الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

فلاش باك.. 1967.. مصر تنتصر على أمريكا في معركة دبلوماسية

جمال عبد الناصر
جمال عبد الناصر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
اتجهت القيادة المصرية بعد هزيمة يونيو ١٩٦٧، للتحرك في مسارين متزامنين، أولهما تغيير صورة العرب لدى الرأى العام العالمى الذى يرى أن الدول العربية ترغب في محو إسرائيل، حيث نجحت الدعاية الصهيونية المغرضة في رسم تلك الصورة المغلوطة.
والمسار الثانى هو كسب الوقت لإعادة بناء القوة العسكرية المصرية للاستعداد لتحرير الأرض؛ ولتنفيذ المسارين سافر محمود رياض وزير الخارجية المصرى آنذاك، في سبتمبر ١٩٦٧ إلى نيويورك لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعرض القضية العربية ومحاولة استصدار قرار ضد إسرائيل.
ويقول «رياض» في مذكراته المعنونة بـ«البحث عن السلام والصراع في الشرق الأوسط» بأنه حدد أربع نقاط لكسب الوقت وتغيير صورة العرب أمام العالم تتلخص في أن «مصر لا تملك بعد القوة العسكرية التى تمكنها من صد هجوم إسرائيلى جديد، وبالتالى فإن علينا أن نكسب الوقت للانتهاء من المرحلة الأولى من بناء قواتنا المسلحة، وتأكيد استعدادانا لقبول الحل السلمى العادل وذلك للقضاء على الفكرة التى نجحت إسرائيل في الترويج لها وهى أننا لا نرغب في السلام، وتعرية موقف إسرائيل وإرغامها على إعلان رفضها للقرار مما يساعدنا على كسب الرأى العام العالمي، والاستجابة للاتحاد السوفيتى بضرورة إعطاء كل الفرص الممكنة للحل السلمي، وفى حالة فشل الحل السلمى سيكون الاتحاد السوفيتى أكثر استعدادًا لتزويدنا بالسلاح، وأخيرًا إعطاء فرصة للولايات المتحدة لتخفيف تحيزها السافر لإسرائيل».
ويصف «رياض» الأجواء في نيويورك حينما وصل هناك قائلا «كانت مدينة نيويورك دائما معبأة بالتحامل الشديد على العرب، نظرا للنفوذ الصهيونى بها، ولكنى وجدتها هذه المرة مشحونة بالكراهية لكل ما هو عربى وقد شوهت فيها الحقائق وقلبت رأسًا على عقب، فإسرائيل المعتدية والمحتلة لأراضى ثلاث دول عربية، هى التى تتمتع بالتأييد والتعاطف بينما العرب المُعتدى عليهم هم الوحوش الكاسرة التى تستحق العقاب، لقد كان المرء يشعر بمرارة حقيقية من تحامل وسائل الإعلام فيها، ضد الحد الأدنى من الحقيقة الذى يتمثل في أن إسرائيل هى التى بدأت العدوان وجاهرت بسياساتها التوسعية وانها تضطهد الشعب الفلسطينى الذى يعيش تحت إرهاب الاحتلال العسكرى الإسرائيلي».
ولم يكن استصدار قرار ضد إسرائيل بالأمر اليسير، حيث تكشف كواليس الوصول لذلك القرار جهود مصر ودورها في إجبار أمريكا على الموافقة عليه، في أوج تأييدها لإسرائيل الطرف الأقوى في معادلة الشرق الأوسط آنذاك. 
وجرت معركة دبلوماسية بين محمود رياض وزير الخارجية، وآرثر جولدبرج المندوب الأمريكى لدى الأمم المتحدة، حيث يقول رياض إنه «لم تكن هناك صعوبة في الاتفاق على ضرورة الانسحاب الشامل للقوات الإسرائيلية المعتدية إلى مواقع ٤ يونيو، ولكن المشكلة كلها كانت مع آرثر جولدبرج ممثل الولايات المتحدة».
في هذه الأثناء كان جولدبرج اقترح على رياض نصًا لمشروع أمريكى للحل الشامل ولكن وزير الخارجية رفضه لأنه لم ينص على إلزام إسرائيل بالانسحاب كان نصه «إن مجلس الأمن يؤكد أن تحقيق المبادئ السابقة من الميثاق يتطلب تحقيق حالة من السلام العادل والدائم في الشرق الأوسط، تشمل انسحاب قوات مسلحة من أراض محتلة»، وكان تعليق رياض على ذلك النص أنه «بعد هذا الغموض المتعمد في النص الخاص والذى لم ترد فيه إشارة إلى إسرائيل، نجد أن المشروع الأمريكى ينص في مقابل ذلك على التزامات محددة وقاطعة على الجانب العربى من بينها، إنهاء حالة الحرب والاعتراف بحدود إسرائيل وضمان حرية الملاحة في الممرات الدولية بالمنطقة».
وجرت تلك المناقشات بين رياض وجولدبرج خلال أكتوبر ١٩٦٧ وهو الشهر الذى أنجزت فيه البحرية المصرية عملية إيلات وكان رد إسرائيل وحشيًا بقصف المدنيين في السويس، وانعكس ذلك على أروقة مجلس الأمن فازداد التأييد للموقف العربى أمام أمريكا وإسرائيل.
وفى نوفمبر من عام ١٩٦٧ قدمت بريطانيا مشروعًا لمجلس الأمن، كان الخلاف فيه بين رياض ومندوب بريطانيا آنذاك اللورد كارادون، حول ورود كلمة «أراض» وليست «الأراضي» حيث تشكك وزير الخارجية المصرى من أنه ربما تكون هناك خُدعة، ولكن «كارادون» أكد أن القرار يلزم إسرائيل على الانسحاب من كل الأراضى التى احتلتها في ٥ يونيو ١٩٦٧، وأرسل رياض نص المشروع البريطانى إلى «عبدالناصر» ليرد الأخير بالموافقة.
وحددت جلسة في مثل هذا اليوم ٢٢ نوفمبر ١٩٦٧ لمناقشة القرار رقم ٢٤٢، الذى حصل على إجماع الأصوات ودوت القاعة بالتصفيق، بعد معركة دبلوماسية طويلة خاضها وزير الخارجية محمود رياض، ضد المراوغات الأمريكية الداعمة لإسرائيل.
ونص القرار ٢٤٢ على سحب القوات المسلحة من أراض «الأراضي» التى احتلتها إسرائيل في النزاع الأخير، وإنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضى كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسى وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد وأعمال القوة.
بالإضافة إلى احترام سيادة دول المنطقة على أراضيها، وحرية الملاحة في الممرات الدولية، وحل مشكلة اللاجئين، وإنشاء مناطق منزوعة السلاح، إقرار مبادئ سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.