السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

صالح علماني.. رحيل سفير الأدب اللاتيني

المترجم الفلسطيني
المترجم الفلسطيني الكبير صالح علماني
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رحل عن عالمنا صباح اليوم الثلاثاء المترجم الفلسطيني الكبير صالح علماني، والذي انتهج لعقود طويلة في أعقاب إنهاء دراسته الجامعية ترجمة الآداب المكتوبة بالإسبانية عمومًا وأدب أمريكا اللاتينية بشكل خاص، ويعود الفضل إليه في ترجمة عشرات الروايات التي شكّلت ما يسمى بـ"موجة الواقعية السحرية".
قبل ذلك، كان المترجم البارع طفلًا لعائلة منكوبة هربت من جحيم الصهاينة بفعل القذائف والرصاص إلى الشمال حيث مدينة حمص السورية، وهناك في بهو مدرسة قديمة، وفي الثاني من شهر فبراير لعام 1949 أنجبت زوجة اللاجئ الأميّ المدعو "عمر علماني" مولودًا أطلقوا عليه اسم "صالح" الذي كان والده الراحل حكاءً بارعًا، وحسبما قال عن نشأته "ونحن أطفال كنا نتشاجر مع أطفال أقرباء أو جيران لنا عندما يذهب للسهر لديهم، نتشاجر أيضًا أين سيسهر أبي في ليالي الشتاء، لأن الجميع لا يريد أن يفقد متعة الجلوس إليه والاستماع إلى قصصه وحكاياته وأحاديثه، وهو مجرد فلاح أميّ، تعلم كتابة اسمه وعمره 87 سنة، كان عنده 87 سنة عندما بدأ يكتب اسمه "عمر" وكان غاية في السعادة، لكنه حكّاء وراوية مذهل بالفطرة، ممكن يكون لهذا تأثير على حبي للغة وإدراك إمكانيات التعبير أكثر، ممكن إضافة إلى القراءات المبكرة، وولعي الشديد بالقراءة".
وبعد إكمال الدراسة الثانوية يترك صالح الشاب حي الحجر الأسود -ذي الامتداد غير الطبيعي لمخيم اليرموك- إلى العاصمة الإسبانية مدريد لدراسة الطب، عندها وقعت حرب أكتوبر 73 التي تسببت في انقطاع تمويل دراستهِ بالأموال القليلة التي يرسلها الأهل، فيضطر إلى العمل في الميناء ليوفر تكاليف دراسة تخصصه الجديد "الأدب الإسباني" ليعود بشهادة "أدب إسباني" إلى سوريا.
ويحكي علماني عن نفسه تلك الفترة قائلًا "في عام 1970، غادرت إلى برشلونة لدراسة الطب ثم تركته لدراسة الصحافة؛ لكنني صمدت سنة واحدة فقط، عملت بعدئذ في الميناء واختلطت بعالم القاع كأي متشرد، وبينما كنت أتسكع في أحد مقاهي برشلونة ذات مساء، قابلت صديقًا كان يحمل كتابًا نصحني بقراءته، كانت الطبعة الأولى من "مائة عام من العزلة" لجابرييل جارسيا ماركيز؛ وعندما بدأت قراءتها، أصبت بصدمة. لغة عجائبية شدتني بعنف إلى صفحاتها، وقررت أن أترجمها إلى العربية، وبالفعل ترجمت فصلين ثم أهملتها".
وأضاف علماني "عندما عدت إلى دمشق نسيت الرواية في غمرة انشغالاتي، لكن ماركيز ظل يشدني، فترجمت قصصًا قصيرة له، ونشرتها في الصحف المحلية؛ ثم ترجمت "ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" عام 1979، ولفت الكتاب انتباه الناقد حسام الخطيب، فكتب أن شابًا فلسطينيًا يترجم أدبًا مجهولًا لقراء العربية"، وهي الملاحظة التي قادت علماني إلى امتهان حرفة الترجمة "قلت لنفسي: أن تكون مترجمًا مهمًا أفضل من أن تكون روائيًا سيئًا؛ هكذا مزقت مخطوط روايتي الأولى من دون ندم وانخرطت في ترجمة روايات الآخرين"؛ ومع الانخراط في هذا العمل؛ كان في ذلك الحين الشاعر الفلسطيني محمود درويش يتابع عمله كمحرر في مجلة "شئون فلسطينية"، ووقعت تحت يديه نسخة لأشعار "رافئيل البيرتي" بتوقيع المترجم صالح علماني، وأدهشت الترجمة درويش الذي قام على الفور يطلب من الشاعر أحمد دحبور أن يخبره بنية المجلة نشر بعض من هذه الأشعار المترجمة وقال درويش بعدها بإعجاب"هذا الرجل ثروة وطنية ينبغي تأميمها".
ترجم علماني بجهد يبلغ العشرة ساعات يوميًا عشرات الكتب باللغة الإسبانية في الرواية، الشعر، مختارات شعرية، مسرحيات، روايات للأطفال، روايات وثائقية، قصص قصيرة، دراسات، دراسات نقدية مثل نيرودا لأبيرتو كوستي، مقالات، مذكرات، وصولًا إلى كتب تراثية وكلاسيكية مثل الديكاميرون لبوكاشيو، البوبول فو -كتاب المجلس- الكتاب المقدس لقبائل الكيتشي بحضارة المايا، وحتى ورشات السيناريو "نزوة القص المباركة، كيف تحكي حكاية، وكتب تاريخ مثل "تاريخ الحضارات القديمة ما قبل الكولومبية"، لاوريت سيجورنه، وكذلك أدب الرحلات ككتاب "الرحلة من سيلان إلى دمشق" لأدولفو ريفادنييرا؛ ووصلت أعماله إلى ما يزيد عن مائة عمل عن الإسبانية، محصلة جهوده الدؤوبة خلال أكثر من ثلاثين عامًا في ترجمة أدب أمريكا اللاتينية، والأدب الإسباني عمومًا.