الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

فى رحيل المفكر السورى محمد شحرور رائد القراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

قدم تفسيرًا رياضيًا رائعًا علميًا محكمًا لأول مرة لقوانين المواريث

بحث عن معنى اللفظ فى المقصود الإلهى لا فى العقل البشرى وعند الناس

وضع الرسالة المحمدية فى إطار إنسانى عالمى وليس عربيًا محليًا

اعتمد منهج تفسير القرآن من داخله واحترم نظامه المعرفى ودقته المفرطة، لاحظ استخدامه الفريد للألفاظ وتوظيفه فى سياقات ومعان مختلفة عن استخدامنا البشرى المحدود والقاصر.

كما قام لأول مرة تاريخيًا بمحاولة تصنيف آيات الكتاب، فآيات الدين غير آيات التاريخ، وآيات الدين غير آيات الشريعة، والآيات المحكمات غير آيات تفسير المحكم، غير آيات وصف الكتاب، وآيات الرسالة غير آيات النبوة

فرق بين استخدام الله للغة واستخدامنا نحن البشر.. كما فرق بين معانى الألفاظ فى لسان العرب ومعجمهم وبين معانى الألفاظ فى الاستخدام والتوظيف الإلهى

سيبقى أجمل ماصنعه «شحرور» أنه تجاوز عن فهم سابقيه وعن بضاعتهم وعرض ما لديه من بضاعة، ولم يضع وقته فى معارك وهمية مع عبدة التراث

نجح «شحرور» فى أن يقدم الجديد الوافد وأن يجيب عن أسئلة عديدة فشل فيها غيره وأن يترك بصمته على الفكر الإسلامى كله

قدم « شحرور» الدين فى بساطة ويسر.. وحدد معنى الصراط المستقيم ومعنى الحكمة


كان سهلًا عليه أن يردد كما عاشوا يرددون، وأن يعيد كما لم يملوا يعيدون، وأن يجتر دون إدراك، كما يجترون، وأن ينقل عن الموتى ماينقلون، وأن يعاود تقديم القديم وترديد السائد والمألوف والذى وجدنا عليه آباءنا، كما يرتاحون ويفضلون ويستسهلون.

لكنه رفض أن يلغى عقله، وأن يرتاح ويتحلل من حمل وعناء البحث والمراجعة والتحرى والتدقيق والفحص والفرز والتصنيف واليقظة والدقة والنقد وإعمال العقل وسهر الليالى وعناء رحلة البحث التى قاربت ٥٠ عامًا.

استقبح نقل آراء الموتى وترديد السائد والمألوف وما قالوه، وأن يظل يردد كالببغاء آراء غيره من الموتى، وأن يعاود عرض القديم، وألا ينفك عن حدود فهم وإدراك ناس القرن الثانى الهجرى وعلمائه ومفكريه، وأن يعمل كناقل لماسطره الأولون فى كتب التراث التى تجاوزها الواقع تمامًا.

قرر أن يتجاوز كل ما قدم من فهم بشرى، وأن ينطلق من موقف محض حداثى يتأسس على الانقطاع الجذرى مع ما قيل وما أنتجه عقل ووعى وإدراك القرن الثانى الهجرى، وأن يمسك بالكتاب وكأن الرسول قد مات بالأمس وتركه ولم يحدث له أى تفسير أو تأويل أو شرح أو بيان.

أدرك أن عرب القرن الثانى فهموا الكتاب وفسروه وفقًا لأرضيتهم المعرفية المحدودة وحدود زمنهم البسيطة، وأن عليه أن يقوم بالمهمة وأن يحاول أن يفهم من جديد بعيدًا عن فهم من فهموا وبعيدًا عن رأى من رأوا وبعيدًا عن تصورات وأقوال من قالوا قبله، ليقدم لنا قراءة ثانية معاصرة مختلفه تمامًا بعد تلك القراءه الأولى التى تسيدت طوال ١٢ قرنًا حتى تحولت إلى دين مقدس يرفض الكثيرون الاختلاف معه!!!

رفض إلا أن يعمل عقله وأن يتحمل ثقل المهمة وثقل المسئولية، وأن يجهد نفسه بالبحث والتحرى وتحملت وعثاء السفر وإعادة القراءة.

رفض تقديس آراء الموتى واجتهاداتهم، وقرر على الفور أن ينقطع تمامًا مع القديم، وأن ينقطع مع كلام الموتى وإفهامهم واجتهاداتهم، وأن يتركها بكل احترام وتقدير لزمانها هناك فى متحف التاريخ.

راح رائد القراءة المعاصرة المفكر السورى محمد شحرور يغرق فى البحث ويقدم الجديد والدقيق والحاذق والعلمى.

اعتمد منهج تفسير القرآن من داخله واحترم نظامه المعرفى ودقته المفرطة، لاحظ استخدامه الفريد للألفاظ وتوظيفه فى سياقات ومعان مختلفة عن استخدامنا البشرى المحدود والقاصر.

راح يبحث عن معنى اللفظ فى المقصود الإلهى لا فى العقل البشرى وعند الناس.

وأمسك «شحرور» بيديه مفاتيح الكتاب وقواعد التعامل العلمى الحاذق وفى مقدمتها «اللاترادف» و«الترتيل» وجعل جميع الآيات التى ورد بها اللفظ فى طول القرآن رتلا (طابورًا) وأكد أهمية السياق والنظم واهتم به بشدة، ورفض الاستقسام ورفض فكرة الحروف الزائدة وسار وفق قاعدة أنه كلما زاد المبنى زاد المعنى ورفض فكره الناسخ والمنسوخ مؤكدًا عدم إلغاء أى آية من آيات الله، حيث أكد أن لكل آية مدارها الذى تعمل به ووضع الخطوات والمنهج العلمى فى التعامل مع الآيات وفى مقدمتها مبدأ اللاترادف الذى تفرد به فتعامل مع ألفاظ القرآن وبأن لكل لفظ معنى مختلف عن الآخر ينفرد به ويتفرد، فالكتاب ليس هو القرآن، والقرآن ليس هو الفرقان، والإسلام ليس هو الإيمان، والنبى غير الرسول، والذكر غير الولد، والفقراء ليسوا هم المساكين، والبلاغ غير الإبلاغ، والروح ليست هى النفس، والعرش ليس هو الكرسي، والهبوط لايعنى النزول، والعدل غير القسط، والوفاة غير الموت، وجاء غير أتى، والأب ليس بالضرورة هو الوالد، والعام غير السنة، والخبر غير النبأ، وأهل الكتاب غير المشركين غير الكفار غير المجرمين، الصيام غير الصوم، والصلاة غير الصلوة، والشاهد غير الشهيد، والزوج غير البعل، والعبادة غير الاستعانة، وفرق بين القسط والعدل، وكلام الله وكلماته، الفدية والكفارة، الذنب والسيئة، العباد والعبيد، القضاء والقدر، والقلب والفؤاد، القنوت والقنوط.


كما قام «شحرور» لأول مرة تاريخيًا بتقسيم محتويات الكتاب التى جاءت فى ٦٢٣٦ آية هى "مجمل التنزيل الحكيم" إلى أربعة محتويات أساسية منفصلة هي:

القرآن، وهو أكبر جزء وهو الذى سمى به الكتاب كله، وهى مجموعة القصص النبوى، وقصة خلق الإنسان والكون والتى جاءت حسب القرآن لتصديق ألوهية الرسالة.

الرسالة المحمدية

وهى صغيرة الحجم فى عدد آليات وهى مجموعة الشعائر والمحرمات والأحكام التى وردت للمحمديين فقط.

السبع المثانى المعجزة وهى أصغر ما جاء بالكتاب فى عدد الآيات ٧ آيات فقط:

١الم، ٢ – المص، ٣ – كهيعص، ٤ – يس، ٥ – طه، ٦ – طسم، ٧ – حم.

قصة النبى محمد وقومه وهى جملة الآيات التى جاءت بصيغة يا أيها النبى وتحدثت عنه وعن زمنه وقومه.

كما أكد على أن القرآن (قرن) بين آيات وردت من مخزنين ربانيين وهما اللوح المحفوظ والإمام المبين، ولذلك سمى قرآنا.

كما قام لأول مرة تاريخيًا بمحاولة تصنيف آيات الكتاب، فآيات الدين غير آيات التاريخ، وآيات الدين غير آيات الشريعة، والآيات المحكمات غير آيات تفسير المحكم، غير آيات وصف الكتاب، وآيات الرسالة غير آيات النبوة والتى وردت من مقام النبوة ولم ترد من مقام الرسالة، وآيات القرآن غير آيات الرسالة ايضا، غير آيات قصة النبى محمد وقومه، غير السبع المثانى المعجزة، وآيات اللوح المحفوظ الذى يحوى أسرار خلق الكون وخلق الإنسان، غير الآيات التى نزلت من الإمام المبين الذى يخزن فيه كل تصرفات البشر كالقصص النبوى، وقال بأن الكتاب جزئين جزء مخزن نزل من مخزنين ربانيين (اللوح المحفوظ) و(الإمام المبين) وجزء نزل مباشرًا وقتها وهو الرسالة المحمدية.

فرق بين محرمات الإسلام العام (الدين) الذى جاء لكل البشر من نوح إلى محمد، ومحرمات الإيمان بالشريعة المحمدية الأخيرة والخاتمة وبين الدين والشريعة وبين الدين والفقه وبين ماهو تاريخى فى كتاب الله وما هو دينى فيه.


كما فرق «شحرور» بين السنة النبوية، التى هى عادات وتقاليد وثقافة قوم النبى وزمانه وبين السنة الرسولية التى هى دين.

فرق «شحرور» بين استخدام الله للغة واستخدامنا نحن البشر المحدود للغة، كما فرق بين معانى الألفاظ فى لسان العرب ومعجمهم وبين معانى الألفاظ فى الاستخدام والتوظيف الإلهى.

قدم « شحرور» الدين فى بساطة ويسر وحدد معنى الصراط المستقيم ومعنى الحكمه من قلب القرآن وحدد محرمات الدين كما احتواها الكتاب ورفض أن تزاد محرما واحدًا وأقصر وظيفه التحريم على الله وحده، كما رفض أن يكون النسخ بمعنى الإلغاء فى الشريعة الواحدة وأنه كان يحدث من شريعة إلى أخرى وفرق بين البشر والإنسان، بين الخلق والجعل، وبين محمد النبى ومحمد الرسول، بين مقام النبوة ومقام الرسالة بين الصلاة والصلة بين الشعائر والشرائع، وقال إن جنة آدم وفقا للقرآن كانت على الأرض.

 قال إن السنين أيام نوح كانت قصيرة للغاية وأن الفاتحة ليست هى السبع المثانى كما فهم ناس القرن الثاني، وأن الصراط المستقيم ليس طريقًا رفيعا كحد السيف نمشى عليه يوم القيامة، وأن لفظ الحكمة فى القرآن لا يعنى أحاديث النبي، فرق بين أهل الكتاب والمشركين والذين كفروا والذين كفروا من أهل الكتاب، قدم فقها حديثًا للمرأة فى لباسها وفى ميراثها وفى زينتها وفى حقها فى القوامة، ووضع التعددية الزوجية فى إطارها الحصرى كرخصة للأقساط فى اليتامي، وأفرد كتابًا كاملًا لمصطلح الحاكمية لله الذى تم توظيفه من قبل الإرهابيين.


أمطرنا بالجديد واتحفنا بالوافد وفتح طريقا ثريًا للبحث والتفسير ووضع طريقًا جديدًا للتعامل بعلم واحترام ودقة مع آيات التنزيل الحكيم.

قدم «شحرور» تفسيرًا رياضيًا رائعًا علميًا محكمًا لأول مرة لقوانين المواريث الإلهية، فهو أستاذ الهندسة وعالم الرياضيات الحديثة، وأكد على (فرض) الوصى، وقال إنها الأساس فى توزيع التركة الشخصية وأن قوانين الميراث للمتوفى ولم يترك وصية.

احترم «شحرور» دقة الكتاب والتفت إلى إعجازه ودقتة الحصرية، وأنه غير أى كتاب بالعربية رفض الترادف والاستقسام وأنزله منزلة تليق به، عرف قدره الصانع فقدر المصنوع أعطاه مكانته، ففتح الله عليه أبوابًا من المعرفه وغمره بالكثير والكثير وغمره بالكنوز الوفيرة والمياه الدافقة فأتى لنا بخير كثير وفيض لن ينضب أو يجف، ثراء بلا حدود ونهر دافق منبسط بلا ضفاف غطى به يابسة المعرفة القرآنية التى تجمدت طوال قرون وجف عرقها وأصفرت راحاتها وتشققت أرضها.


أطلق «شحرور» سراح الكتاب الربانى من بين أيديهم، بعد أن خطف قرونًا طويلة وبعد أن أغرقوه فى محلية مقيتة وصبغوه بألوانهم وألبسوه مفاهيمهم، فإذا به يطلقه إلى عالمية وكونية رحبة تليق بطبيعته، وأسقط الرافعة النصية للإرهاب وقدم الإسلام فى عالميته كما قدم الرسالة المحمدية فى إطار يتجاوز الثقافات المحلية وقدمها فى إطار إنسانى عالمى وليس عربيًا محليًا.

سيبقى أجمل ماصنعه «شحرور» أنه تجاوز عن فهم سابقيه وعن بضاعتهم وعرض ما لديه من بضاعة، ولم يضع وقته فى معارك وهمية مع عبدة التراث ومقدسى آراء الموتى ورافعى رايات الجمود ورائدى العقم، ولم يشغل نفسه بما قالوا، احترم التراث لكنه لم يقل به.

تحياتى لاستراتيجيتك المعرفية ولمشروعك الفكرى كله وما قدمت يا رجل حتى لو اختلفنا معك فى اى شىء.

بالغ تحياتى لك وتقديرى لكل رحلتك البحثية الثرية وما قدمت من جهد وفكر ومراجعات ولما أنتجت من معرفه أنرت بها عقول أمثالنا وأطلقت سراح كتاب الله عشت مع القرآن وقلت ما فهمت وعبرت عنه وفتحت أبوابًا عديدة للباحثين وذهبت إلى ربك راضيًا مرضيًا.

لقد قرأنا وتابعنا كل ما أنتج عقلك وما سطرت يداك دكتور محمد وما أبديت أيضا من ملاحظات دقيقة ومراجعات للسائد والمألوف والذى وجدنا عليه آباءنا.

لقد نجح طبعا «شحرور» فى تقديم مشروع متكامل لقراءة معاصرة للكتاب بلا أدنى شك أو ريب ولا أخشى عليه إلا من حسد العلماء وغيرة المثقفين وأمراض الذات، أما عبدة التراث ووثنيو المعرفة ورواد التفكير والجهلاء فلن يستطيعوا النيل من علم الرجل ولن يطالوه فهو عصى على إدراكهم حيث لن تسعه عقولهم الضامرة الخربة.

نجح «شحرور» فى أن يقدم الجديد الوافد وأن يجيب عن أسئلة عديدة فشل فيها غيره وأن يترك بصمته على الفكر الإسلامى كله بعد أن ضربه الجمود والركود والتكرار والعفن طوال قرون مضت.

ولسوف يبقى «شحرور» رائدًا للقراءة المعاصرة للتنزيل الحكيم، وسيبقى التفسير البشرى للقرآن يؤرخ له، بما قبل شحرور وما بعد شحرور.

لقد أمتعنا الرجل وقدم ما عجز غيره عن تقديمه وترك ثروة فكرية فى ١٠ كتب تثرى المكتبة العربية الإسلامية يأتى فى مقدمتها مشروعه الكبير وكتابه الأول العمدة «الكتاب والقرآن» فى طبعة جديدة منقحة ومدققة، بعد مرور ٢٠ على طبعته الأولى فى العام ٩٠.

ويبقى طلبه وأمنيته أن يقوم أحدنا بتجميع المحكم كل المحكم من الكتاب وفصله عن غير المحكم، ثم تجميع كل الآيات الخاصة بتفصيل كل محكم على حدة ووضعه خلف كل محكم، كما يبقى أن نقوم باستكمال ما بدأه فى آخر كتبه وهو معجم معانى مصطلحات القرآن ويبقى أيضًا أن نقوم بترتيل لكل ألفاظ القرآن، كى نصل إلى المقصود الإلهى لمعانى كل لفظ على حدة فى المقصود الإلهى، كما يبقى ما طرحه بخصوص تنظيم شعيرة الحج العالمية، يفتح آفقًا جديدة لتنظيم أداء هذه الشعيرة لكل من استطاع إليها سبيلًا.