الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

خيارات وبدائل أوروبا لمواجهة التهديد التركي بعودة الدواعش

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
باتت قضية دواعش أوروبا، من أبرز القضايا الشائكة التي تؤرق جميع الدول الأوروبية، وتضعها في مواجهة مع إشكاليات التعامل مع هذا الملف الحساس، خاصة بعد تنفيذ تركيا تهديدها بإطلاق سراح محتجزي "تنظيم داعش". حيث أرسلت تركيا الأسبوع الماضي نحو 12 من أعضاء "داعش" السابقين وأقارب لهم إلى بريطانيا والدنمارك وألمانيا والولايات المتحدة، وقال إردوغان، إن "خلفهم مباشرة يقف مئات آخرون".
وقامت تركيا مؤخراً بترحيل تسعة من الجنسيات الألمانية تقول إنهم ينتمون لـ"داعش"، وما زال في عهدة تركيا ما يقارب العشرين ألمانياً، تقول إنهم "دواعش"، وتنوي كذلك إعادتهم خلال الأيام المقبلة، ولا يمكن لألمانيا اعتقال هؤلاء لدى عودتهم لأنها لا تملك أدلة على تورط معظمهم بعمليات إرهابية، وقد أنشأت الداخلية الألمانية وحدة جديدة خاصة بالعائدين، في محاولة لنزع التطرف عنهم، وإعادة دمجهم في المجتمع، خاصة فيما يتعلق بالأطفال.
الآن تقف دول أوروبية غربية في مواجهة مشكلة لطالما سعت لتجنبها، وهي كيفية التعامل مع العودة المحتملة لأوروبيين متطرفين، تمرس معظمهم في ميادين القتال، إلى دول لا ترغب في عودتهم على الإطلاق. وفي مواجهة معارضة شعبية قوية لترحيل مثل هؤلاء المحتجزين إلى بلدانهم الأوروبية والخوف من التهديدات طويلة الأمد، التي قد يشكلونها على هذه الدول، سعى قادة أوروبيون لإيجاد بدائل لمحاكمتهم، في محكمة دولية على أرض عراقية أو أي مكان آخر، لكن ليس داخل القارة الأوروبية.
مسئولية قرار ترامب:
تأتي هذه المشكلة المفاجئة أمام أوروبا بمثابة واحدة من التداعيات طويلة الأمد لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المندفع بسحب القوات الأمريكية من شمال سوريا، ما مهد الطريق أمام تركيا للسيطرة على المنطقة، وكذلك الكثير من أعضاء "داعش" الذين كانوا محتجزين داخل سجون أو مراكز احتجاز يديرها أكراد.
وتزداد المشكلة تعقيداً بالنظر إلى حقيقة أن ثلثي المحتجزين المنتمين لغرب أوروبا، أو نحو 700 من الأطفال الذين خسر الكثيرون منهم أحد أبويهم، إن لم يكن كلا الأبوين. الآن وفي ظل وجود المزيد من مقاتلي "داعش" السابقين في أيد تركية، لم يتردد أردوغان في استغلال التهديد بإعادتهم لبلدانهم كوسيلة ضغط على دول أوروبية وجهت انتقادات لاذعة للهجوم الذي شنه داخل الأراضي السورية، والتي هددت بفرض عقوبات ضد تركيا بسبب تنقيبها غير القانوني في شرق البحر المتوسط خارج سواحل قبرص.
وتحول مصير مقاتلي داعش إلى نقطة خلاف جديدة بين تركيا وأوروبا، التي تدفع بالفعل للحكومة التركية مليارات الدولارات لوقف تدفق طالب اللجوء السياسي إليها من الصراعات المشتعلة في العراق وسوريا وأفغانستان.
مما يُذكر أن تركيا ترعى على أراضيها نحو 3 ملايين لاجئ من الصراع السوري، ولذلك تحاول أنقرة تخفيف الحمل عن كاهلها، وفي ظل نفوذها العسكري داخل سوريا، تبدو الدول الأوروبية عرضة للتضرر من تقلبات السياسة التركية أكثر عن أي وقت مضى.
وتبقى المخاطر التي تواجه أوروبا كبيرة ومعقدة، خاصة بعدما أشارت دراسات غربية إلى أن ما يزيد على ألف و100 مواطن من دول في غرب أوروبا من المعتقد أنهم محتجزون في شمال سوريا في منطقة كانت تخضع من قبل لـ"داعش".
خيارات أوروبا لمواجهة تركيا:
وفقاً لمراقبين، فإن هذه الخطوة التركية بإقدامها على تنفيذ تهديداتها وإرسال عدد من أعضاء داعش إلى بعض الدول الأوروبية، تثير العديد من علامات الاستفهام والتساؤلات، هل تخطط تركيا بالفعل لإعادة جميع المقاتلين الأجانب لأوروبا؟ أم أنه تهديد لأوروبا لاستخلاص مزيد من التنازلات منها، وخاصة ما يتعلق بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي؟
وقد طرحت عودة أعضاء "داعش" إلى الأراضي الأوروبية تحديات محتملة ومطالب متنازعة بعضها أمني والبعض الآخر يتعلق بالحريات المدنية أمام الأنظمة القضائية الأوروبية التي تحاول تحديد ما إذا كان يتعين عليها احتجاز العائدين وبناء قضايا عن جرائم محتملة وقعت على بعد مئات الأميال داخل ميادين القتال السورية.
تملك أوروبا عدة خيارات وبدائل للتعامل مع التهديد التركي بدواعش أوروبا أولها: دعم أوروبا لمشروع المنطقة الآمنة، الذي تخطط له أنقرة في الشمال السوري، مثلمل فعلت المجر ويمكن أن تفعل دول أخرى في الاتحاد الأوروبي.
ثمة مصلحة أوروبية في إقامة منطقة آمنة يعود إليها اللاجئون في الشمال السوري، ولكن الأوروبيين يريدون أن يعرفوا كيف يمكن إنجاز هذا الأمر بما يضمن توقف ابتزاز أردوغان لهم، وتوقفه عن استغلال اللاجئين، وهناك حالة من اللاثقة تراكمت بين أنقرة وبروكسل خلال السنوات الخمس الماضية، وقد تصاعد التوتر بين الطرفين حتى وضعت العلاقة بينهما على المحك مرات عدة، ولكن التسوية السلمية للخلافات ستبقى هي الخيار الأفضل لكليهما في ظل التحالفات الاستراتيجية الراهنة في العالم.
ثاني الخيارات والبدائل الأوروبية للتعامل مع التهديد التركي بدواعش أوروبا، منح أوروبا المزيد من المال والمساعدات للاجئين السوريين في تركيا، من أجل شراء صمت الرئيس التركي وتأجيله ترحيل الدواعش الأوروبيين.
ثالث الخيارات، دعوة فرنسا وبريطانيا وألمانيا لعقد قمة أوروبية تركية في لندن أوائل ديسمبر المقبل وذلك على هامش اجتماعات حلف شمال الأطلسي، لمناقشة قضية الدواعش الأوربيين، خاصة أن القمة ستعقد وقد بات لدى الأوروبيين خبرة كافية في التعامل مع الرئيس التركي، الذي ألفوه منذ عام 2016 عندما أبرموا معه اتفاقية لضبط تدفق اللاجئين إليهم مقابل عدة مليارات من الدولارات، وحتى موعد تلك القمة المرتقبة، لن يتوقف الرئيس التركي عن التهديد والابتزاز، ولن ينفذ من تهديداته إلا جزءاً يسيراً يقنع الرأي العام الغربي لأن البريطانيين والألمان وغيرهم قرروا مسبقا إعادة نساء وأطفال الدواعش من مواطنيهم، وحصروا المفاوضات مع تركيا في الإرهابيين من الرجال.
يبقى القول إن الحوار بات الوسيلة المناسبة لتجنب أوروبا مزيد من تهديدات تركيا، فقد أثبتت تطورات الأحداث السياسية، أن الأوروبيين لم ينجحوا في استصدار قرار أممي يدين العدوان التركي على الشمال السوري، ولم يفلحوا أيضاً في إقرار عقوبات قاسية على أنقرة للغرض نفس، في الجهة الأخرى، تدرك أنقرة أنها من دون الأوروبيين لن تستطيع إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا، فلن تدفع واشنطن أموالاً من أجل إعادة الإعمار في تلك المنطقة، ولا تمتلك تركيا القدرات المالية اللازمة لذلك، بالتالي بات من الأفضل للأوروبيين والأتراك البحث عن تسوية للخلافات التي نشأت بينهما مؤخرا.