الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

18 مليون يُعانون منها.."الأمية".. خطر يُهدد مستقبل البلاد

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم الخطة المُعلنة من جانب الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، للقضاء على الأمية فى مصر؛ إلا أن الأرقام تكشف عن زيادة نسبة عدد الأميين فى مصر من 17 مليونا عام 1996 إلى 18 مليون أمي. 
وبحسب الخبراء والمُحللين، فإن هناك أسبابا كثيرة لانتشار الأمية بين المصريين، أبرزها نقص الإمكانيات المالية للهيئة، إضافة إلى عدم رغبة الأسرة فى تعليم أطفالها، والظروف المادية التى تُجبر بعض الأسر على عدم تعليم أطفالها. 
وبحسب تقرير صادر عن الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار فى سبتمبر الماضي، فإن هناك 4 أسباب رئيسية لعدم التحاق الأميين بالتعليم، وهى «عدم رغبة الأسرة بنسبة 34.2%، الظروف المادية للأسرة 27%، عدم رغبة الفرد 23.2%، وصعوبة الوصول للمدرسة 8%، يعد تكرار الرسوب سببا لتسرب نحو 13.2% من إجمالى المتسربين من التعليم.



خطة الهيئة العامة لمحو الأمية
ووفقًا للخطة المُعلنة من جانب الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، فإنها تمتلك استراتيجية تتوافق مع خطة مصر للتنمية المُستدامة ٢٠٣٠، لتدعيم أوجه القصور والسرعة للقضاء على الأمية قبل نهاية ٢٠٣٠. 
وللخطة ٣ محاور هم «الأول؛ سد منابع الأمية وفى هذا المحور تلعب وزارة التربية والتعليم دورًا مهمًا، المحور الثاني: القضاء على الأمية من خلال فتح فصول لمن لا يعرف القراءة والكتابة، وتستهدف فئتين وهما الذين لم يلتحقوا بالتعليم من الأصل وتكون مدة الدراسة من ٦ إلى ٩ أشهر، وفئة الذين تسربوا من التعليم ولديهم بعض مهارات القراءة والكتابة وتكون مدة الدراسة نحو ٣ أشهر.
فضلًا عن المحور الثالث، الذى يلعب دورًا فى مواصلة التعليم بعد محو الأمية، بحيث يحصل على شهادة محو الأمية تُتيح له فرصة الالتحاق بفصول تنشيطية تكميلية تؤهله للالتحاق بالمرحلة الإعدادية، بدلًا من المعمول به سابقًا، حيث كانت تتيح له شهادة محو الأمية الالتحاق بالمرحلة الإعدادية مباشرة.
ويعدّ ذلك إضافة حقيقية، بعد إدخال العديد من المهارات فى مناهج المرحلة الابتدائية والثورة الحقيقية، وبالتالى أضحت شهادة محو الأمية لا تُعادل الشهادة الابتدائية، ولكن هناك معادلة تشرف عليها الهيئة مع وزارة التربية والتعليم، بحيث يؤهل الحاصل على شهادة محو الأمية من خلال دراسة بعض مبادئ اللغة الإنجليزية والعلوم والدراسات الاجتماعية، لمدة عدة شهور، لتأهيله للمرحلة الإعدادية، حيث تقتصر الدراسة فى فصول محو الأمية على مهارات القراءة والكتابة وبعض المهارات الحياتية، وبالفعل وزارة التربية والتعليم تتعاون معنا بشكل جيد فى هذا المجال.
كما أعلنت الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار، خطة قصيرة المدى، تستهدف التعاون مع الجمعيات الأهلية والجامعات، من خلال توقيع بروتوكولات شراكة معها، ومع الأحزاب مثل حزب مستقبل وطن، وحماة الوطن، ومصر المستقبل، وغيرها، وبعضها بالفعل بدأ فى فتح فصول بالمحافظات.
وتعدّ الشراكة بين الهيئة وبين الجهات المختلفة، إحدى أهم الطرق للقضاء على الأمية، لأنها تُعطى القوة للهيئة لتنفيذ دورها، خاصة أن الهيئة لا تمتلك مبانى تعليمية، ولا تمتلك موارد بشرية لمحو أمية ١٨ مليون أمي.

قاعدة بيانات للأميين
وتُرجع دراسة صادرة عن إدارة البحوث بالهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار ومركز تعليم الكبار بجامعة عين شمس، أسباب الأمية إلى صعوبة جذب الأميين وإلحاقهم بفصول محو الأمية، وضعف توافر الموارد المالية التى تُقدم للطلاب المُعلمين بفصول محو الأمية أو لهيئة الإشراف من أساتذة الجامعة الموكلين بعملية محو الأميّة.
وتلفت الدراسة إلى أن عدم توافر قاعدة بيانات دقيقة عن الأميين، تعدّ أحد الصعوبات التى تواجه عملية محو الأمية فى المحافظات، إضافة إلى صعوبة تجميع الأميين فى مكان واحد، خاصة فى المناطق قلية الكثافة السكانية؛ كما أن وقت الدراسة بفصول محو الأمية أحيانًا يكون غير ملائم لكثير من الأميين ولا يُراعى ظروفهم.
وتُشير الدراسة إلى عدم مناسبة محتوى الكتب الدراسية المُقررة للدارسين بفصول محو الأمية خاصة مع اختلاف الأعمار والنوع «ذكر- أنثى» واختلاف البيئات.
وتقترح الدراسة بعض المحاور للقضاء على الأمية، مثل إنشاء أقسام تعليم الكبار فى كليات التربية أو شعب مثل التعليم الأساسي، وتوزيع مقررات تعليم الكبار على السنوات الدراسية الأربع بكليات التربية.
كما يجب توفير حوافز مادية للمُعلمين بفصول محو الأمية، وضرورة فتح أفرع لمركز تعليم الكبار الموجودة على مستوى الجامعات فى كليات التربية، وإعداد قاعدة بيانات عن العاملين فى مجال تعليم الكبار من معلمين ومشرفين ومديرين وعمال وغيره، بحسب الدراسة.
فضلًا عن إمكانية حصر الأميين، من خلال طلاب كليات التربية المختلفة، حيث يُكلف كل طالب بحصر عدد الأميين فى منطقته أو قريته خلال إجازة نصف العام، وتوزيع الطلاب على فصول ومراكز محو الأمية، الأقرب للسكن المعلم، بحيث لا يزيد عدد الدارسين فى الفصل على ١٠ إلى ١٥ دارسًا، وفقًا للدراسة.

التسرب من المراحل الابتدائية
يرى الدكتور مصطفى رجب، عميد كلية التربية الأسبق بجامعة جنوب الوادي، أن السبب الرئيسى فى زيادة نسبة الأمية «فشل النظام التعليمي» بخاصة فى المراحل الابتدائية، بسبب التخبط الذى تقوم به وزارة التربية والتعليم.
ويُضيف، أن المرحلة الابتدائية أضحت «حقل تجارب»، فتسبب ذلك فى عدم تحمل بعض الطلاب هذه التجارب، مما أدى إلى ارتفاع نسبة المُتسربين من التعليم، مشيرًا إلى أن المعلمين الموكّل لهم التعليم فى المراحل الابتدائية لم يتم تدريبهم، وكثيرًا منهم يُعانى من نقص التدريب والخبرات التى تؤهله لتعليم الأطفال.
ويُتابع، أن ترهل المناهج فى المراحل الابتدائية وتراجع البنية التحتية فى كثير من المدارس الكائنة فى القرى والنجوع، سبب أيضًا فى تسرب التلاميذ، وبالتالى زيادة عدد الأميين، مضيفًا أن ثقافة التعلم والتثقيف يفتقدها بعض أولياء الأمور.. «يعنى أفضله ابنه يشغله بـ٥٠ جنيها فى اليوم بدلًا من التعليم».
ويُشير عميد كلية التربية الأسبق إلى زيادة عدد السكان، حيث يصل عدد المواليد خلال الدقيقة الواحدة إلى ٣ مواليد، مما يعنى أن مصر يرتفع عدد سكانها شهريًا بنحو ١٨٠ ألف طفل، مقارنة بعدد المدارس، حيث تبنى الحكومة مدرسة كل ٦ أشهر أو كل سنة.
ويُكمل، أنه لا يمكن أن تستطيع الحكومة بناء مدرسة كل شهر على سبيل المثال، وبالتالى يجب العمل على خفض الزيادة السكانية، وهذا يؤدى لتكدس الفصول، وعليها تُصبح «طاردة للتلاميذ».
ويُوضح «رجب»، أن نظام تعيين المُعلمين الجديد، الذى تم وضعه من جانب وزارة التعليم «غير موفق»، ذلك أنه سَمح لخريجى الكليات من غير التربية بالدخول إلى المجال التعليمى دون أن يمتلكوا المهارات اللازمة والواجب توافرها فى المُعلم.
ويُضيف، أن زيادة عدد الأميين خطر على المجتمع، مُطالبًا رجال الأعمال ومؤسسات المجتمع المدنى بالدخول على الخط للعمل على محو الأمية من خلال توفير الإمكانيات المادية، وإنشاء مدارس جديدة، وحل مشكلة تكدس الفصول. ويُشير إلى أن تعليم الكبار فى ستينيات القرن الماضى كانت له برامجه الواضحة، حيث كان الكبار يذهبون إلى المدارس المسائية، ولهم مناهج منضبطة وهيئة تُشرف عليهم، لكن هذا النظام لم يعد قائمًا وتسببت السنوات فى تآكل نتائجه.

ضعف ميزانية هيئة محو الأمية
يقول الدكتور كمال مغيث، الخبير التربوى والباحث بالمركز القومى للبحوث التربوية، إن نسبة الأمية «١٨ مليون مواطن»، لا تليِق بمصر، وبمكانتها التاريخية، كونها صاحبة أول نظام تعليمى فى التاريخ، بالإضافة إلى أنها صاحبة أقدم نظام تعليمى فى العصر الحديث فى منطقة الشرق الأوسط، حيث يصل عُمره إلى نحو ٢١٠ سنوات، منذ أن وضع محمد على باشا والخديوإسماعيل بذوره الأولى.
ويُواصل مُغيث، أن مصر سنت أول قانون للحث على التعليم، حينما نصّت لائحة مجلس شورى النواب فى عهد الخديو إسماعيل على ضرورة أن يكون العضو «يعرف القراءة والكتابة»، وأن يكون الناخبون من الذين يعرفون القراءة والكتابة فقط.
ويُتابع الخبير التربوي، أن الحكومات أولت اهتمامًا بتعليم الكبار، ذلك أن أول قانون لتنظيم تعليم الكبار ومحو الأمية صدر سنة ١٩٤٤، مشيرًا إلى أن كل هذه المشروعات والقوانين كان من المُفترض أن تجعل مصر تقترب من محو الأمية، لكن بعض الحكومات قصّرت فى أداء واجبها مما تسبب فى انهيار هذه المجهودات السابقة.
ويُوضح كمال مغيث: «أننا نعيش فى عصر التكنولوجيا والعولمة، لذا باتت قضية الأمية مُلحة جدًا، ويجب العمل على القضاء عليها»، مضيفًا أن هناك سببين رئيسيين وراء زيادة نسبة الأميين؛ أولهما أن الإلزام بالتعليم الأساسى لم يعد يشمل كل الأطفال، فإذا كان الإلزام يشمل ٩٥٪ من الأطفال، فهذا معناه أن هناك ٥٪ لا يشملهم التعليم الأساسي، أى ما يُقدر بنحو ١٢٥ ألف طفل يُحرمون من التعليم الأساسى سنويًا.
أما السبب الثانى للأمية، فهم المُتسربون من المراحل التعليمية بسبب ظروف العملية التعليمية، وغياب دور الأسرة، إذ كثيرًا ما يصل الطفل إلى سنة خامسة ابتدائى أو الإعدادية وهو أميّ لا يعرف القراءة والكتابة، بحسب الخبير التربوي.
ويُتابع، أيضًا ضعف الموازنة الحكومية المُقررة للتعليم الابتدائى والإعدادي، وعدم وصولها للنسبة المنصوص عليها فى الدستور، إضافة إلى ضعف ميزانية هيئة محو الأمية وتعليم الكبار، أسباب لزيادة نسبة الأمية.
وبحسب الموازنة العامة للعام ٢٠١٨/ ٢٠١٩، بلغ إجمالى ميزانية الهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار نحو ٣٠٠ مليون جنيه، يتم صرف أغلبها على أبواب الأجور للعاملين بالهيئة، وبالكاد تكفي، لذا لا يوجد برامج توعية أو خطط ترويجية لترغيب المواطنين فى التعلّم.

عدم وجود ثقافة التعلّم
يشرح الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسي، المتخصص فى الأمراض النفسية، الأسباب النفسية والاجتماعية وراء عزوف المواطنين عن التعلّم، قائلًا: «إن عدم وجود حوافز يعدّ السبب الرئيسى وراء زيادة نسبة الأمية»، مضيفًا أن الإعلام أيضًا تسبب تصدير صورة ذهنية سيئة عن التعليم.
ويُضيف، أنه حاليًا يتم تصوير المُتعلمين بصفتهم «عاطلين عن العمل»، فى حين يتم تصوير «البلطجي» بصفة العمل والسعى «كسيب يعني»، وهناك أمثلة كثيرة تُعرض فى الأفلام والمُسلسلات التليفزيونية التى تعرض مثل هذه الصورة.
ويلفت فرويز إلى أن افتقاد المجتمع ثقافة التعليم، حيث بات طريق المكسب السريع هو الذى يشغل بال المواطن، مشيرًا إلى أن يكون هناك رسالة إعلامية وتصدير صورة إيجابية عن التعليم والمُتعلمين.

أزمة قانون محو الأمية
يعود أول قانون لمحو الأمية وتعليم الكبار إلى العام ١٩٤٤، والذى تم إقراره من جانب مجلس الشيوخ آنذاك، ونص على أن يتم تطبيق القانون مجانًا على الشريحة السنية من ١٢ حتى ٤٥ عامًا، وحدد مدة الدراسة بـ٩ أشهر متصلة، وألزم مأمورى المراكز والأقسام والعمدّ بأن يُقيدوا فى سجل خاص أسماء الأميين فى دائرة اختصاصهم وأعمارهم السنية ومحال إقامتهم وصنائعهم.
لكن القانون رغم نصوصه الواضحة؛ إلا أنه لم يأت بنتائج على أرض الواقع، لذا تم إلغاء القانون بعد نحو ٢٦ عامًا، وسنّ قانون جديد أخذ رقم ٦٧ لسنة ١٩٧٠، أنشئ بموجبه مجلس أعلى لتعليم الكبار ومحو الأمية، واستهدف الشريحة السنية من ٨ إلى ٤٥ عامًا.
أيضًا هذا القانون لم يصمد كثيرًا، حيث تم إلغاؤه، وإصدار قانون رقم ٨ الصادر فى عام ١٩٩١، وفى العام التالى مباشرة تم إنشاء الهيئة القومية لتعليم الكبار ومحو الأمية، لتكون هيئة ذات شخصية اعتبارية تتبع وزير التربية والتعليم، ونص قرار الإنشاء على أن تتشكل الهيئة من مجلس إدارة برئاسة رئيس مجلس الوزراء أو من ينيبه وعضوية وكلاء أول الوزارات المعنية بمحو الأمية و٦ من الشخصيات المُهتمة بقضية محو الأمية.
وعلى الرغم من أنه تم إصدار القانون إلى جانب عدة برامج أخرى، منها برنامج المجلس القومى للطفولة والأمومة لمحو الأمية، وبرنامج المؤسسة الثقافية العمالية لمحو الأمية، وبرنامج القناة الفضائية التعليمية، إلا أن أغلبها جانبه التوفيق، خاصة أن الآليات التى تتبعها هيئة المجلس القومى لمحو الأمية وتعليم الكبار، وعلى سبيل المثال إلزام طلاب الجامعات بمحو أمية المواطنين بمقابل مادى، أو الاشتراط على المعلمين الجدد بمحو أمية عدد من المواطنين لاستكمال إجراءات التعيين، أثبتت فشلها الذريع فى محو أمية المواطنين، وأخيرًا التعديل الأخير لقانون محو الأمية، حيث تم إصدار قانون جديد يحمل رقم ١٣١ لسنة ٢٠٠٩.

وتُعلق الدكتورة ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب، قائلةً إن قضية محو الأمية وتعليم الكبار تشغل بال لجنة التعليم، مضيفةً أن الهيئة العامة لمحو الأمية فى اجتماعها بمجلس النواب طلبت زيادة فى الميزانية، إضافة إلى زيادة صلاحية الهيئة.
وتُضيف النائبة، أن أحد النواب تقدم بمشروع قانون لتعديل قانون سنة ٢٠٠٩، لإعادة هيكلته ليصبح قانونًا لـ«محو الأمية وإعادة التأهيل»، مشيرةً إلى أنه تتم مناقشته حاليًا داخل أروقة المجلس.