الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وقفة مع أغاني المهرجانات

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حينما نريد الكتابة عن أغانى ما يسمى بالمهرجانات يجب أن نستعد لمعركة شائكة، ومزعجة، ومثيرة للجدل، ما بين مدافع عنها باسم الحريات والذائقة والجمهور ورافض لها باسم الحفاظ على أخلاقيات الصغار والشباب. ولعل هناك من المدافعين عن حرية كل فئة من فئات الشعب في اختيار ما يعبر عنها من ثقافة سمعية على اختلاف قوالبها وأشكالها، ولسنا ضد الحرية بالطبع لكننا في البداية يجب أن نضع بعض الأمور في نصابها، خاصة أن هناك اتهاما بالاستعلاء من فريق المدافعين للفريق الآخر أعني، من يقفون ضدها، زاعمين أنهم يقفون في وجه الغناء الشعبى الذى هو جزء من الثقافة الشعبية، وهنا ينبغى أن نشير بداية إلى المصطلح كما ورد في موسوعة التراث الشعبى العربي (ص-169) أنها هى الثقافة التى تميز الشعب والمجتمع الشعبى وتتصف بامتثالها للتراث والأشكال التنظيمية الأساسية، ويعرفها العالم الألمانى ريتشارد فايس بأنها ليست هى الثقافة التى خلقها الشعب وإنما هى تلك الثقافة التى قبلها، وتبناها، وهى ليست أزلية إطلاقا، ولا ساكنة إنما متطورة في كل مظهر من مظاهرها، فهل ينطبق ذلك على تلك المهرجانات؟ وهل بالفعل تعبر عن ثقافة ارتضيناها؟ أم ارتضتها فئة معينة فقط بما لا يتفق مع التعريف. نحن شعب نجيد الغناء منذ الولادة وحتى الموت، نولد ودقات الهون في حفل السبوع منذ القدم تتضافر مع الزغاريد وبرجالاتك برجلاتك حلقة دهب في وداناتك. وننام في طفولتنا منذ الرضاع على تهنين وغناء أمهاتنا وجداتنا، ونغنى ونحن نحصد المحاصيل الزراعية وننصت إلى غناء الباعة الجائلين وهم ينادون على بضاعتهم بأصوات رخيمة معبرة، ونستمع إلى هيلا هيلا حين نمر على عمال البناء، وحتى المآتم لم تكن تخلو من العديد- وإن اختفى الآن – فماذا حدث لنصاب في وجدان أبنائنا بما يوجعنا وكأنها رصاصات تشرخ ما نحاول أن نبثه فيهم من قيم وجماليات وأخلاقيات دون تمييز بين طفل وراشد يعى معانى الأغنية ويرد كل كلمة إلى معناها وسياقها التى تقال فيه والمعنى الذى تعنيه، ومتى وأين يمكن أن يرددها. كنت في البداية أبتسم من عبارات رقيقة أو ردود خفيفة الظل يتبادلها الشباب، وأطرب لبعض الأغانى التى أسمعها في حفلات الزفاف من - الدى جى - لم أكن ضدها فهى خفيفة الظل تتسم بالحيوية والبهجة التى تواكب حالة الفرح والعروس والعريس والمعازيم وأيضا حفلات عيد الميلاد، لكن الأمر ما لبث أن أصابنى بالصدمة وأنا أستمتع إلى طفل بالرابعة من عمره يغنى شقلطونى في بحر بيرة، وحينما اعترضت قال إخوته إننى منعزلة عن ثقافة المجتمع وأن هناك (هاتلى فوديكا وشيفاز -انحرف كبلى جاز، يلعن أبو الجواز – دا الغرام هو المراد) (غصب عنكو هافضل راكب هاعيش أفعى.. وسط العناكب... ماعدش فيها نجوم وكواكب... كله بينزل في المقبرة) هل مثل هذه المعانى وهناك ما هو أكثر إزعاجا منها ما يصل بكلماته إلى مفردات لا يمكن أن نتخيل أن تكون في أغنية أو تصحبها موسيقى، وللحق لا أستطيع الاستشهاد بها لموقف شخصى مفاده أن مثل هذه الأغانى والترويج لها يمثل كارثة تقضى على اللياقة التى يجب أن يتعامل بها الصغار مع الكبار والشباب مع زملائهم. ناهيك عن تأثيرها على قاموس الأطفال اللغوي. البراءة التى تمشى على قدمين ونحاول بشتى الطرق بناء قاموسهم اللغوى ليكونوا أسوياء ولا يرددون ما يسمعونه ويستبدلون قاموسهم بكلماتها، لأنهم يكتسبون ثقافة البيئة التى ينشأون فيها ويصير لديهم خبرة اجتماعية تمكنهم من الانخراط والتفاعل مع مجتمعهم وخاصة في سنوات عمرهم المبكرة، فهل نستطيع معا أن نوقف ما لا يليق بأطفالنا وشبابنا؟ هل نستطيع أن نقدم بديلا هادفا يغير الخطاب الثقافى لديهم خاصة وجميع منصات التواصل الاجتماعي تسهل الانتشار السريع للكل وفى نفس الوقت؟ قد يظن البعض أننى أضعهم جميعا في سلة واحدة وأننى ضد الجميع، لكن في الحقيقة هناك استثناءات مرحة. مقبولة الكلمات خالية من المفردات الحادة أو غير اللائقة أو التى تدعو إلى القصاص أو تذكر الموت والدم والسجن والمخدرات وما هو أكثر وأتركه لفطنة القارئ، علينا جميعا أن ننتبه إلى ما يسمعه أبناؤنا لأنهم يستحقون وجدانا أكثر جمالا، وعلى وزارة الثقافة أن تتبنى خطابا مضادا أو موازيا وتأخذ ذلك مأخذ الجد، لأن الأمر يستوجب التصدى له، ومصرنا تستحق، أن تعود إليها روح الغناء الجميل.