السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لا بديل عن دور الدولة في صناعة التعليم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
التعليم هو حجر الزاوية، وهو حبل النجاة الذى يمكن ينتشل الغريق الذى أوشك على الغرق لكى توهب له الحياة من جديد.. التعليم هو المعمار الحقيقى الذى لا يصح بنيان إلا به وهو المعيار الصحيح لحضارة الأمم وتقدمها وتفوقها.
لكننى حتى الآن أرى أن الدولة اجتازت فيافى ومفازات عدة في مجالات مختلفة ونجحت فيها نجاحا بينا.. إلا مفازة التعليم ما زلنا نقف على حوافها متهيبين اجتيازها أو ربما مشتتين أمام طرائق عدة.. لا نعرف أيها نخوض وعلى أيها نعبر.
رغم أننا ببساطة شديدة ندرك مكنون اختراع العجلة ونعرف من صنعها وكيف صنعها.. فتجارب الدول المتقدمة في مجال التعليم معروفة ومعلنة فالتعليم يعتبر الصنعة الوحيدة التى لا توجد فيها أسرار حربية غير معلنة. لكننا ما زلنا نتحسس الطرق بعيدا عن الجادة ونتصرف في ملف التعليم بالتجريب تارة والقفز للأمام خطوة والنكوص للخلف خطوات، ويكاد يكون هو الملف الوحيد الذى ما زالت الدولة فيه تقف من حيث بدأت. لكن هذا الأمر لا يجب أن يطول لأكثر من هذا.
الشباب في بلادى بحاجة ماسة إلى من يأخذ بيده ويضعه متسلحا في كامل لياقته العلمية والفكرية على أرض المعركة.. كى يحارب بسلاح قوى حديث قادر على الإنجاز والإعجاز في ساحة العلم المتسعة آفاقها بلا أى قيد والمتسعة على عالم يرى أنه قادر على أن يصنع في الأرض زخرفها ولا يعجزه من أمرها شيئا.
والتعليم وحده هو القادر على أن يصنع مجدا لمن لا مجد له وأن يبنى بيوتا لا عماد لها.. هو الأداة الوحيدة التى يمكنها أن تصنع من شبابنا ثروة حقيقية لأوطانهم ومجتمعاتهم بل وللعالم كله في زمن لم يعد للعلم حواجز بل صنع من ساكنى الكرة الأرضية مجتمعا واحدا يعانى أفراده نفس المعاناة.
العلم وحده هو الكفيل بأن يأخذ بيد بلاد بلا نفط أو ثروات طبيعية ويضعها في مصاف أثرياء الدول وظنى أن اليابان وكوريا وغيرها تعانى فقرا شديدا في تلك الثروات التى أفاضت بها الطبيعة إلى بعضهم، إلا أن الشعوب التى لديها إرادة الحياة يمكنها أن تصنع من الكيمياء ما يجعل التراب والحصى ذهبا وألماسا. وبالجهل يمكن أن تنفد ثروات الطبيعة من نفط وغيره وتذهب كأن شيئا لم يكن. حتى أن الديار يمكن أن تعود قفرا كما كانت - لا سمح الله - إذا لم يكن العلم سلاحها الأول في البناء والتنمية.
أرى أن دولتنا قد استطاعت في فترة قياسية أن تنشئ بنية تحتية صلبة قوية من طرق وكبارى واستصلاح أراض وإنشاء مزارع وتسليح جيش بشكل جيد، هى الآن يجب أن تبدأ مرحلة صب خرسانة الأرضية الهشة التى يجب أن يقام عليها صروح المجد وهى التعليم الأساسى والجامعي.
التعليم الذى يناسب مجتمعاتنا ويصنع من أبنائنا ألف «زويل» جديد وألف «نبوية موسي» وملايين من الباحثين الذين يمكنهم تطوير حياتنا للأجمل والأسهل والأفضل والأرقى لنحقق مجتمع الرفاه الذى نحلم به لنا ولأولادنا وأحفادنا.
العلم بحاجة إلى من ينظر إليه في بنيته الأساسية، وأن يكون للدولة دورا أساسيا فيه.. فانسحاب الدولة لصالح الجامعات الخاصة والمدارس الدولية والخاصة لن يصنع أجيالا من علماء حقيقيين بل يمكنه أن يصنع طبقة انتهازية لا ترى إلا مصالحها ولا يشغلها هاجس العلم والبحث بقدر ما يشغلها هاجس الثروة وتضخمها وزيادتها حتى وإن استخدمت في ذلك سبلًا لا أخلاقية.
يجب أن تعود الدولة لتقود قاطرة العلم بشكل قوى فالدولة وحدها بمؤسساتها هى وحدها القادرة على جعل العلم رسالة نبيلة لها بعد قومى واستراتيجى أما القطاع الخاص فلن يكون مهموما بهذا وليس مطلوبا منه أن يفعل هذا أيضا.. فإن فعلها فهو مأجور وإن لم يفعلها فهو معذور لا وزر عليه. 
لذلك فإن دور الدولة في العلم والتعليم هو دور لا يمكن التخلى عنه أو التهوين منه فالتعليم يجب أن يقع في قمة اهتمامات الدولة وعلى رأس أولوياتها ولا أريد أن أذهب لأبعد من ذلك وأقول إن التعليم أولى من بناء العمائر وتعبيد الطرق لأنه في النهاية هو الأداة التى ستجعل من كل هذه الأشياء أمرًا ميسورًا وواقعًا حيًا.