند الشبهات التي أثيرت وتثار حوله، ويبين حقيقته التي تغيب عن كثيرين، بل تغيب عن كثير من المتصوفة أنفسهم، ويبين حقيقة ما يسمى بالتصوف المسيحى أو اليهودى، وأنه لا صلة له بالتصوف الإسلامى.
فأوضح أن التصوف هو العبودية الحقة الخالصة لله وأنه جهاد في الحياة كما أنه جهاد في ساحة الحرب، وجهاد رموز التصوف على مر التاريخ مثل: شقيق البلخى وحاتم الأصم وأبوالحسن الشاذلى والأمير عبدالقادر الجزائرى، وكانت ألقاب بعضهم دليلا على سعيهم في الدنيا بالعمل والضرب في الأرض لا التواكل الذي يدَّعيه البعض على الصوفية، مثل: القصار والخراز والوراق والحلاج والزجاجى والفراء، ويؤكد أن حقيقة التصوف في الالتزام بالشريعة التزامًا تامًّا، يقول سهل التسترى: أصول طريقنا سبعة: التمسك بالكتاب والاقتداء بالسنة وأكل الحلال وكف الأذى وتجنب المعاصى ولزوم التوبة وأداء الحقوق.
ورجح محمود في كتابه «قضية التصوف.. المنقذ من الضلال» أن نشأة التصوف تعود إلى كلمة الصوف مع احتماله كل المعانى التي ذكرت فيه، وهذا من توفيق اللفظ الذي يبين الكثير من معانى التصوف ومظاهره، مرجحا رأى أبوبكر الكتانى في أن التصوف من الصفاء والمشاهدة، إذ الأول وسيلة والثانى غاية، وأن التصوف نشأ نشأة إسلامية خالصة، وأن اللفظ مستخدم منذ الجاهلية وليس حادثا في الإسلام، بل إنه يتوصل إلى أن التصوف وجد منذ أن وجد الإنسان، شارحا أن أساس التصوف هو حب الله ورسوله والاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم باعتباره الأسوة الحسنة، الذي يلزم لا محالة التأسى بها برجاء الله ورجاء اليوم الآخر وذكر الله كثيرا، ثم بعد ذلك يسلك الإنسان مقامات هذا الباب التي هي منازل روحية يمر بها السالك إلى الله، فيقف فيها فترة من الزمن مجاهدا في إطارها، بخلاف الأحوال التي هي نسمات روحية تهب على السالك، فيبدأ بالتوبة الخالصة لله سبحانه وتعالى أول المقامات اللازمة في أول الطريق تخلية لقلب السالك حتى يتحلى بمنح الله ونفحاته وأنواره أثناء سيره، وأن يقترب من قوله تعالى (قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين)، ثم الورع بأن يجتنب بعض الحلال خشية الوقوع في الحرام، فيجتنب كل ما فيه شبهة، ثم الزهد، وحقيقته في عدم التعلق بالدنيا وليس في الفقر، بمعنى أن تكون الدنيا في اليد لا في القلب.
وحول مصدر التصوف يقول: إن مصدر التصوف الأصلى هو الذوق والمشاهدة، اللذان يصل الإنسان إليهما عن طريق الخلوة والرياضة والمجاهدة والاشتياق بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وتصفية القلب لذكر الله تعالى، وليس الثقافة الكسبية أو كتب القوم، فهذه الثقافة والكتب تكمن أهميتها في كونها محفزة للسالك على الاستمرار في الطريق والصبر على السير فيه، وأن النزوع إلى التصوف فطرة واستعداد في الإنسان.
ودافع محمود عن قضية وحدة الوجود التي يؤمن بها الصوفية بأن القضية التي يثيرها معارضو التصوف تفهم على نحو خاطئ، فالذي يعترض عليه معارضو التصوف، لم يقله الصوفية أنفسهم بما فيهم ابن عربى والحلاج، فهم يسمونه وحدة الموجود، أما الآخرون فيخلطون بينهما، فالموجود متعدد سماء وأرض وجبال وأناس، أما الوجود الواحد فلا شك فيه، هو وجود الله المستغنى بذاته عن غيره، الذي منح الوجود لكل كائن وليس لكائن غيره، وأن الخلط جاء من أن فريقًا من الفلاسفة مثل: هيراقليطس وشلى قال بوحدة الموجود.
وأوجد شيخ الأزهر الراحل للتصوف أصلا في الإسلام، حيث يستشهد بقول الشيخ عبدالواحد يحيى «رينيه جينو»: «الصوفية ليست شيئا أضيف إلى الدين الإسلامى، إنها ليست شيئا أتى من الخارج فألصق بالإسلام، وإنما هي، بالعكس تكون جزءا جوهريا من الدين، إذ أن الدين بدونها يكون ناقصا، بل يكون ناقصا من جهته السامية، أعنى جهة المركز الأساسى، لذلك كانت فروضًا رخيصة تلك التي تذهب بالصوفية إلى أصل أجنبى: يونانى أو هندى أو فارسى».
ويضيف: إن كل من لم ينطلق من الشريعة الصادقة والاتباع الدقيق فإنه لا يصل إلى شيء من درجات الصوفية، إن الصوفية لا تتأتى إلا بالاقتداء بالنبى صلى الله عليه وسلم، مستطردا لا يوجد تصوف إلا في المحيط الإسلامى، وأن التصوف المسيحى أو اليهودى لا يمت للتصوف الإسلامى بصلة، فالتصوف الإسلامى هدفه المعرفة، بخلاف التصوف المسيحى الذي هدفه الحب، ثم إن المسيحى الذي اتخذ الميستيسيزم الذي يطلق عليه التصوف المسيحى سبيلا في الحياة ينهج في سلوكه منهجا سلبيا، إنه يقتصر على تلقى ما يأتيه دون أن يكون له أثر شخصى، ومن أجل هذا لم يكن في المسيحية طرق صوفية، ولذلك لا يتخذ المسيحى «شيخا»، وليس عنده فكرة عن السلسلة أو الإسناد، الذي بواسطته يصل إليه التأثير الروحى، الذي لا بد منه في التصوف.
رأيه في الكرامات
شأنه شأن المتصوفة لم يفت الشيخ عبدالحليم محمود فرصة التحدث عن كرامته كأحد المتصوفة في العصر الحديث، حيث يقول عن نفسه أثناء ترجمته لأبى الحسن الشاذلى: أنا في غير كبرياء ولا فخر، من الذين لا تلعب بهم الأوهام ولا التخيلات، ولم أكن في يوم من الأيام فريسة أباطيل وخرافات، وقد باعد الله تعالى - وله الفضل والمنة - بينى وبين التأثر بالإيحاء والوهم.
ومن ضمن الكرامات التي تحدث عنها محمود الابتلاء الذي تعرض له حيث يقول: في فترة من الفترات ابتلانى الله بموضوع شقَ على نفسى، وعلى نفس المحيطين بى، واستمر الابتلاء فترة كنا نلجأ فيها إلى الله، طالبين الفرج، وذات يوم أتى عندى بعض الصالحين، وكان على علم بهذا الابتلاء، وأعطانى ورقة كتبت فيها صيغة من صيغ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: اقرأها، واستغرق فيها وكررها منفردا بالليل؛ لعل الله يجعلها سببا في تفريج هذا البلاء؛ فاعتكفت في غرفة بعد صلاة العشاء، وأضأت نور الغرفة، وأمسكت الورقة بيدى وأخذت في تكرار الصيغة، واستغرقت فيها وإذ بى أرى فجأة أن الحروف التي كتبت بها الصيغة مضيئة تتلألأ نورا، ومع أن الغرفة كانت مضيئة فإن الحروف كانت تتلألأ نورا وسط هذا النور، ولم أصدق عينى، فوضعت الورقة أمامى، ووضعت يدى على عينى أدلكهما وأدعكهما، ثم فتحت عينى، فإذا بالحروف على ما هي عليه، تتلألأ نورا، وتشع سناء، فحمدت الله وعلمت أن أبواب الرحمة قد فتحت وأن هذا النور رمز لذلك، وفعلا أزال الله الكرب، وحقق الفرج بكرامة هذه الصيغة المباركة.
عمر هاشم: رأى «رسول الله» يعبر مع جيشنا فبشّر «السادات» بنصر أكتوبر
يعد الدكتور عبدالحليم محمود من العلماء الذين قلما يتفق عليهم علماء السنة والشيعة، فوصف بالعالم الورع، والإمام التقى الذي لا يعرف للحق سوى طريق واحد، واسع الأفق زاهد، متصوف يعى حقيقة التصوف.
حيث يقول عنه الدكتور محمد عبدالرحمن بيصار، شيخ الأزهر الأسبق، كان سريع التحرك بوجدانه إلى ما ينبغى أن يكون عندما يطرأ أمر أو تقع حادثة من أحداث الحياة، وكانت حركته بوجدان صاف وفكر مدرك وصفاء نفس عميق، وما ذكرت يوما أنه غضب عندما غضبت، أو انفعل عندما خالفه أحد في الرأى.
ويضيف: كان يبدد الغضب ويصرف الانفعال بابتسامة رقيقة ترتسم على شفتيه، معبرة عن معنى دقيق من الأخوة والصفاء، وراءها فيض جارف من العواطف الأخوية، والعبارات الشفافة الملطفة، التي تبدد كل غيم وتوضح كل لبس.
مواقفه
كان للإمام الأكبر موقف أكثر صلابة وشجاعة في التعامل مع الأزمات السياسية بمنطق الحكمة والقدرة، ولعل في مقدمتها مناداته بعودة الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية بعد سقوط الاحتلال الإنجليزي الذي أسقطها ليحل بديلا عنها أحكام مدنية تُخالف الشرع، خاصة في جميع الأحكام والمواد الجنائية والمدنية والدستورية والدولية، وأخذ على رئيس مجلس الشعب الأسبق الدكتور صوفى أبو طالب عهدًا بأن يسعى إلى تحقيق ذلك.
كما كان له رأى في الأحكام التي صدرت في قضايا التكفير والهجرة، حيث أعلن امتناعه وامتناع علماء الأزهر عن تلبية هوى المحكمة في شأن المتهمين ليكون قرار المحكمة بعيدا عن الحجة الشرعية، ما دفع القاضى لانتقاد شيخ الأزهر قائلًا: «أسفًا على إسلام ينزوى فيه رجال الدين في كل ركن، هاربين متهربين من أداء رسالتهم، أو الإفصاح عن رأيهم، أو إبداء حكم الدين فيما يعرض عليهم من أمور، فلا هم أدوا رسالتهم وأعلنوا كلمة الحق، ولا هم تركوا أماكنهم لمن يقدر على أداء الرسالة».
ويحسب للإمام الأكبر مواقفه من القوانين التي أصدرتها جيهان السادات قرينة الرئيس الراحل أنور السادات فيما يتعلق بقوانين الأحوال الشخصية، متهمًا من أصدرها ووافق عليها بالزور والبهتان، رافضًا الاقتراح الخاص بإعداد كتب مشتركة بين الإسلام والمسيحية، وأصدر نداء يُحذر فيه من خطورة كتابة اللغة العربية بأحرف لاتينية.
كما رفض بدوره اقتراح البابا شنودة بطريرك الأقباط في مصر تأليف كتب دينية مشتركة ليدرسها الطلبة المسلمون والمسيحيون جميعا في المدارس.