الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

خبير المجمع اللغوي محمد داود: قاموسنا انكمش من 12 مليون كلمة إلى 12 ألفا بسبب التراجع المعرفي.. الأمة التي لا تنتج العلم تضعف لغتها.. الجانب الأكبر من التراث الإنساني لم يترجم إلى "العربية" بعد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
نعاني غياب التكامل العلمى في تعليم العربية.. والمناهج ضد ازدهار اللغة
اللغة العربية في أزمة ويكفى أن ننظر إلى بعض الصحف التي تُكتب بالعامية
اللغة العربية، تعتبر من أكثر اللغات انتشارا في العالم، حيث ينطق بها أكثر من 290 مليون إنسان، ويتم الاحتفال بها عالميا في 18 ديسمبر من كل عام، في ذكرى اعتمادها لغة رسمية عالمية في عام 1973، من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تحديات ومشكلات، وتطور، وتخوفات من المستقبل، كلها هموم محملة على كاهل اللغويين، ومن هذا المنطلق حاورت "البوابة نيوز"، الدكتور محمد داود، أستاذ علم اللغة العربية، والخبير بمجمع اللغة العربية لجنة الأساليب والألفاظ.
وإلى نص الحوار



ما السر في عظمة اللغة العربية؟
العظمة لا تتأتى من فراغ.. إنها اللغة الخالدة، لغة القرآن المجيد، يشهد لها الزمان بعد الزمان على مدى 1440 عاما أنها مستقرة خالدة، تتطور لتستوعب كل جديد من مواليد الحضارة، دون أن تفقد الصلة بأصلها الأول، وهذا لم يتأتَّ بهذا الكمال للغة أخرى من اللغات، كم من لغات اندثرت أو اختفت أو ماتت وبقيت اللغة العربية خالدة، فهى عظيمة في ذاتها أما ما يحيط بها من مشكلات وأزمات فذلك ناتج من أهلها حيث ترتبط اللغة بأهلها قوة وضعفًا.
لكن لغتنا العربية في معركة الحضارة المعاصرة.. تعانى مشكلات وتصادفها عقبات لماذا؟
هذا حقيقى، هناك العديد من المشكلات والعقبات منها تدريس العلوم الطبيعية والطبية بلغة أجنبية، وحرمان المكتبة العربية من الأعمال الموسوعية العامة والمتخصصة، وكذلك المعجمات بمستوياتها المختلفة، وأيضا كنوز المخطوطات العربية المشتتة بين مكتبات العالم لم تحظَ بتحقيقها ونشرها ودراستها وتقويمها، وحال اللغة العربية في دور التعليم وغياب التكامل العلمى في تعليم العربية، فمناهج التربية والتعليم ضد ازدهار اللغة العربية، بل هى سبب مباشر للضعف اللغوى، في ظل وجود نزعة المجتمع إلى التغريب.
وأيضا الجانب الأكبر من التراث الإنسانى لم يترجم إلى العربية حتى اليوم، ولم يتم تيسير سبل تعليم العربية لغير العرب بطريقة علمية حتى اليوم، في ظل افتقاد رؤية لمستقبل اللغة العربية، فلا يوجد لدينا تخطيط لغوى للمستقبل.
اللغة تموت بموت اهتمام أهلها بها، بزهد أهلها فيها، بتنكر أهلها لها، بعدم جعل هذه اللغة في أحاديثهم إذا تحدَّثوا، في إعلاناتهم إذا أعلنوا، في حياتهم العلمية. عندنا ما يشبه بالاحتلال اللغوي في البلاد العربية لماذا؟ لأن العرب وحدهم هم الذين ارتكبوا جريمة السماح بالاحتلال اللغوي، من خلال التعليم بغير اللغة الوطنية؛ هذا كله مجرَّم في أوروبا، في أمريكا، في إسرائيل، في الصين، في اليابان، والعقلية العربية وحدها هي التي أنتجت ذلك لماذا؟! لأن اللغة لا تُعزل عن شحنتها الثقافية، فالشرق فيه حرية منضبطة بالدين؛ الحرية في جانب العقيدة عند الغرب مختلفة عنا، فاللغة حين يتنكَّر لها أهلها، ويسمحون بهذا الاحتلال اللغوي، حين يكون فيها ذلك الزهد، والإحساس بالدونية...إلخ، فهذه اللغة تموت بمعنى تختفي. وهناك لغات ماتت، أكثر من ثلاثين ألف لغة ماتت في تاريخ البشرية منذ بدايتها وحتى الآن، والإحصاءات العالمية تقول ذلك، أقول ذلك: لأن أهلها ماتوا. متى تموت اللغة؟ إذا مات آخر متحدِّث باللغة فقد ماتت اللغة.
ما السبب في عدم مواجهة هذه المشكلات ووضع حلول جذرية لها؟
هذه المشكلات هى هموم اللغويين العرب، وعلى الرغم من امتلاكهم حلولا هذه المشكلات إلا أن شيئًا منها لا يعرف طريقه إلى النور، وأتساءل مع الملايين: هل لأننا ظواهر فردية لا نحسن العمل الجماعى بروح الفريق ونحن في عصر التكتلات التى تجتاح كل ما هو فردى؟!، أم لأن اللغويين لا يُمكَّنُ لهم في الإعلام والتربية والتعليم والمؤسسات التى تملك سلطة القرار فتظل جهودهم مجمدة على الأرفف وكأنهم يؤلفون لأنفسهم؟!
أم أصابهم العجز عن التغيير والتطوير المنشود بسبب هموم الحياة ووطأة العيش التى جعلتهم يلهثون لتحصيل حد الكفاف من العيش، فالعربية في أزمة لأن الإنسان العربى في أزمة.
هل للتطور العلمى والحضارى علاقة بتطوير اللغة؟ 
إن الإنسان العربىّ يعيش اليوم أزمة هروب من الذات، وينغمس في حالة اغتراب عن أصالته ووجوده، فانعكست هذه الأزمة سلبًا على الواقع اللغوى، ووصمت اللغة بالعجز والقصور عن مواكبة التطور العلمىّ والحضارىّ؛ والعجز الحقيقىّ ليس في اللغة بل في أهلها الناطقين بها.
الأمة التى لا تنتج العلم، تضعف لغتها وتنكمش وتنعزل، وكما هو معلومٌ لدى علماء الاجتماع اللغوى، وعلماء الاجتماع.


أين لغتنا العربية من تكنولوجيا المعلومات؟ لماذا نحرم أنفسنا دعمًا من عضوية نادي المعلومات العالمي، في حين تعمل الأمم الأخرى جاهدة للوصول إلى موقع متميز على الساحة العالمية؟!
رأينا كيف تهتم كل أمة بدعم لغتها والتمكين لها في حلبة الصراع، وحسبنا أن نتدبر موقف اليابان التي تسعى حثيثًا لمواجهة الهيمنة الأمريكية على الشبكة العنكبوتية، وكانت البداية في مشروع الجيل الخامس الذي أطلقته اليابان في بداية الثمانينيات، كردّ فعل تكنولوجي يهدف إلى كسر سيادة اللغة الإنجليزية، وقُوبلت في سعيها هذا بعقبات سياسية واقتصادية من جانب أمريكا لعرقلة هذا المشروع، إلا أن اليابان لم تستسلم لهذه الضغوط، وركزت على تكنولوجيا الترجمة الآلية مستغلة تفوقها، ولا شك أن نجاح مشروع الترجمة الآلية والجيل الخامس سيكسر حاجز القطب اللغوي الأوحد، حتى يصبح بإمكانك – وأنت عربي أو فرنسي-أن تفتح جهاز الكمبيوتر فيقوم الجهاز بتحويل كل الكلام المكتوب بالإنجليزية إلى لغتك التي تتحدث بها.
وعلينا أن نستفيد من مثل هذه الجهود ونحذو حذْوها؛ بغية تحقيق الأمن اللغوي، وحفاظًا على لغتنا الخالدة، وحماية لها من الانجراف في طوفان التغريب الذي لن يقتصر على اللغة وحدها، بل سيمتد إلى الثقافة وأنماط التفكير والجذور والمنابع التي تنتمي إليها رؤيتنا للعالم.
أيهما في أزمة: اللغة العربية أم الإنسان العربى؟
اللغة العربية في أزمة؛ لأن الإنسان العربى في أزمة، فأحوال اللغة لا تنفصل عن الإنسان، إذا وجدنا إنسانًا أميًّا لم يتعلم؛ فاللغة العربية في أزمة، إذا وجدنا إنسانًا لا يُحْسِن تعلم لغته؛ لأن المدرسة لا تعلِّم والجامعة لا تعلِّم، فالعربية في أزمة، إذا وجدنا لغة لا يحترمها قومها: في المدرسة، في الجامعة، في الإعلام، في الصحافة، في أى منبر تُستخدم فيه.
اللغة العربية في أزمة، ويكفى أن ننظر إلى بعض صحفنا التى أصبحت الآن تُكتب بالعامية، وإلى برامج الإذاعة والتليفزيون والفضائيات بالعامية القبيحة، العامية الساقطة، وليس مجرد العامية التى كنا نجدها قديمًا في الأفلام المصرية؛ فنجد الاحترام وأدب الحوار واللغة السليمة وإن كانت عامية.
أما الآن فالشتائم والتعبيرات البذيئة موجودة في الأغانى، وفى الأفلام، وفى المسرحيات.
لكن العوام تصعب عليهم اللغة الفصحى.. كيف تكون هى المستخدمة في كل أمور حياتنا؟ 
إن المساحة المُعْطاة للغة الفصحى في كل أجهزة الدولة مساحة قليلة جدًّا تتمثل في نشرات الأخبار أو في التلاوات القرآنية أو في بعض البرامج التراثية والعلمية والثقافية، لكن الكثرة الكاثرة تُقَدَّم بعامية هى عامية قاع المجتمع؛ لذلك تكثر فيها البذاءة، وتكثر فيها السوقية.. إذا كان الحال كذلك، فإن العربية في أزمة؛ لأن أهليا في أزمة.
لك أن تعلم أن «قاموس اللغة العربية انكمش من 12 مليون كلمة إلى 12 ألف كلمة بسبب التراجع المعرفى والثقافى والإبداعى للأمة العربية».
ما الذى تحتاجه اللغة العربية لتخرج من أزمتها؟
تحتاج إلى 3 أمور داعمة وهى بنية تحتية اقتصادية تمكِّن للتخطيط اللغوى والسياسات اللغوية حتى ترى النور، وبنية فوقية سياسية تملك سلطة القرار الذى يُمكِّن للغة ويحميها من الإقصاء أو التهميش، وبنية داعمة فكريًّا لربطها بالفكر وقضاياه، وتوحيد مصطلحات العربية في مجال الفكر والثقافة، وتحديد رؤية واضحة ورسالة محددة، وتحرير المصطلحات الفكرية بما يعبر عن الهوية الثقافية العربية والإسلامية؛ حتى يكون لفكر العربية كيان مميز فكريًّا، متماسك الهوية يقوى على المواجهة، وقادر على التأثير في الآخر.
توثيق صلات العربية بفروع المعرفة المختلفة؛ مثل الإعلام، والسياسة، والاجتماع، والفلسفة، وكل نواحي المعرفة الإنسانية والعلمية، وتوثيق علاقات اللغة العربية بالفنون بنظرة أوسع، خاصة وقد اختصرت تكنولوجيا المعلومات المسافة الفاصلة بين العلم والفن في عالمنا المعاصر، وعلى العربية أن تفيد في مسائل التنظيم والترتيب بما وصلت إليه علوم الرياضيات والإحصاء والهندسة.