الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حرب الأطفال ومستقبل الإعلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعانى هذا الجيل من ويلات التعامل مع الإعلام. ليس لأزمة يدركها فيها، وإن كان الكثيرون منهم يرون بعض الأزمات فيه، ولكن لمجرد معايشة حالات التحول السريعة المتواترة التى لم ترحمهم، ولم تمهلهم وقتًا يلتقطون فيه أنفاسهم ويتعلمون كيف يكونون أصدقاء للتطورات التى سبقتها. ما إن حاول هذا الجيل التأقلم على ثورة الأقمار الصناعية، ودخول عالم القنوات الفضائية المفتوح الأبواب، حتى صدمه الإنترنت، وتلقته إمكانيات الهواتف الذكية، وهو يحاول جاهدًا أن يجعل من هذه الاختراعات ضيوفًا مرغوبًا بها فى حياته، وليس أن يكون هو ضيفًا على حياتها. لكن الذى حدث للكثيرين هو أنه وجد نفسه ضيفًا على تطورات مختلفة، يتحرك أنى تحركت، ويبرمج حياته حسب دورة حياتها، ويهديها الكثير من عناصر حياته كالوقت والمال والاهتمام وربما يعطيها أكثر كخصوصيته الشديدة. 
اكتشف الإنسان، بعد فترة ليست بالقصيرة بالنسبة لسرعة تواتر الاكتشافات الاتصالية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أنه بدأ يؤسس لمؤسسة إعلامية خاصة به، جمع أدواتها عبر عدد محدود من السنوات، وأنه عبر اتصاله بمجموعات من البشر بطرق مميزة، تطورت من مجرد متصل عبر وسائل محدودة إلى ناقل لمضمون إعلامى متعدد الوسائط، تحول لإعلامى لم يدرس الإعلام وإنما مارسه. ظهرت هنا مشكلة كبيرة، وجدت صعوبة فى علاجها. وقف المختصون فى مجالات كعلوم الاجتماع والنفس والإعلام على محاولة تنظيم الأمر فى حركته وممارسته، مع نشر توعية تتناسب مع ممارسة الأفراد كل هذه الأدوات الضخمة التأثير البسيطة الاستخدام دون الوصول لما يضرهم أو يضر من حولهم، وجدوا أنفسهم أمام ظاهرة تشبه محاولة تعليم الكتابة لشخص تحدث لغة أجنبية ما، خلافًا للغته الآن، لمدة كبيرة حتى صار مسنًا، وعليه الآن أن يتعلم كيف يكتبها ويطبق قواعدها النحوية. لن يستجيب الجميع، وحتى من يستجيبون ستظل قدراتهم محدودة فى تعلم شيء بعد وقت طويل من ممارسته دون تعلم. لذا لا يسيء الجميع استخدام التكنولوجيا الحديثة فى التواصل والاتصال، إلا أن هناك ممارسات خاطئة أكثر مما يجب أن يكون، وأكثر مما يمكن تحمله فى كثير من الأحيان، إذ إن الوحدة التى نعمل عليها هنا هى الفكرة، والفكرة لا يوجد من هو أكثر منها انطلاقًا وحرية، ولا أقوى من ضررها تأثيرًا لو اتخذت مسارًا مضرًا. 
أدى كل ذلك بالعلماء للتوجه للأطفال. لا يتوقف العالم عن التطور والتقدم فى الحركة أبدًا، إن هذا التطور جعل البشر فى أحد الأبحاث لا يندهشون لو تحدث الجدار إليهم دون سابق إنذار أو برمجة، وهذا التطور لن يتوقف، لأن من سبقونا لم يتخيلوا حجم التطور. حين أطلق عالم الاجتماع والاتصال مارشال ماكلوهان مقولته المشهورة: «سيصبح العالم قرية صغيرة» كان يتنبأ بأمر ظن أنه غريب، وظن العلماء الذين وجدوا مؤشراته فى تطور منظومات الاتصال العالمية أنه أمر مدهش. أصبح هذا الأمر الآن حين تحقق بعيدًا عن أى اندهاش، وعاديًا بالنسبة لسكان القرية العالمية الصغيرة. لذا رأى العلماء أن الأطفال يجب أن يتم تأسيسهم منذ سن صغيرة على التعامل مع عالم اتصالى لا يتوقف عن التطور على نحو قد يفوق التوقعات فى بعض الأحيان، شرط ألا يفقدوا إنسانيتهم ويتحولوا لآلات تنضم لأدوات النظام الاتصالي.
بدأت المؤسسات التعليمية والتربوية فى تصميم عدد من المشروعات التى تهدف لإعداد «مواطن صحفي» منذ الطفولة. يشير مصطلح «المواطن الصحفي» إلى المواطن العادى الذى ينتج مضمونًا إعلاميًا عامة، سواء كان صحفيًا أو غير صحفي، وتناولته العديد من الدراسات الإعلامية فى محاولة لتحديد مفهومه وأنشطته والظواهر المرتبطة به. تعد تجربة بعض المدارس الأردنية التى قدمت مشروعًا فى هيئة مقرر دراسى لطلبة الصفين الأول والثانى فى المرحلة الابتدائية، أسمته مقرر «المواطن الصحفي». يهدف هذا المقرر لتدريب الطفل فى سن مبكرة على استخدام كل الأدوات الاتصالية المتاحة له عبر أدوات الاتصال الذكية المتاحة له، والبرامج والتطبيقات الذكية المتاحة عليها. توقع واضعو هذا المقرر أن الطفل سيصل بعد الانتهاء من دراسته إلى أن يكون شخصًا يعرف كيف ينتج كل أشكال المضمون الاتصالى عبر مواقع الاتصال الاجتماعي، وتطبيقات الهواتف الذكية التى يستخدمها مسبقًا، لأن أول أساليب حماية شخص ما من خطر يواجهه هو أن يعلم كيف تتم حياكة هذا الخطر، وكيف ينتجه هو شخصيًا، ومن ثم يعلم مكامن الشر والخير فيه. إنهم وضعوا هذا المقرر على طريقة تشبه تمامًا مصل التطعيم ضد مرض ما، يحتوى المصل عادة على بعض الميكروبات المسببة للمرض نفسه، حتى لا يستقبلها الجسم. أصبحت تلك المعرفة ضرورية فى سن مبكرة تتناسب مع السن التى يستهدف فيها الأطفال فى بعض الأحيان من ناحية، ومن ناحية أخرى مع تفتح قدرة هؤلاء الأطفال على ممارسة الاتصال بشكل يتناسب مع التعامل مع وسائط الإعلام الجديدة. 
إن الأطفال هم أساس المستقبل، وحين يأتى المستقبل يأتى على أكفهم الناعمة التى تصنعه دون أن تقصد، حين يعوونه ويتعاملون معه بما يحقق لهم هم حياة أفضل، تصبح الحياة أفضل.
اكتشف الإنسان، بعد فترة ليست بالقصيرة بالنسبة لسرعة تواتر الاكتشافات الاتصالية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أنه بدأ يؤسس لمؤسسة إعلامية خاصة به، جمع أدواتها عبر عدد محدود من السنوات، وأنه عبر اتصاله بمجموعات من البشر بطرق مميزة، تطورت من مجرد متصل عبر وسائل محدودة إلى ناقل لمضمون إعلامى متعدد الوسائط