الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة ستار

المخرج العراقي مهند حيال في حواره لـ"البوابة": السينما العربية تعاملت مع شخصية الجهادي بمنظور هوليوودي وسطحي.. وفخور بريادة الموجة الإخراجية الجديدة

المخرج مهند حيال
المخرج مهند حيال ومحرر البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس من السهل جذب الجمهور العراقى نحو دور العرض السينمائى في وقت تشهد فيه البلاد أزمات سياسية واقتصادية متصاعدة، يجد فيها المواطن نفسه مجبرا أمام تأمين احتياجاته الأساسية اليومية، وغض الطرف عن كل شيء يتعلق بالترفيه الشخصي. السينما العراقية التى تعتبر واحدة من أقدم السينمات في العالم، حيث افتتحت دور العرض أبوابها في البلاد للمرة الأولى عام 1909 بعرض فيلم «سينماتوغراف»، شهدت العديد من الأزمات طوال تاريخها، منها المعاناة الواسعة في التسعينيات بسبب الحصار الاقتصادي، والذى جعل من صناعة فيلم سينمائي شيئًا مستحيلًا، بسبب صعوبة استيراد الخام، بالإضافة إلى ارتباطها بالحكومات المتعاقبة في الكثير من الفترات، ما جعلها تأخذ شكلًا دعائيًا، وصولًا إلى مرحلة ما بعد الغزو الأمريكى للعراق والذى خلق سينما مهادنة بدون أنياب.
ولكن مع بداية العقد الثانى من الألفية الثالثة وقيام ثورات الربيع العربى بعدد من دول المنطقة ازداد الوعى بأهمية السينما لدى العديد من صناع السينما العراقية الشباب الذين حملوا على عاتقهم هم نقل المعاناة التى يعيشها المجتمع بشكل واقعي، وظهر المخرج الشاب مهند حيال كواحد من أوائل مخرجى الموجة العراقية الجديدة، حيث امتاز بالجرأة في طرح مواضيعه بأدوات ورؤية استثنائية من خلال فيلمه الجديد «شارع حيفا»، الفائز بجائزة مهرجان بوسان السينمائى الدولى في كوريا الجنوبية، والفائز مؤخرًا بجائزة أفضل فيلم عربى بمسابقة آفاق السينما العربية ضمن فعاليات الدورة الـ41 لمهرجان القاهرة السينمائى الدولي. «البوابة» التقت المخرج العراقى الشاب، وأجرت معه هذا الحوار.



■ لماذا اخترت سرد قصة «شارع حيفا» من خلال شخصية «قناص» كان يستهدف المدنيين من سطح إحدى البنايات السكنية؟ 
- لسبب بسيط جدا، وهو أن شارع حيفا اشتهر بوجود القناصين فوق أسطح المبانى السكنية خلال الأحداث الطائفية التى شهدتها العراق عام ٢٠٠٦، أما على الجانب السينمائى ففضلت أن أروى القصة من منظور فوقي، الفكرة الأساسية للفيلم ليست قائمة على استهداف المدنيين وإنما فكرة المراقبة، فلو لاحظنا الإطار العام للعمل سنراه قائما على فكرة مراقبة الشخصيات، وهو ما تم التأسيس له منذ اللحظة الأولى للفيلم. هذا بالإضافة إلى حركة وأماكن زوايا الكاميرا التى تقوم أيضا على فكرة اصطياد الأشياء.
في الأخير، قصة فيلم «شارع حيفا» لا تدور حول شخصية القناص، إنما هو غطاء لتلك الصراعات النفسية التى تعانى منها الشخصيات.
■ ماذا عن ظهور القرآن الكريم في خلفية عدد من مشاهد الفيلم؟ وهل تخوفت من انتقادات المشاهدين؟
- من الممكن أننى تخوفت من طرح هذه الفكرة، لكنك تعرف أننا هنا في الوطن العربى دائما ما نعيش في صراعات، يكون القرآن (الدين) حاضرا فيها، لذلك حرصت أن أظهر للناس أن الصراع ليس دينيا كما يظن الكثيرون، وإنما هو غطاء لكل ما يصير داخل الواقع العراقي، فهؤلاء عصابة مجرمة، ليس لهم علاقة بالدين. مجتمعنا العربى هتك قدسية الدين، فالكثير منا يسمع صوت القرآن ويظل يمارس بعض الأشياء الخاطئة التى هى في الأساس ضد الدين ومع الوقت تشعر أن هذا طبيعي، وهذا بالطبع غير صحيح. شخصيات الفيلم تستخدم الدين كرياء وغطاء لتصرفاتهم الشاذة كالقتل وممارسة الجنس بطريقة غير شرعية. أنا لم أظهرها بلحى وجلباب على الطريقة الأفغانية، وعمدت إلى إظهارهم بالشكل الطبيعي، فهم في الأخير أشخاص يعيشون بيننا، من الممكن أن يتحول جارك أو أخوك إلى شخص أصولي، فلماذا نصبغ عليهم هذه الشخصية الجهادية كما تم تصديرها لنا في أفلام هوليوود بطريقة سطحية.
ولكن موضوع الفيلم في الأساس اجتماعي وليس دينيا، فعندما يتحول الدين لهوية يصير شيئا قاتلا، يصبح أيدلوجيا تقتصر على مجموعة معينة، الدين علاقة خاصة بين الخالق وعبده وليس أن تحمل السلاح وتقتل باسمه الأبرياء. فالشخص الأصولى دائما ما يريد هوية فرعية تملأ الفراغ الوجودى الموجود داخله، وعندما يملأ هذا الفراغ الوجودى بالدين يتحول الأخير إلى أداة، ترتكب باسمه العديد من الجرائم والمحرمات مثل الغش والقسم الكاذب والقتل.
■ هل شكل تصوير الفيلم في أماكن حقيقية تحديا كبيرا بالنسبة إليك؟ وهل كان هناك أى تحديات إنتاجية؟ وهل لمهرجان القاهرة السينمائى دور في دعم الفيلم؟ 
- بالطبع ساهم مهرجان القاهرة السينمائى في دعم المشروع منذ البداية من خلال منصته الإنتاجية «كايرو فيلم كونكشن». 
وفيما يخص أماكن التصوير، كان «شارع حيفا» إبان فترة ٢٠٠٦ واحدا من الأماكن التى يصعب الوصول والدخول إليها إلا بطرق صعبة وملتوية، ولكن حاليا هو واحد من أكثر الشوارع ازدحاما في بغداد، فلكى تتمكن من إعادة الشارع كما كان عليه في السابق كان هذا التحدى الأصعب خلال عملية الإنتاج، خاصة في ظل عدم توافر الميزانية الكافية لتمويل الفيلم، لذلك تمكنا من التحايل على الأمر بطريقة أو أخرى، وذلك بهدف إقناع المشاهد بتصوير الفيلم في مسرح الأحداث الحقيقي، وهو اتجاه جديد نما مؤخرًا لدى صناع السينما العراقية لإضفاء نوع من المصداقية والواقعية.
أما فيما يتعلق بكتابة السيناريو، فقد تم الانتهاء منه خلال الفترة ما بين سنتين إلى ٣ سنوات، كما استغرقت عملية التصوير نحو عام كامل لأننا قمنا بالتصوير على مراحل بسبب تعثر التمويل. 
■ بعد حصد جائزة مهرجان بوسان السينمائي، إلى أى مدى تقبل الجمهور الفيلم خاصة مع اختلاف الثقافات بيننا وبين دول شرق آسيا؟ 
هذه الجائزة كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لي، كونها قادمة من واحد من أكبر وأعرق المهرجانات السينمائية الأسيوية، هذا بالإضافة إلى أن هذا الفيلم هو المشروع السينمائى الأول لي، فكان الأمر بمثابة دفعة إنتاجية ومعنوية كبيرة نحو مشروعى المقبل. ورغم الاختلاف الثقافى الكبير بيننا وبين جمهور كوريا الجنوبية، فإنهم تلقوا الفكرة بطريقة أكثر من رائعة، كما خضنا نقاشات مهمة عقب عرض الفيلم.
■ برأيك أين تقف السينما العراقية هذه الفترة، وهل يشكل مهند حيال موجة جديدة للسينما العراقية؟ 
- السينما كانت دائما على علاقة وثيقة بالدولة والحكومات المتعاقبة، لذلك فأغلب الأعمال التى كان يتم إنتاجها كانت لأغراض دعائية، أما المحاولات الفردية المختلفة فدائما ما كان يكتب لها الفشل على الأغلب، هذا بالإضافة إلى تأثير الحصار الاقتصادى على العراق في التسعينيات وندرة وجود الخام لتصوير الأفلام التى كان من الصعب استيرادها لأنها كانت تدرج تحت بند مواد كيميائية، لذلك توقفت السينما بشكل كامل، وتوقفت دور العرض وأصبح الهم الأكبر للمواطن العراقى هو كيفية تأمين احتياجاته الأساسية بعيدا عن الترفيه.
بعد الغزو الأمريكى للعراق عادت السينما مرة أخرى ولكنها كانت مهادنة بدون أنياب، ظلت تسرد قصصا عن صدام حسين بصفته ديكتاتورا، ولكننا في الواقع أردنا أن نرى أفلاما تحكى عن المجتمع الذى أفرز لنا هذا الديكتاتور، وتتحدث عن الجوع وسوء التعليم والتهجير الجماعى للمثقفين وتريف المدينة، هذه الموضوعات هى التى أنتظرها من السينما العراقية، فالأجيال التى ظهرت عقب عام ٢٠١٠ غير مهادنة وتحكى الأشياء بطريقة واقعية. مهند حيال في الأساس هو واحد من مخرجى الموجة العراقية الجديدة، ومن الممكن أن أذكر أنه أول من قاد هذه الموجة وهذا مصدر فخر بالنسبة لي، وأتوقع أن تشهد الأعوام المقبلة إنتاجا سينمائيا زاخرا من مخرجين عراقيين واعدين.