الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عتاب إلى وزيرة الثقافة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أستهل بمسلمة أستمنع بها من مظنة الوقوع في تصور أنني أدافع عن تيار فكري بعينه، إذ يعرف الجميع موقفي المعلن من الأيديولوجيا المتسترة بالدين متمثلة في فكر الإخوان أو فكر المتسلفين الجدد، هذا بدءًا.
وأثني بعتاب شديد على الدكتورة المستنيرة إيناس عبدالدايم وزير ثقافة مصر المحروسة، وذلك لتعجلها الشديد في اتخاذ قرار بإقالة الفنانة التشكيلية المجتهدة جدًا منى القماح، ولقد بنيت عتابي على عدة اعتبارات، أولها: أن الدكتورة إيناس عبدالدايم نفسها قد مورس ضدها قمع إداري حاد أسفر عن إقالتها من منصب مدير الأوبرا المصرية في ظل حكم الإخوان بحجة أنها سيدة متبرجة، فكانت إقالة مبنية على أساس من التنمر الواضح والإقصاء المتعمد لقناعة بأيديولوجيا فكرية بعينها وأقول لها: يا سيدتي من جرب الكي لا ينسى مواجعه، فمن سقى السم لا يشقى كم شربا.
ثانيها: أن وزارة الثقافة معنية في الأساس باحتواء الفكر المعوج ومحاربته ومقارعته حجة بحجة ورأيا برأي لإظهار عواره وإبانة أوجه تقصيره ووأد ما نتج عنه من أفكار فرعية مريضة فلن يُحارب الفكر سوى بفكر مضاد.
ثالثها: أن هذه الموظفة من أبناء الوزارة وعينت بها بحكم تخرجها في كلية تعنى بالفنون وشهد لها الجميع بالبراعة وحسن الأداء الوظيفي، فهي ابنة وزارة الثقافة التي هي في الأصل منوط بها تثقيف ما اعوج من فكر الشعب، فكيف تفشل هذه الوزارة في تقويم اعوجاج كائن في أحد أبنائها، على اعتبار أن النقاب اعوجاج فكري في نظر البعض ودليل على بواطن مضمرة في عقيدة المنتقبة، وعلى اعتبار أن هذه السيدة تمارس فرض فكر بعينه على رواد القصر، وهذا لم يحدث من أساسه فماذا لو استدعتها معالي الوزيرة لمكتبها وعجمت فكرها مستبينة أثره في لمسة إنسانية بديلة للقتل المعنوي المتعمد الذي حدث.
رابعها: أن السيدة وزيرة الثقافة قد جابت الدنيا شرقا وغربًا وطالعت عالم الحريات، بل إنها تلقت تعليمها بعد الجامعي في أرض الحريات باريس، حيث تلاقح شتى صنوف الفكر البشري، وتلاقت شتى مللهم ونحلهم على أرض واحدة في لون من الانسجام البشري الغريب، ولم تسمع عن إقصاء مرجعه إلى الملة أو الاعتقاد، فإذا بها تقع في هذا الفخ الفج.
خامسها: لقد مر اختيار السيدة المنتقبة بمراحل إدارية منضبطة بدأت بخلو المكان وانتهت بالمقابلة الشخصية ثم ختمت بتقارير أمنية تتسم في هذا الوقت الحرج من تاريخ مصر بالدقة البالغة، فهل هناك شك لدى الوزيرة في أداء الجهات الأمنية؟، وهل إذا كان لهذه السيدة نشاط دعوي أو فكري لاتجاه بعينه هل ستسكت أجهزة الدولة عن مثل ذلك؟، هل ستغض الطرف عن ممارسة من شأنها تقويض ما تحاول الدولة المصرية إعادة بنائه؟
سادسها: هل تستطيع هذه السيدة فرض فكرها وهي في الأساس تمارس عملها من خلال خطة مرسومة لها من قبل وزارة الثقافة لا تستطيع الفكاك من إطارها العام قيد أنملة؟، وهل بإمكانها إلغاء نشاط من الأنشطة الموكلة إلى قصر الثقافة بحجة أنه نشاط منافٍ لتعاليم ما تعتقده؟
سابعها: أليس لهذه السيدة سجل نشاط؟، أليس لها ملف وظيفي كان بإمكان الوزيرة طلبه والنظر فيه ومطالعة تقاريرها قبل أن تظلمها وتظهر وجه وزارة الثقافة الإقصائي؟، أليس لهذه الوزارة جهاز متابعة؟، أليس لها أجهزة تفتيش؟، أليس لديها مستشارو تقويم؟، أليس لديها آليات تقييم؟، هل انتهت الحلول الوسطية من معالي الوزيرة أو من الدكتور أحمد عواض؟
ثامنها: ما موقف الوزيرة ووزارتها المبجلة من استعانة محافظ سابق بهذه السيدة لتجميل أرضية أوبرا دمنهور؟، وما موقفها من تكريمها الدائم من رئيس مجلس المدينة، وهو لواء سابق بالقوات المسلحة المصرية وفي حضور عضوي برلمان أحدهما لواء شرطة سابق في محفل كانت هي بطلته برواد مرسمها من شباب كفر الدوار وأطفالها في يوم لم يكن فيه موطيء قدم لرواد المكان؟، وماذا تقول لجميع من شهد لها بالكفاءة والنشاط؟
تاسعها: تولت السيدة منصبها أسبوعين فقط فأقامت حفلين غنائيين وحفل كورال أطفال وحضرت فعاليات ناديي أدب الكبار والأطفال فلم يحل دخول المساء دون مكوثها للنهاية ولم تقل إن بقاء المرأة حتى الحادية عشرة مساء خارج بيتها غير شرعي، ولم تترك القصر مغادرة متذرعة بحجة شرعية أو متوارية وراء فتوى منحرفة فعلى أي أساس بنت وزارة الثقافة موقفها الإقصائي؟
عاشرها: ما قدر هامش الحرية في وزارتكم المبجلة؟، وهل هي حرية مطلقة أم حرية نسبية؟، وهل يضمن أي ضيف على موائد وزارة الثقافة ألا تُقمع حريته؟ وألا يصادر عليه؟ وما شأن الحرية في اختيار الزي بالأداء الوظيفي؟ وهل التفيئة هي العلاج الناجع للأمور؟ هؤلاء واقعون بين تيارين اثنين اعتدال أو انحراف، فإذا تركناهم واضطهدناهم سيجرفهم التيار الآخر إلى مستنقعه فماذا نحن فاعلون يا سيدتي الوزيرة؟
حادي عشرها: تصرف الوزيرة بتنحية هذه السيدة على أساس المظهر دون تبين صدق انتمائها من عدمه وضع الجميع في حرج في زمن نسعى فيه جميعا لجمع الشعب كله على كلمة سواء وراء قيادة نحترمها ونقدُر لها فضلها ونسعى فيه لتقبل الآخر فمن كان منهم ذا يد تبني فنحن معه ومن كان ذا يد تهدم فنحن جميعا ضده.
ثاني عشرها: ليس هناك قانون يمنع المنتقبة من التقدم لشغل منصب إداري وليس هناك نص في الدستور يميز فئة عن فئة، وليس جميلا أن يقع مثل ذلك التمييز على أساس المظهر الخارجي في مصر وإذا كانت لديكم تعليمات على عكس ما ذكرت فلم لم توضحوها؟ ولم نكصتم عن وضع ضوابط ملزمة لشغل المناصب القيادية؟
وأخيرا، لم رجعتم بمصر إلى هذه الدرجة؟ وهل أصبحت صفحات فيس بوك هي الضابط الإداري في مصر؟، وهل أصبحت ميول الأشخاص هي الحاكم بأمره في دنيا الثقافة؟، وهل تختلف وزارة الثقافة عن غيرها من هيئات مصر ووزاراتها؟، وهل انتهينا من كافة قضايا الثقافة لننشغل أخيرًا بنقاب موظفة في قصر ناءٍ؟
وأوجه قولي أخيرًا، لقيادات وزارة الثقافة التي قزمت صفحات السوشيال ميديا دورهم، فوجهتهم أنى تشاء، ألم يلفت انتباهكم ملف قصر ثقافة كوم حمادة المتوقف على اعتماد الوزيرة منذ أن تولت لتوقع على قرار التخصيص وإسناد الإنشاء للإدارة الهندسية أو لغيرها؟
ألا تحزنون لوضع بيوت ثقافة شبراخيت وإيتاي البارود والدلنجات وكفر الدوار ذاتها؟، ألم يلفت انتباهكم خلو مراكز عدة في محافظتنا الغراء حتى من بيت ثقافة مثل حوش عيسى وأبو حمص وغيرهما؟
يقيني أن المطالبة بذلك كله، لن يحدث البروباجندا الإعلامية التي سيحدثها النقاب.