بعد بزوغ ضوء الشمس يستيقظ «أبوأحمد»، الذى يسكن بأقصى جنوب مصر بمحافظة سوهاج، كى يستعد للذهاب إلى السوق القريبة من منزله لشراء ما يحتاجه محل المأكولات الذى يملكه من طلبات، وبعد أن ينتهى من شراء ما يحتاجه يتوجه إليه ليبدأ في تجهيزها للزبائن، ورغم أنه يبيع بأسعار قليلة وقد تبدو للكثير من الزبائن أنها في المعقول، إلا أنه عندما لاحظ أن زبائنه يشتكون من الغلاء وارتفاع الأسعار وعدم قدرة البعض منهم على شراء الطعام، فقرر أن يتاجر مع الله، من خلال تقديم وجبات طعام مجانية للفقراء والمحتاجين، والذين لا يجدون قوت يومهم.
وضع «أبوأحمد» لافتة إنسانية بالمحل مكتوبًا عليها «من لا يستطيع شراء الطعام فعليه أن يطلبه بالمجان»، يؤكد أن لديه يقين تام بأن الخير الذى يقوم به حتما سيعود إليه في أبنائه ورزقه فيردد لسانه دائما بأن «الحسنة بعشرة أمثالها».
بعد أذان الظهر يقف بجلبابه الصعيدي، الذى يفتخر بارتدائه ويحرص بشدة على عدم تغييره بالقميص والبنطلون، كى يعد «ساندويتشات» من جميع الأصناف للفقراء والمحتاجين ويضعها أعلى ترابيزة مخصصة حتى يرفع الحرج عن الذين يأكلونها. يقول «أبوأحمد»، ٣٧ عاما: «ما أقوم به ليس حيلة دعائية لأجل جلب المزيد من الزبائن إلىَّ، ولكن ابتغاء مرضاة الله وتجارة معه، فكل تجارة مع الله مكسب وليس خسارة»، مضيفًا: «منذ فترة رأيت أكثر من شخص يقف أمامى وينظر للأكل ثم ينصرف دون أن يشترى، فكنت أذهب خلفهم كى أعطيهم اللى فيه النصيب».
ويواصل: «في إحدى المرات خطرت لى فكرة، لماذا لا أضع ورقة وأكتب عليها (من لا يستطيع شراء الطعام فعليه أن يطلبه بالمجان)، فقمت بطباعتها ووضعتها بالفعل»، مؤكدا: «كل يوم بيجيلى ناس كتير ولا أحرج أحدهم ولا أنظر إليه نظرة سيئة وأعاملهم أفضل من الذين يشترون، لأن الحاجة دى لله مش للبنى آدم». ويختتم كلامه: «الإحساس بالفقراء والغلابة والمحتاجين نعمة وأشعر بسعادة كبيرة لا أستطيع وصفها عندما يأتى لى أحدهم ويأخذ ما يحتاجه ويدعو لى عندما ينصرف وكله من فضل ربنا».
