الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اعتراف!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس لى أن أدعي تمكني بمجهود شخصى فقط، من تسجيل حصيلة مقابلات حوارية مع رائدات بلادى ليبيا، وأيضا نساء ملهمات من بلاد العرب والعالم، فاقت الخمسين مقابلة حوارية موسعة، وشهادات، في الفترة من 2011 وحتى 2019، وحتى ما قبل هذا التاريخ، والذى أصدرت فيه كتابى الأول عنهن «نساء خارج العزلة»، والثانى «ليبية في بلاد الإنجليز»، والثالث «أول مذيعة تليفزيون ليبية». 
لهذا لا بد من الاعتراف والإشادة بمن دلنى وأرشدني، وأوصلنى لبعضهن، حتى وإن تحقق لى لقاء بعضهن مباشرة، وأنا أتنقل أو أشارك في مؤتمر، وأتحين وأواصل بحثى متقصية: كيف تسنى لهن تحقيق هذا التاريخ المليء بالخطوب، وسيرة المواجهات الصعبة؟ والتى تبدأ مع أقرب الأقارب، إلى جيران، ثم مجتمع العمل الذى تصدت للبروز فيه كمرأة مقدامة مُعافرة. في تجاربهن نضال التأسيس، أولى الخطوات، فكل جديد يعاديه المحيط، وتُصدر فيه أحكام مسبقة جارحة قاسية بل ونابذة مجحفة، كلما تعلق بما ستفعله امرأة!، وفى مناخات قرن مضى، قالت لى ذلك كنماذج أول مديرة لمعهد في قريتها، أول مذيعة راديو، وأيضا أول مذيعة تليفزيون، أول مختصة في تحليل وكشف الرميم من عظام مقابر جماعية، أول مسافرة لأجل تعليم، أو عمل، أو حتى سفر لجائزة منحت لها حين تفوقت، أول سياسية قررت الانخراط في حزب.
وطرح السؤال عن «سرديات النساء» الفاعلات، سردياتهن هى سيرة مبتدأ الفعل المغامرة، والمبادرة، والإرادة المُجازفة رغم كل العوائق المجتمعية هى عادات وتقاليد وقتهن، كانت ضاغطة وحاجبة عن تعليمهن، وتوظفهن في مجالات عدة، وهناك صعوبات تعلقت بأوضاع اقتصادية، أو أسباب أخرى منها انعدام وسائل المواصلات العامة والخاصة أيضا، فحين يكون مقر الدراسة والتعلم على مسافة بعيدة من مقر سكنى البنات، ويتصدى أحد أولياء الأمور المقتنعين بحقوقهن وأدوارهن المستقبلية في مجتمع يبنى نفسه بعد جهود الاستقلال،أبنته وزميلاتها، يتحقق لهن حلم التواجد بمكان محو الأمية ممهدا الطريق إلى مفاعيلهن الوطنية. 
وفى توثيقى مؤخرا لسيرة الرائدة المعلمة، ومديرة أول معهد معلمات بسبها (جنوب ليبيا)، «فاطمة العربى الحضيري»، حكاية مفتاح تواصلى معها تمت بصُدفة طريفة!، إذ في رحلة داخلية وفرتها لجنة جولات سياحة داخلية بأسعار رمزية إلى «الفيوم»، تشاركتها مع زميلة صحافة مصرية، جمعتنا بمجموعة جولات داخلية قادمة للفيوم من الإسكندرية وغيرها، في تلك الجمعة بحديقة الاستراحة، سَمعتْ صوتى (بلهجتنا الليبية إذ أفشل في التحدث بإتقان باللهجة المصرية!)، الإخصائية «بثينة طاهر الدراوي» القادمة من الإسكندرية، بادرتنى بعد تحية طيبة، صوتك يجذبنى إلى «سبها» المدينة الليبية التى عملت بها، وكنت صبية صغيرة السن، حتى أن أمى لحقت بى لترافق إقامتى بالقسم الداخلى مع طالبات أول معهد للمعلمات، ولى صداقة عزيزة على قلبى مع مديرة ذلك المعهد، اسمها «فاطمة العربي»، من ثلاثين سنة لا أعرف أخبارها، فجاء ردي، أن صار العالم قريبا، ووسائط الاتصال تقرب المعلومات والأشخاص، «شبيك لبيك» ستكون السيدة فاطمة صوتا حيا بين يديك، وسأعمل جهدى لأجعلك تتواصلين معها، وأخذنا الحديث عن ذكرياتها بمعهد المعلمات بسبها (جنوب ليبيا). فبثينة التى لحقت بوالدها، فور تخرجها، وهو رئيس البعثة التعليمية المصرية، والمفتش التربوى لمعلمى مادة العلوم، وقد تعرفت على زوجها المصرى الطبيب بسبها، وبعد قراءة الفاتحة بمصر، عادا لسبها وأقاما عرسهما مع أهلها بصالة نادى النهضة، وتابعت شغلها في وظيفة «رئيسة القسم الداخلي» بالمعهد كإخصائية اجتماعية منذ 1974، وغادرت 1977، ثم عادت مع زوجها طبيب الأسنان 1986 م. وحكت لى ساعة استلمت مهمتها، وحين افتعلت طالبة مشكلة تجاوزت فيها حدود الأدب معها،حد أن غلبتها دموعها وذهبت تشتكى ما حصل معها للمديرة فاطمة،التى قوت موقفها كونها إخصائية وستواجهها عقبات، غير أنها يجب أن تفهم المرحلة الحرجة للمُراهقات. بثينة رأت أمامها شخصية قوية، تحضها على أن تقوى ذاتها، وتُقدم مهمتها كما تعودت، ولا تقيم وزنا لما ترتكبه قلة من طالبات تنقصهن خبرة الحياة، كما وتقدير دور الإخصائية الاجتماعية معهن. 
بعد أيام حصلتُ على رقم التواصل مع المعلمة والمديرة «فاطمة»،ولم يبق لى عذر ألا أوثق سيرتها، وجاء ذلك عبر تقنية الواتس آب والفايبر لحديث دام ساعتين، حتى مع تقطع الخطوط لظروف متعددة، لكن الوصل تحقق بين القاهرة وسبها، بل وحتى صورها التى تُنشر لأول مرة بصفحتى على فيس بوك، والجميل والمفرح صار بالمُكنة البوح بتاريخهن في الأربعينيات والخمسينيات، وأن أغلب السير لهن خرجت مؤخرا تصدى لها أبناؤهن،وجماعات أهلية، ومجتمع مدنى تفتح صفحات على مواقع التواصل وتضع تعريفات سيروية مرفقة ببعض الصور، تحت عناوين مثل «رائدات من بلادي»،أو «ملهمات من ليبيا»، وغيرها من العناوين التى تحاول حفظ وتوثيق الذاكرة الوطنية، وحق الأمهات المؤسسات لتاريخ ومجتمع نهض بموازاة جيرانه العرب بل ونساء العالم.