الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

زوجة الفنان أحمد فؤاد سليم تكشف لـ"البوابة نيوز" مشاهد في حياة الفنان: قصر "عائشة فهمي" كان من أهم الأماكن عنده

زوجة الفنان أحمد
زوجة الفنان أحمد فؤاد خلال حوارها لـ"البوابة نيوز"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بينما انشغل الزوار بإلقاء نظرة خاطفة على لوحات معرض الفنان التشكيلي أحمد فؤاد سليم الاستيعادي، المُقام بقصر عائشة فهمي، جلست سيدة في إحدى زوايا ساحة القصر الفسيحة، بدا وكأنها لا تُلقى بالًا لكل ما يدور بجانبها، كانت تنظر بشغف طفولى وفرحة ربما لفتاة في العشرين. 


كانت لوحات المعرض الـ80، ما يُشبه شاشة سينما، تحكى قصة حب وفن دارت أحداثها قبل أكثر من نصف قرن، بطلاها: الفنان التشكيلى أحمد فؤاد سليم، وعازفة البيانو السيدة مارسيل ماتا. ما بين الفرحة والحماس التى غلبت السيدة مارسيل وهى تستقبل زائرى معرض زوجها الذى رحل قبل 10 سنوات، كانت تُدارى مسحة حزن، ربما سببها فراق زوجها. 
التقت «البوابة»، بالسيدة مارسيل ماتا في معرض «سليم» المستمر حتى يوم 18 من شهر نوفمبر الجاري، احتفالًا بذكرى رحيله العاشرة. 

تحكى «مارسيل» عن البدايات الأولى حول أول لقاء جمعها بالفنان الراحل، قائلة: «قصتنا بدأت بالتحديد سنة 1963، فبعد حصولى على منحة لتعلّم الموسيقى في إيطاليا، ثم عدت إلى مصر، وقتئذ كنت أتمرن على البيانو مع زميلى عازف التشيللو ناجى الحبشي، في المركز الثقافى السوفيتي؛ وأثناء تحضيرنا لإحدى الحفلات التى تُقام داخل المركز، طل علينا شاب ظريف، حاملًا بوكيه ورد، كان صديق المدير الفنى للمركز الثقافى السوفيتى وهو مؤلف موسيقى كبير اسمه «عزيز الشوان»، وكان مسئولا بالمركز الثقافى السوفيتى من الناحية الفنية والثقافية فكان صديقًا لأحمد، وكان قد أحضر الورد بمناسبة عيد ميلاد «عزيز الشوان» فبدلا من أن يُعطى الورد لعزيز الشوان أعطاه لي، ومن هنا ابتدأت الحكاية بالورد».

وفى تتابع لمشهد تعارفهم، أضافت «مارسيل»: «بعدما انتهينا من التمرين عزمنى «سليم» على أحد المشروبات وبدأت القصة والموضوع تطور، في البداية لم أكن أعلم هل سنتزوج أم لا، فهو فنان تشكيلى وأنا موسيقية، وبالفنون كنا نقترب لبعض، وأنا كنت أحب الفنون التشكيلية عندما كنت في إيطاليا، فكنت أزور كل المعارض الجميلة، وهو كان يحب الموسيقى ويحضر في الأوبرا ويسمع كتير فهذا السبب في قربنا لبعض»، وفى إعجاب شديد وحزن على فراق الراحل تابعت: «ده اللى عمل في المستقبل الوحدة الفنية وبعد ما اتجوزنا كانت وحدة في الدين أيضًا لأنه مسلم وأنا مسيحية فكانت وحدة جميلة من الناحيتين».
ومع مرور شريط الذكريات أمام أعينها، تذكرت بداية تجهيزاتهم للارتباط قائلة: «بدأنا «على مهلنا خالص»، في الأول لم نكن نحصل على أموال كثيرة، ولكن بالتدريج فعلنا ذلك، فهو كان موظفا وأنا أستاذة في الأكاديمية في سنة 60 كنت أستاذة في الكونسرفتوار، وكان «أحمد» موظفا حتى عمل في مكان جيد جدًا كمستشار ثقافى في المركز الثقافى التشيكي، وفى هذا الوقت كانت المراكز الثقافية التشيكية والسوفيتية لديها نشاط كبير، فطلبوه يعمل معهم كمدير مصرى ومستشار ثقافى، وذلك كان جميلا للغاية».

«بعد أن بدأ للعمل في المركز التشيكى كان مرتبه جيدًا فاستطعنا أن نكوّن أنفسنا ونتزوج»، هكذا جاءت خطوة زواجهم، ثم واصلت: «بالطبع لم يكن سهلًا علينا اختلاف الديانات رغم عدم تعصُبنا، وما حدث أن والدتى كانت مريضة وكانت في الأيام الأخيرة من حياتها وستُفارقنا»، وعن أسرتها: «رغم أن خالتى كانت راهبة إلا أنها ذهبت لأمى تقول لها «أنت لازم تباركى لهم»، فوافقت والدتى وأحمد ذهب معى إلى منزلنا في مصر الجديدة ومعه ورد جميل وباركتنا، وبعد ذلك بعام تزوجنا ونظمنا الفرح في المركز الثقافى التشيكي»، وفى سعادة كبيرة لتذكرها هذه اللحظات أضافت: «المدير حينها كان «جوزيف أورين» وصمم أننا ننظم الحفل بالمركز»، وفى وصفها للمركز: «كان المكان كبيرا جدا، كان به معارض فنية ومسرح وبيانو جميل كنت أعزف عليه، فأقمت حفلات في المركز بمفردى ومع عازفين من الأوركسترا السيمفونية وتشيكوزلوفاج، كما حضر الفرح مجموعة من عازفى الأوركسترا وعزفوا لى موسيقاهم في الاحتفال بالفرح».

وعن الصعوبات التى واجهوها: «كل شوية طبعًا كان في صعوبات»، وفى ابتسامة بتذكر الماضي: «لكن الحياة كانت جميلة، لا أستطيع تذكر الصعوبات كلها، أريد أن أتذكر الحلو، والوحش كان في النهاية فقط عندما توفى أحمد، فكنت أتمنى لو عاش أكثر من ذلك؛ «حياتنا كانت جميلة عشان كلها فن»، فعلمت ابنتنا أميرة البيانو لكنها فضلت الغناء وكانت تغنى أوبرا في فرقة الأوبرا بالقاهرة، وحاليًا هى تعيش في باريس مع زوجها المصري، ولكنها تأتى لمصر بين الحين والآخر، ولكن إذا تعمقنا في الصعوبات يمكن ذكر أن اللوحات كانت لا تُباع بسهولة».
وفى سردها لحياة الفنان «سليم» العملية: «لم أسأله قط حول ما باعه من لوحات ولمن أو سعر البيع أو أين، لدرجة أننى لا أعلم أى شيء حول أول لوحة باعها»، ثم تذكرت الجوائز التى حصل عليها: «حصل «سليم» على جوائز مهمة وكنت معه في بينالى إسكندرية عندما حصل على الجائزة الأولى، كما حصل على الجائزة الأولى في بينالى القاهرة في الثمانينيات على ما أتذكر، كما حصل على جوائز أخرى كثيرة كنا سُعداء وهو يحصل عليها». 
وعن لوحاته الفنية: «لدينا حاليًا لوحات جميلة جدًا للفنان، تقريبا كلها معروضة حاليًا هنا في قصر عائشة فهمي، بالإضافة إلى بعض الأعمال الأخرى في الاستوديو الخاص به، ولكن المعروضة هنا هى أفضل اللوحات»، ثم تابعت في وجع: «كل ما لوحة تُباع وتروح بزعل وأشعر أنها جزء مننا وبيروح».
وفى سردها لحياتهم الشخصية: «نحن عائلة فنية أنا أستاذة موسيقى، وابنتى مغنية أوبرا، وأحمد فنان تشكيلي، فكان دائمًا جو فنى في البيت»، ثم تذكرت آخر مقطوعة موسيقية عزفتها خلال حياة الفنان أحمد فؤاد سليم: «كانت قبل يومين من دخول «أحمد» المستشفى، عزفت مقطوعة لمؤلف فرنساوى اسمه ديبوسي، فقالى «آه يا مارسيل، ايه الجمال ده، حلو أوى اللى بتعزفيه»، وكان يقولها بطريقة لم أنسها، فكان صوته حلوا وسعيدا ومستمتعا بما أعزفه، فكان يُحب الموسيقى الكلاسيكية ويسمع كثيرًا لعبدالوهاب في الأستوديو وهو يرسم، كما كان يحب موسيقى بيتهوفن فكان يحب ويتأثر بالموسيقى جدًا».

وحول أكثر الفترات ازدهارًا ونجاحًا في حياة «سليم»، قالت زوجته: «أكثر الفترات التى شعر فيها بالنجاح كانت خلال الزواج، وخلال سفرياته بالخارج للمشاركة في المعارض في فرنسا وأماكن كثيرة»، وواصلت عن أماكن عمله: «أهم حاجة لديه كان المكان الذى نتحدث به حاليًا «مجمع الفنون» لأنه ظل به أكثر من 25 سنة، وهو بالفعل من اهتم به، لأنه تابع لوزارة الثقافة، وفى السبعينيات تحول إلى جاليري، ومنذ ذلك الوقت كان أول مدير لهذا المكان حتى سنة 2000 حيث تم غلقه للتجديد، وبعدها ذهب إلى متحف الفن الحديث في الأوبرا»، وعن ذكرياتهم مع قصر عائشة فهمي: «هنا كنت أعتبرها فيلتى والفنانون يأتون إلى هنا في الاجتماعات، وأصحابه فكان جوا جميلا جدا؛ فقد جدد بأشياء كثيرة جدًا، فعلى سبيل المثال الجاليرى الموجود بالأسفل في الجنينة كان مكاتب حولها لجاليري، وجراج الجنينة حوله جاليرى تماثيل، وفى أوضة بجانب الجراج كانت للأمن، حولها جاليرى أيضًا، فأى شيء يجده يحوله جاليري، فكانت توجد معارض عديدة نحو 4 أو 5 معارض معا، وكان في بيانو كبير حيث نظم الكثير من الحفلات الموسيقية للعازفين والمُغنيين وموسيقى عربية كمان وعازفى قانون وكل الآلات».
وعن إنجازاته الفنية أشادت مارسيل به قائلة: «كان أول مؤسس لبينالى القاهرة، كما اهتم بتنظيم معارض عديدة للشباب، لم يكن مدرسًا للشباب في الجامعات ولكنه أثر فيهم جدًا من خلال المعارض هنا، فكلما يرى فنانًا موهوبا وناجحا، كان يسمح له بفرصة لعرض لوحاته ويشجعهم، فهو كان متطورا يُحب كل ما هو جديد».
ثم أضافت أستاذة البيانو حول المعرض الاستيعادى للفنان: «أنا سعيدة أن وزارة الثقافة فكرت في تنظيم معرض كبير هنا، واللوحات معروضة بشكل جميل جدًا، جلبت هنا بعض اللوحات التى أحتفظ بها في المنزل، ولكنى شاهدتها بشكل مُختلف حيث الإضاءة الممتازة، ومكانها في قصر جميل وليس منزلا فأنا سعيدة بذلك لأن الأعمال واضحة أكثر هنا». 

وعن حياة مارسيل الفنية: «بالنسبة لى حياتى كلها كانت موسيقى، أقدم أستاذة بيانو في الكونسرفتوار، فبدأت فيه منذ بدأ في مطلع الستينيات، واهتم بى العميد والمؤسس أبوبكر خيرت، وفى وقت وزير الثقافة ثروت عكاشة كانت هناك نهضة ثقافية فكل ذلك بُنى على وقتهم، فأنا بدأت في الكونسرفتوار ثم عزفت كثيرًا مع الأوركسترا السيمفونية، فكنت من أوائل المصريين في الأوبرا القديمة قبل أن تحترق، وبعدها استكملت الحفلات في مسرح الجمهورية وقاعة سيد درويش». 
وفى حياتها بعد فراق أحمد فؤاد سليم: حاليًا أعزف مقطوعات صغيرة وقليلة لأنى لا أستطيع ترك البيانو لأن به كل حياتي، وبعد وفاة أحمد ما يجعلنى على قيد الحياة هو عملى بالموسيقى وحبى لها وتلامذتى المؤثرون في حياتى بشكل جميل، وفى هدوء قالت: «فبدون الموسيقى كان زمانى مت». 
وعن دور الفنان في حياتها: «كان يشجعنى كثيرا جدًا، منذ بداية تعارفنا كان دائمًا ما يقول: «أنا هعمل منك عازفة بيانو كبيرة أوى وأنا أضحك»، فكان يتواصل مع الجرائد وكتبوا عنى كثيرًا جدًا في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، فكانت علاقاته كبيرة مع الجرائد وكانوا ينشرون صورا وكلاما ما زلت مُحتفظة به في منزلنا، وقالت مُندفعة: «كان يُشجعنى أوى أوي»، فهو من علمني، فأنا من مواليد مصر الجديدة وهو مجتمع منغلق، فقد أخرجنى منه للمجتمع الذى لم أعتد عليه».
وعن أحمد فؤاد سليم الأب، تابعت مارسيل: «تأخرنا 8 سنين لا نُنجب وعايشين للفن، «فصعب عليّ وقلت مش هحرمه من الأبناء»، وبعد أن حملت قال: «لو جبتى ولد أنا مش هربيه»، وقال «عايز بنت»، وجاءت ابنتنا حلوة وموهوبة، فكانت حياة جميلة رغم مرور بعض الصعاب فكانت يوم عسل ويوم بصل، على عكس الشباب في هذه الأيام ينفصلون سريعًا لا يواجهون صعوباتهم، فلا بد أن الشخص يحتمل لأن في أشياء جميلة تستحق ذلك، فعشنا مع بعض نحو 46 سنة خطوبة وجواز الحمد لله يا رب».