الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الاستثمار في الأفكار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
منذ أن عرف العالم عصر الاقتصاد الرقمى والتطور التكنولوجى، والتقنيات الحديثة، بدأت فكرة الاستثمار في العقول والأفكار المبتكرة، وتأخر العالم العربى عن هذا الركب كثيرا، لكن الآن أصبح لزاما اللحاق بهذا الطريق الإجبارى للتطور والنهضة، فلم يعد أمام الشعوب العربية من طريق سوى الاعتماد على العلم والبحث العلمى وتنمية القدرات البشرية، من أجل اللحاق بركب التقدم والحضارة.
والفكرة.. هى كل ما يخطر على بال الإنسان، من رؤى ومقترحات وحلول وأشياء وتحليلات للوقائع والأحداث وغيرها، وهى نتاج التفكير، وهى أحد أهم مميزات البشر.. وقدرة الإنسان على توليد الأفكار، تنبع من قدرته على التأمل والاستنتاج والتعبير عن النفس.. والأفكار تولد المصطلحات، التى تشكل أساس أى نوع من أنواع المعرفة، ولذلك فان استثمار الأفكار وتحويلها إلى فرص، سمة الإنسان المتميز، ومن هنا كان قول أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله عنه وكرم الله وجهه: «اغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب».
ومن دواعى الاستمرار في هذا العصر أيضا، ضرورة الاستثمار الثقافى والمعرفى والفنى والتى تمثل مصدر مهم لثراء الشعوب فكريا، فالثقافة تعبر عن قيم المجتمع، وسلوكياته وأهدافه ونظمه الاجتماعية وقواعده الاقتصادية، وعلاقاته الإنتاجية بين أفراده، ويطلق مصطلح الثقافة على جميع الأفعال والمتغيرات التى تعطى المجتمع طابعا متميزا بما في ذلك حياته وأسلوبه في هذه الحياة أو التعامل معها، والثقافة هى مجموعة من العلوم الاجتماعية والجغرافية والتاريخية والفلسفية وهى كل ما يبدعه المجتمع على صعيد العلم والفن والنشاط العملى والعلمى للإنسان والأيديولوجى والأخلاقى والدينى وفى إطار التطور المتسارع للعلوم وتكنولوجيا المعلومات، أصبحت صناعة واستثمار الأفكار والثقافة، من أهم الصناعات.
والاستثمار في الثقافة، هو استثمار في المواطنين المنتجين لها، وفى المجتمع المستهلك لها، ولم يحدث أن قامت نهضة ثقافية في أى مجتمع إلا بعد أن توفر لها بشكل أو بآخر ذلك النوع من الاستثمار الذى يعطى ولا يأخذ، وينفق ولا يربح، والتاريخ يشهد على ذلك ويدعمه.
كما أن الاستثمار في الثقافة لا يقتصر على البنية التحتية الثقافية كالمسارح والسينمات والمتاحف والمكتبات، بل يشمل أيضا المنتج الثقافى، من خلال مشاريع وبرامج لتحفيز الإبداع ورعاية الموهوبين وتسهيل فرص النجاح لهم، وتنمية الوعى المجتمعى بالقيم الثقافية، ونقل المجتمع من الجهل إلى المعرفة، ومن غياب الوعى إلى المعرفة والإنتاج الثقافى، من خلال تشجيع المستثمرين ورجال الأعمال للإنفاق على أنشطة الثقافة المختلفة كالإبداع الروائى والشعري، وإقامة المهرجانات الثقافية، والمكتبات وإنشاء مراكز ثقافية ومراكز للبحث الثقافى.
و«الأفكار» بمعناها الأشمل هى عمود «القوة الناعمة» التى لجأت إليها أمريكا وأوروبا لتقويض الاتحاد السوفييتي، من خلال التأثير بطرق غير تقليدية، تجعل الأعداء يتبنون قيمك وأفكارك ويؤمنون بقضيتك، ويفعلون ما تريد، وبهذا المفهوم، قرر الغرب مواجهته الشيوعية ونجح في تقويض الإيمان بها وتحويلها لمجرد ذكرى تاريخية، فبالثقافة والفن يمكن تحقيق ما لا تحققه السياسة.
وعند العودة للدول العربية، نجد اهتمام بعض هذه الدول، وفى مقدمتها دول الخليج، بالأفكار والثقافة، وتفعيل منظومة البحث العلمي، والاهتمام بالمواهب ودعم الابتكار في كافة المجالات، مستعينة في ذلك بالعقول العربية المبدعة التى تمتلك ثروة هائلة من الأفكار الجديدة التى لو تم تطبيقها يتغير عالمنا العربى إلى الأفضل.. وعلى سبيل المثال قطعت دولة الإمارات العربية المتحدة، شوطا كبيرا في التنمية الثقافية ودعم الفكر والإبداع، حتى أصبحت مركزا ثقافيا مهما على مستوى العالم، وأنشئت مشروعات ثقافية كبيرة، شملت شتى الفنون ومراكز الأبحاث، تجذب أهم صناع السينما والإعلاميين من مختلف دول العالم، ونجحت في ترسيخ مكانتها على أجندة الفعاليات الثقافية العالمية الكبرى.
وبخلاف النظرة المعتادة على أن الأنشطة الثقافية خاسرة ولا تربح، برهنت عدة دراسات علمية على قوة العلاقة بين الاقتصاد والثقافة، لأن الدول التى تتمتع بانتعاش ثقافي، أكثر استقرارا وأكثر جذبا للمستثمرين والسياح، وبالتالى يرتفع الدخل القومى لديها.
وفى الدول المتقدمة ما زال التمويل المباشر للعمل الثقافى يأتى من الخزانة العامة، ولا يزال قطاع الثقافة موكلًا إلى الحكومات، رغم المساهمة الكبرى للقطاع الخاص فيه، وعملت هذه الدول على الاهتمام بالنشاط بالبنى التحتية اللازمة للنشاط الثقافى والتراثي، وقد احتضنت مدن كباريس، ولندن، ونيويورك، وواشنطن، وطوكيو، أغلب العروض الأكثر زيارة في العالم، كما أن معظم المتاحف الكبيرة توجد بأوروبا وأمريكا الشمالية، كما أن بعض هذه الدول ابتكرت صناديق خاصة بالاستثمارات الثقافية؛ ففى كندا مثلا يوجد صندوق رأسماله 100 مليون دولار، مهمته الاستثمار الثقافى ودراسة واختيار المشاريع الثقافية الجيدة التى تهم المستثمرين وتضمن لهم عوائد مادية، وكذلك الحال في ألمانيا.
ويمتلك رجال الأعمال العرب، الكثير من القدرات المالية لتدشين أو تطوير مشاريع أفكار رائدة في مجال صناعة المعلوماتية المعرفية، والفنية والثقافية، والإعلام المجتمعي، والحرص على ربط العقول والطيور المهاجرة بقضايا أوطانهم الأم، والاستفادة من خبراتهم الواسعة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.. ولكن تبقى الرغبة والإرادة، هى المعيار الأساسى للبدء في هذا المجال.
وفى مصر نحن أحوج ما نكون إلى التعليم الإبداعي، للاستفادة من التجارب والخبرات الدولية والبحث العلمى وتطوير فكر استخدام التعليم الرقمى والتكنولوجى لإيجاد الحلول للمشكلات المعاصرة عن طريق الأبحاث العلمية والمبادرات الشبابية الخلاقة عن طريق مشاركة الأفكار والمشاريع المبتكرة في ريادة الأعمال.. وتعد «مؤتمرات الشباب» التى يرعاها ويحضرها الرئيس عبدالفتاح السيسي، فرصة مهمة لعرض الأفكار وإشراك الشباب في المسئولية، وتداول الأفكار المختلفة، وعلى الحكومة ترجمة توصياتها لقرارات وفعاليات على أرض الواقع يستفيد منها الوطن والمواطن.