السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

فينوس فؤاد تكتب: نوافذ محمد عفيفي تطل على تاريخ آخر لمصر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"نوافذ جديدة" هو التوصيف الدقيق الذى اختاره الدكتور محمد عفيفى ليكون عنوانا لأحدث مؤلفاته فى قراءة تاريخ مصر بصورة جديدة أو بالأحرى وهو يسجل فى كتابه الجديد "تاريخ آخر لمصر" تأملات جديدة على كتب التاريخ من خلال "نوافذه الجديدة" يرصد منها التاريخ.
فعفيفى مؤرخ من طراز مختلف يسعى دائما لإشراك القارئ فى رصد وتحليل كل ما يدور حوله ، كما يسعى أيضا إلى جذب شرائح جديدة من الجمهور المتذوق للتاريخ، ويؤهله ليكون قادرا على التفاعل مع الأحداث التاريخية ويعيد قراءتها ومن ثم يكون قادرا على استخلاص الخبرات التى تساعده فى فهم ما يدور حوله من أحداث قد تكون لها نتائج أعمق مما يتخيل عقل الشاب الآن، وربما أراد بكتابه "نوافذ جديدة .. تاريخ آخر لمصر" أن يدق ناقوس الخطر لينبه إلى أهمية الثقافة فى كتابة تاريخ الشعوب، فنجده يرصد ويحلل التاريخ من خلال عدة مباحث "جديدة" منها الموسيقى والسينما والفلكلور بالإضافة إلى الكتب والمؤلفات التى توثق اتجاهات فكرية تعكس سمات العصور التى أبدعت فيها وشكلت وجدان طبقة عريضة من الشعب المصرى.
فقد اعتاد المؤرخون على مصادر محددة لكتابة التاريخ أهمها الوثائق المكتوبة والمعتمدة الموجودة فى سجلات الضرائب ودار المحفوظات ودار الكتب والوثائق القومية.. الخ، بينما القارئ البسيط لا يستطيع أن يصل إلى تلك المراجع ليساهم فى رصد تاريخه، ومن ثم ينصرف عن معرفة تاريخه إلى ما يشاع على شبكات التواصل الاجتماعى من أفكار وتاريخ مشوه ومضلل لمصر.
ولتحقيق هذا الهدف عكف عفيفى على تبسيط المعلومات التاريخية لدى القارئ، ويذكرنا فى كتابه بأشياء تشكل الوجدان وتنمى الفكر بين طبقات المجتمع المختلفة ربما أصبحت تمر علينا جميعا مرور الكرام بينما هى تحمل بين طياتها مصادر مكثفة للتاريخ. مثل برامج التليفزيون والمكتبات العامة، والسينما والصحف ومقالات الرأى وأعمدة كبار الكتاب وذلك من خلال سرد شيق لمحطات من سيرته الذاتية، ليوجز ببساطته المعهودة أن جميع المصادر السابقة ساهمت فى التشكيل الوجدانى للمؤرخ محمد عفيفى.
"الرحلة" 
هى المقدمة التى بدأ بها عفيفى حواره مع القارئ، ربما ليعرفه بنفسه، وربما ليعده للتلقى لما هو آت بين دفتى الكتاب، وربما ليشعر القارئ بالألفة مع ما يحيط به من أشياء توثق للتاريخ وربما أراد فيها أيضا إلقاء الضوء على كيفية الاستفادة من الاخفاقات البشرية فى تحقيق الأهداف مسترشدا بنفسه على ذلك حين اخفق فى الحصول على المجموع المؤهل للالتحاق بكلية الإعلام فالتحق بقسم التاريخ بآداب القاهرة ليعود بعد سنوات من الجد والدراسة الى كلية الإعلام كأستاذ محاضر بها ومشرفا مشاركا على العديد من الرسائل العلمية الخاصة بالإعلام ليحقق حلمه بصورة أفضل مما كان يتمنى.
التاريخ والأدب
كان لدراسة المؤرخ محمد عفيفى فى فرنسا من خلال المنحة الدراسية التى حصل عليها وعمله كأستاذ زائر فى الجامعات الفرنسية واليابانية بالغ الأثر فى فتح آفاق جديدة لدراسة تاريخ المجتمعات والمرتبط بعاداتهم وتقاليدهم وأزيائهم وأفلامهم ومسلسلاتهم فانتبه عفيفى إلى أن التاريخ يهتم أولاً وأخيرا بالناس. فاختار ثلاثية نجيب محفوظ كنموذج تطبيقى لدراسة علاقة الأدب برصد المتغيرات التاريخية متخذا مقولة الأب "جاك جومييه" مدخلا لتلك الدراسة حين اعتبر "أن شخصيات الثلاثية رسمت بدقة وبراعة صورة شاملة لشخصيات تحمل قيم وخصائص المجتمع المصرى". 
وأرى أن دراسة عفيفى للروايات الأدبية كمصدر للتأريخ وليس المراجعات التاريخية هى مغامرة محسوبة لمؤرخ مخضرم أراد منها إثبات أن الوثائق المؤرشفة ليست وحدها المصدر للتاريخ لما هو معروف من خضوع عملية الاحتفاظ بها أو إعدامها لأهواء شخصية مرتبطة بعدة عوامل منها السلطة الحاكمة فى تلك الحقبة وكذلك مفهوم الولاء للقائمين على التوثيق والأرشفة. كما أن عفيفى اختار الثلاثية أو بالأحرى روايات نجيب محفوظ لما هو معروف عنه من الدقة فى وصف وتوثيق الأماكن وإجادة رسم الشخصيات التى يستطيع المؤرخ من خلالها رصد المتغيرات الاقتصادية والتحولات الفكرية للمجتمع، وكذلك التعرف على التاريخ الشفاهى غير المكتوب عن أهم القضايا التى كانت تشغل تفكير المجتمع بمختلف طبقاته فى ذلك الوقت، والتى ربما حذفت أحداثها من الوثائق الرسمية الموجودة حاليا.
أمام العرش
اختار عفيفى رواية نجيب محفوظ أمام العرش ليقدم نموذجا ثريا مهمش حاليا عن دراسة تاريخ مصر عبر العصور فى سياق سلس وبأسلوب مشوق ربما يكون مناسبا لطلاب المدارس كمدخل لدراسة التاريخ بدلا من كتب التاريخ الجافة المتداولة حاليا وفقا لمقترح عفيفى.
عالمية شبرا فى الأدب المصرى
دائما ما يؤكد عفيفى فى مؤلفاته انتمائه لحى شبرا، ولكن فى هذا المبحث يتناول عفيفى شبرا من خلال دراسة حال الأجانب ومختلف طوائفهم مع هذا الحى العريق الذى ترصد علاقاته مدى مصداقية المجتمع المصرى فى المحبة وحسن الجوار.
الموسيقى والتاريخ
اهتم عفيفى بمبحث الموسيقى كمدخل هام لدراسة التاريخ طرح عدة أسئلة فى محاولة لإيجاد إجابات لها ولعل أهمها علاقة التاريخ بالأغنية الوطنية وتأرجحها بين تمجيد الحاكم والحث على الانتماء وتمجيد الإنجازات والاحداث التاريخية بانتصاراتها وانكساراتها؛ وكذلك طرح إشكالية الطبقية بين الموسيقى الشرقية والغربية والصدام بينهم فى مراحل عديدة تسبق التزاوج الحالى فى بعض المؤلفات.
وتأكيدا على هدف عفيفى فى إنجاز دراسة مسحية من نوع خاص ترصد اهتمامات المجتمع بكافة طبقاته لم يفوته أن يرصد شخصية ابن البلد من خلال اسكتشات الفنان الشعبى محمود شكوكو كأحد الألوان الموسيقية الجديدة على المجتمع المصري فى حينها.
التاريخ والفلكلور
احتار عفيفى فى تقديم أى مصطلح منهما عن الآخر فاختار أن يضح حدا لهذه الحيرة فى البدء بتعريف الفلكلور الذى سيتبناه فى دراسته باعتبار المقصود به هو التراث الروحى للشعوب وخاصة التراث الشفاهى مثل المعتقدات والعادات والتقاليد والحكم والامثال الشعبية مدللا بذلك على تداخل العلوم الإنسانية واستحالة تفكيكها عن بعضها خصوصاً فى دراسة التاريخ.
السينما والتاريخ
فى هذا المبحث حاول عفيفى التدليل على أن اعتبار الوثيقة المكتوبة هى المصدر الوحيد للتاريخ أصبح غير مقبول فى الوقت الحالى، فربما كانت الوثيقة مكتوبة لغرض معين غير معلن، وربما لم نفهمه أو لم يتم توضيحه فى سياقه الصحيح، بينما السياقات السينمائية توضح الخلفيات التاريخية التى لم توضحها الوثائق، وربما أكدت ما ذكرته الوثائق، وهنا يتطرق عفيفى إلى الرقابة بنوعيها وهما الرقابة على السينما والمصنفات الفنية، والرقابة على الوثائق وكلاهما يخضع لقوانين مختلفة ومتغيرة وفقاً للسياقات التاريخية عبر العصور المختلفة والتى ترتبط بالمجتمع والحكام والمناخ السياسى ومعايير الولاء والانتماء سواء للسلطة الحاكمة أو الوطن بمفهومه الشامل. يظهر ذلك من خلال دراسة عفيفى للطبقة الوسطى وظهورها ودور السينما فى التمهيد للثورة.
الصراع على السينما
ينوه عفيفى مجددا إلى تاريخ الصراع على السينما لاعتبارات عدة أهمها الشق الاقتصادى الذى انتبه إليه طلعت حرب، والشق القيمى فى توجيه المجتمع الذى انتبه إليه صناع السينما، والشق التاريخى الذى اهتم بسرد التاريخ فى إطار مترابط مع نسيج المجتمع ومتغيراته.
يوسف شاهين
اختار عفيفى شخصية المخرج العالمى يوسف شاهين كنموذج واقعى لتزاوج الحضارات بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط ، فالأب كاثوليكى مصرى والأم يونانية، مؤكدا بهذا النموذج على أن الهوية المصرية هى هوية ثقافية وليست عرقية.
تاريخ الفكر
استخدم عفيفى أزمة كتاب "الشعر الجاهلى" لطه حسين كنموذج للمراجعات الفقهية والدينية للمؤلفات الأدبية وما سبقه من أزمة كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ على عبد الرازق.
الجذور التاريخية لفكرة المتوسطية فى مصر
مبحث جديد فيه يرجع المؤرخ تأصيل فكرة المتوسطية فى مصر إلى كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة فى مصر" الصادر عام 1938 متعمقا فى شرح التحولات السياسية والفكرية التى أدت إلى ظهور هذا الكتاب.
استطاع محمد عفيفى فى كتابه فتح آفاق جديدة لرصد التاريخ وفق سياقات متعددة تربط التاريخ بالمحتمع وتؤصل ثقافته لتقوى انتمائه وتدعم هويته لحث القارئ على دقة الملاحظة وربط الأحداث وتقييم ما يحيط بنا لنصبح متفاعلين إيجابيين ونتخلى عن دور التلقي السلبي لما يعرض علينا فى السينما والموسيقى والأدب والشعر..الخ.
محمد عفيفى هو أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب بجامعة القاهرة والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة ومؤرخ مصرى صاحب فكر مستنير يبحث دائما عن تطوير مصادر التاريخ ليفتح آفاق جديدة للباحثين والقراء او بالأحرى يحاول جذب الشباب وغير المتخصصين إلى مصادر جديدة للتاريخ يسهل الاستدلال بها و تتبعها ، كما أنه أول من نادى إبان رئاسته لقسم التاريخ بكلية الآداب بجامعة القاهرة إلى ضرورة فتح أبواب قسم التاريخ للباحثين من غير خريجى القسم لإثراء الدراسات به مثل دراسة التاريخ النوعى، وتاريخ الطب والفن والزراعة والدواء والهندسة والعمارة و ربط دراسة التاريخ بالعلوم الإنسانية وما زال يكافح من احل تحقيق حلمه بتنوع مصادر التأريخ. كما ان له العديد من المؤلفات باللغة العربية و اللغة الفرنسية.
وقد صدر كتاب "نوافذ جديدة.. تاريخ آخر لمصر" للمؤرخ محمد عفيفى عن مؤسسة بتانة فى مائتان وعشرون صفحة من القطع المتوسط فى ديسمبر 2019.