الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حجاب بلا عزلة وسفور بلا تبرج «2»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أدرك «المنفلوطي» أن انتصاره للمنقول في مسألة لباس المرأة من زاوية الدفاع عن الدين والعريق من العادات لن يقبله شبيبة المفتونين بالمدنية الغربية، فراح يحتكم إلى العلم والممارسات العملية للفصل في هذه القضية فأكد أن الإفراط لا ينتج عنه إلا التفريط وأن الذين يدعون إلى ارتداء المرأة النقاب أو البرقع والتزام الحرامليك والتنازل عن كبريائها وكرامتها وحريتها إرضاءً للرجل كل ذلك الإفراط وغيره من أشكال التعصب الذكورى لا ينتج عنه سوى ثورة هوجاء، ناقمة على كل الثوابت، وعلى ذلك الاستبداد الذى حرمها من حريتها المغتصبة وأول ما تتمرد عليه تلك الثورة فضيلتى الحياء والعفة بحجة أن الحياء الذى اكتسبته المرأة من التربية الخلوقية قد انعكس في سلوكها فنجم عنه العديد من القيم السلبية مثل الجبن والخنوع والاستسلام والعبودية، وجعل الرجل لا ينظر إلى المرأة إلا بعين الشهوة فهى بالنسبة له لا ترقى إلى مقام الصديق أو الرفيق العاقل أو المُربى الفاضل حتى لو كانت أمهِ.
أما الفضيلة الثانية التى عصفت بها الثورة هى العفة، التى حُرمت من أجلها المرأة من التعليم والعمل والمشاركة الإيجابية في المجتمع.
ويوضح «المنفلوطي» خطر تلك الثورة على سلوك المرأة أولًا وسلامة المجتمع وأمنهِ ثانيًا، فإذا كانت الحرية حقً مغتصبً فمن الواجب على من يريد استردادها التأهل لها حتى لا يسقط في أخدود الرذائل ويحترق بنيران الفوضى.
ومن ثم جاءت دعوة مفكرنا للسيّر نحو تحرير المرأة بغير عجلة فلا نطالب بسفورها واختلاطها بالجنس الآخر قبل أن نسلح شبيبتنا الذكور بالنخوة والشرف والنُبل وغير ذلك من فضائل تمنعهم من تلك النظرة الجائرة التى لا ترى في المرأة إلا جسد ومتعة وشهوة وأن التواصل معها لا يكون إلا بغرض اللعب بها وعواطفها وغرائزها. كما يجب على المجتمع أيضًا توعية تلك المرأة الجاهلة التى سجنها وراء قضبان التقاليد خوفًا عليها والانتفاع بجهدها ومواهبها داخل البيت لتكون جارية أو مرضعة.
وليس أدل على إيمان وقناعة «المنفلوطي» بحرية المرأة باعتبارها إنسانًا كاملًا إلا هذه الكلمات التى جاءت في حديثه عن حقوق المرأة، تلك التى صورها فيها على أنها هرة سجينة آبت أن تعيش الحياة خلف الأبواب الموصدة.
فيقول «لا سبيل إلى السعادة في الحياة إلا إذا عاش الإنسان فيها حرًا مطلقًا، لا يسيطر على جسمه وعقله ونفسه ووجدانه وفكره مسيطرٌ إلا أدب النفس. 
الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محرومًا منها عاش في ظلمة حالكة، يتصل أولها بظلمة الرحم وآخرها بظلمة القبر.
الحرية هى الحياة، ولولاها لكانت حياة الإنسان أشبه شيء بحياة اللُعب المتحركة في أيدى الأطفال بحركة صناعية.... إن الإنسان الذى يمدُّ يده لطلب الحرية ليس بمتسول ولا مستجّد، وإنما هو يطلب حقًا من حقوقه التى سلبته إياها المطامع البشرية، فإن ظفر بها فلا منَّة لمخلوق عليه ولا يد لأحد عنده».
وإذا انتقلنا من توضيح مقصد «المنفلوطي» من مناشدته الداعين لتحرير المرأة ضرورة التمهل في ما ينشدون، والبرهنة في نفس الوقت على أنه من أكابر دعاة الحرية باعتبارها من أشرف الحقوق الإنسانية.
وحسبنا أن نكشف عن نهجه في تثقيف المجتمع المصرى وتوعيته بضرورة الحفاظ على مشخصاته وهويته الثقافية التى لا يمكن تبديلها بين ليلة وضحاها دون إدراك إخطار ومآلات ذلك التغيّر المفاجئ، فذهب في إحدى قصصه «الحجاب» إلى أن أحد أصدقائه الذين راقهم العيش وفقًا للمدنية الأوروبية - وذلك في خلال دراسته وعمله في أوروبا -، قد جاء يشكو له جمود زوجته وتمسكها بالحجاب ورفضها الجلوس مع أصدقائه ونقضها سلوك الأوروبيات ولباسهن، فبيّن له مفكرنا أن هناك فارقا كبيرا بين الثقافتين من العبث تجاهله، فرد عليه صديقه بأنه يحلم بذلك اليوم الذى تمزق فيه كل البراقع وتصبح المرأة المصرية حرة في لباسها وسلوكها مثل المرأة الأوروبية، فرد عليه «المنفلوطي» بأن البرقع ليس حجابًا بل هو رمز لقناعات وقيم اجتماعية وخلوقية ألفتها المرأة المصرية واستراح إليها المجتمع وباتت من الثوابت الثقافية. فلم يقتنع صاحبه بحجته قائلًا «إن المرأة الشريفة تستطيع أن تعيش بين الرجال بشرفها وعفتها في حصن حصين، لا تمتد إليه المطامع». فلم يجب عليه «المنفلوطي»، وتأكد أن التجربة وحدها هى التى سوف تثبت له عكس ما ادعاه. 
وراح يردد في نفسه «هذبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نسائكم، فإن عجزتم عن الرجال فأنتم عن النساء أعجز».
وكيف تقنعون المرأة المصرية وهى بحالتها هذه في الربع الأول من القرن العشرين أن الحب أساس الزواج وأن اختيارها للزوج حقٌ مطلقٌ لها لا يشاركها فيه وليًا أو ناصحًا، وأن الزوج المرغوب يجب أن يكون دومًا هو العاشق المتيم بفتنتها والمشبع دائمًا لغرائزها وإذا عجز عن ذلك فلها أن ترغب في غيره وتبحث عن دونه بين ما يروق لها من الرجال شأن ذلك الحق الذكوري، الذى أباحه المجتمع للرجل دون المرأة.
وأن البرقع والحجاب لا يليق بالمرأة الحرة فتبرجت وخلعت مع البرقع الحياء والعفة وعرضت نفسها في سوق الجوارى بعد إدراكها ان الرجل لا يقنع إلا بمن ترضى شهواته وغرائزه، فرغب عنها المحافظون وتأفف منها المتحررون بحجة أن معاشرتها بغير زواج يؤدى الغرض والأفضل والأوفر بالنسبة له، وبذلك كله سوف تجنون عليها باسم المدنية والحرية.
وراح يصرح بقوله معقبٍ على ما كان يدور بداخله «نحن نعلم كما تعلمون أن المرأة في حاجة إلى العلم، فليهذبها أبوها أو أخوها، فالتهذيب أنفع لها من العلم، وإلى اختيار الزوج العادل والرحيم، فليحسن الآباء اختيار الأزواج لبناتهم وليجمل الأزواج عشرة نسائهم. وإلى النور والهواء تبرز لكليهما وتتمتع المرأة فيهما بنعمة الحياة، فليأذن لها أولياؤها بذلك وليرافقها رفيق منهم في غدواتها وروحاتها كما يرافق الشاه راعيها خوفًا عليها من الذئاب فإن عجزنا عن أن نأخذ الأباء والإخوة والأزواج بذلك فلننفض أيدينا من الأمة جميعها نسائها ورجالها فليست المرأة بأقدر على إصلاح نفسها من الرجل على إصلاحها».
والسؤال المطروح هل في مقدورنا تقبل هذا الرأى في الربع الأول من القرن الحادى والعشرين؟ - بعدما مارسنا التجربة المناقضة لرأى «المنفلوطي» كاملة-.
فهل تحررت المرأة مما كانت تؤاسيه؟ وهل تغيرت نظرة الرجل إليها؟ وهل نجحت المحجبات منهن - في ظل الثقافة الحاضرة - في الحفاظ على حيائهن وعفافهن؟.
«وللحديث بقية حول هذه القضية».