الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

نجيب محفوظ.. فتوة الحرافيش

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
"نهر الإبداع المتدفق"؛ هكذا يظل الروائي العالمي نجيب محفوظ لكثير من الأدباء والكتاب، فهو يحتفظ بمكانته كأيقونة ثرية بالإلهام والإبداع، نال جائزة نوبل عن جدارة، فقد ناقشت أعماله الروائية والقصصية أغلب القضايا التي تشغل فكر الإنسان، تعرض لها من منظورها الفلسفي في عباءة القصة والرواية.
محفوظ، الذي تحل ذكرى ميلاده اليوم الأربعاء، حققت أعماله نجاحًا كبيرا، على مستوى القراءة والانتشار في الوطن العربي وترجمتها إلى لغات حية متعددة، وأيضا على المستوى السينمائي والدرامي عندما تحولت رواياته وقصصه إلى أعمال فنية مميزة.
شغل "محفوظ" القراء والنقاد بكتاباته ومؤلفاته، ويصعب حصر هؤلاء الذين تناولوا أعماله في دراساتهم النقدية، فمنهم: الدكتور غالي شكري في "المنتمي"، ورجاء النقاش "في حب نجيب محفوظ"، والدكتور محمد حسن عبدالله في "الإسلامية والروحية في أدب نجيب محفوظ"، والدكتورة سيزا قاسم في "بناء الرواية"، والكاتب محمد سلماوي "في حضرة نجيب محفوظ"، والكاتب سيد الوكيل "في حضرة المحترم"، والناقد مصطفى بيومي "المسكوت عنه في أدب نجيب محفوظ"، وإبراهيم فتحي "العالم الروائي عند نجيب محفوظ"، وجمال الغيطاني في "نجيب محفوظ يتذكر"، والدكتور يحيي القفاص في "صورة المجتمع المصري في أدب نجيب محفوظ"، والدكتور يحيي الرخاوي في "عن طبيعة الحلم والإبداع.. دراسة نقدية في أحلام فترة النقاهة".. وغير ذلك كثير.
وكان من اللافت للنظر أن هذه القراءات النقدية المتعددة وقع بينها المتناقض، ويبدو أن الكثير من النقاد أرادوا أن يروا محفوظ بمنظورهم الذاتى لا بمنظوره هو ورؤيته الخاصة، لكن محفوظ أكبر من ذلك، أكبر من أن يتم ضغطه داخل قالب واحد، لذلك تجده من الطبيعى أن يشير إلى فساد الرأسمالية الحرة ولا يعنى هذا مدحه للاشتراكية أو الشيوعية، فهو كاتب متعدد المواهب.
عبرت كتابات محفوظ تعبيرا واضحا وشاملا لكل أبعاد الحياة، فنجد مثلا الطالب الثورى والاشتراكى وجيل الستينيات الذى عاش حلم الخلاص من براثن الاستعمار، وعندما تحطمت آمال المصريين في أعقاب نكسة 67 لاقي ذلك الجيل المهزوم صدى إحباطه وسط كتاباته أيضا، ومع صعود التيارات الإسلامية المتطرفة على الساحة بدعم سياسى واسع إبان حكم السادات، كان ذلك واضحا أيضا في أعماله.
وقد أثارت روايته الفريدة "أولاد حارتنا" أزمة كبيرة مع الجماعات الإسلامية المتشددة، حتى هاجموه على المنابر ووصفوه بالكفر، واقترح أحد الوسطاء أن يجمع المعترضين بنجيب محفوظ في مناظرة يرد فيها المؤلف على ادعاءاتهم، وقبل محفوظ وذهب في الوقت المحدد وظل منتظرا حتى يأتي أحدهم لكنهم تخلفوا عن الحضور ولم يأت أحد.
وعن هذه الأزمة يقول "محفوظ": ذهبت في الموعد الذي حدده لي المرحوم صبري الخولي لمناقشة الرواية لكن الأطراف الأخرى هي التي لم تأت، وقال لي الخولي "أنا هندهلك لما يجتمعوا" وفات على كده 30 سنة ونسيت الأمر.. وتجددت الحملة عليها ضدي بعدما حصلت على الجائزة وظهر رأي غريب يدعي أنني حصلت على الجائزة بسببها، وهذا غير صحيح، لأن تقرير الجائزة ذكر في نهايته تلك الرواية".
وأضاف "محفوظ" أن الأدب الرمزي يحتاج لطريقة في القراءة، فهناك رمز وشيء يشير إليه، وأنت عندما تقرأ الرمز يجب ألا تخلطه بالمرموز وإلا ضاع الأمر، ومثال ذلك من تراثنا كتاب "كليلة ودمنة"، فهو عالم حيوان، إنما المؤلف قصد أن يعكس به الواقع في زمنه، فجعل من السلاطين والوزراء بدائل لهم في الأسد والثعلب وغيرهما، فالثعلب قد يمثل الوزير في حكمته ودهائه، لكنه يظل محتفظا بعالمه الحيواني وإلا فقدت الحكاية واقعيتها واقناعها للقارئ، فلا يصح أن يقرأ أحدهم قصة الثعلب ويسأل "ازاي تخلي معالي الوزير ينبش في الزبالة" فاعتبار الرمز هو المرموز يهدم العمل.
ومؤخرا أصدر الكاتب الصحفي طارق الطاهر كتابًا بعنوان "نجيب محفوظ بختم النسر" يتعرض فيه لسيرة "محفوظ" ولكن من الناحية المهنية، حيث عرض لأكثر من 70 وثيقة من الوثائق الحكومية التى تحمل ختم النسر.
الوثائق تعرض حياة محفوظ بشكل مغاير بدءًا من شهادة إتمام المرحلة الابتدائية، حيث يظهر فيها توقيع «محفوظ» باللغتين العربية والأجنبية، وكذلك شهاداته في المراحل الدراسية المختلفة حتى حصوله على ليسانس الآداب من الجامعة المصرية، بالإضافة إلى المستندات الوظيفية الخاصة به منها: القرارات الوزارية بتقلده رئاسة مؤسسة السينما، إقرارات الذمة المالية، القرار الوزارى بضمه لمجلس إدارة جامعة الثقافة الحرة «الجامعة الشعبية»، بالإضافة إلى العديد من أوراقه الخاصة مثل: كشف الممتلكات، تقارير العمل السرية، والقرارات التى تخص فترة توليه للرقابة على المصنفات الفنية وأهم القرارات التى اتخذها. 
تضم هذه الوثائق إقرارا من الروائى الكبير يقول فيه: «أقر بأنى لا أتقاضى معاشًا ولا مرتبات أخرى من الحكومة المصرية» وموقعة باسمه وبتاريخ السابع من نوفمبر لعام ١٩٣٤.
كما تضم طلب تبديل أيام تغيبه عن العمل من رصيد إجازاته فيقول «صاحب العزة سكرتير عام الجامعة المصرية.. أتشرف بإبلاغ عزتكم بأنى تغيبت يومى الاثنين والثلاثاء ٢،٣ ديسمبر ١٩٣٥ بسبب المرض فأرجو التفضل باحتسابها من إجازاتى العادية» وموقعة باسمه ووظيفته «كاتب بقلم المستخدمين» وبتاريخ الرابع من ديسمبر من نفس العام.
وأيضا تضم قرارا وزاريا لسنة ١٩٦٠ بتشكيل مجلس إدارة جامعة الثقافة الحرة أو ما عرف بالثقافة الجماهيرية فيما بعد وقد ضم المجلس في رأس القائمة عبدالمنعم الصاوى وكيل وزارة الثقافة والإرشاد القومي، ونجيب محفوظ مدير مؤسسة دعم السينما، إلى جانب أحمد يوسف مدير إدارة الفنون الجميلة، ومحمد حسين مدير دار الكتب، ومحمد سالم المستشار القانونى لوزراة الثقافة، والسيد فرج مدير عام جامعة الثقافة الحرة، وعلى الراعى مدير مؤسسة فنون المسرح والموسيقى.
يشار إلى أن نجيب محفوظ كان قد ولد بحي الجمالية بالقاهرة القديمة في 11 ديسمبر 1911، ويعد أول عربي يفوز بجائزة نوبل للآداب عام 1988، كتب العديد من الروايات منها الثلاثية والحرافيش والسراب وزقاق المدق وأولاد حارتنا وغيرها، وتدور أحداث جميع رواياته في مصر، وتظهر فيها قيمة متكررة هي الحارة التي تعادل العالم، وعادة ما يناقش قضايا العدل والخير والجمال.