الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«شهد أحمد فراشة» ترسم ألمها لتهزمه

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يعلم الكثيرون، أن مشروع ورشة جدو محمد، هو مشروع الفرح للأطفال، المرضى بأمراض ثقيلة، وقاسية، يحاربون فيها الألم، وينتصرون عليه، بابتسامتهم، وعزيمتهم الصلبة، وأملهم في الغد.
أثناء عمل الورشة منذ يومين، التقيت عددا من الأطفال، من أعمار مختلفة، وكان عنوان الورشة هو «كراسة وعلبة ألوان» كان الهدف، هو قضاء بعض الوقت في الرسم والتلوين، لكسر روتين وجودهم بالغرفة، واكتشاف بعض الموهوبين أيضا إن وجدوا. وهو أمل كبير تسعى إليه الورشة لتتبنى مع فنانين آخرين، هؤلاء الأطفال، وترعى موهبتهم، وتقوم بعمل معارض للوحاتهم وتسليط الضوء عليهم وهو في صميم بروتوكول عملها. جاء بعض الأطفال من مراحل عمرية مختلفة وبهمة وفرح فتحوا علب الألوان والكراسات وبدأ كل منهم في العمل. رسم أحمد الصغير ولدا وبنتا وقام بتلوينهما. ورسم إياد شمسًا صغيرة لها وجه طفولى مبتسم، في وسط الصفحة، وقام برسم أشعة جبارة، في طرف الصفحة، لون الصغيرة بالأصفر والأشعة الجبارة لونها باللون البرتقالى وقال لى هنا الشمس في الصباح وهنا وهى حارة عند الظهيرة. وقامت حبيبة باستكمال رسم الفلاحات اللواتى يحملن مشنات خبز على رؤوسهن. كانت قد رسمتهن في غرفتها قبل حضورها. ثم فاجأتنى برسم صورة للأهرامات والشمس المشرقة عليها. ثم رسمت بعدها قلبا كبيرا، ولونته بألوان عَلَمِنا، وكتبت بداخله تحيا مصر. 
كانت أمهات الأطفال، تشاركنا العمل مبتسمات. منهن من تقوم ببرى الأقلام، ومنهن من تتحايل، ليأكل طفلها شيئا، أثناء التلوين، ومنهن من تقمن بالتصوير. كانت غرفة الألعاب يلفها المرح وطاقة سحرية محببة إلى أن فاجأتنى واحدة من الحضور أنها رأت كراسة رسم رائعة لفتاة على وشك مغادرة المستشفى، فقلت لها أريد أن أقابلها. وقابلتها بالفعل. زهرة من زهور الحياة، في ربيع العمر، تفتح عيونها للشمس، وتغنى أغنية العزيمة والتحدي.اسمها شهد أحمد طالبة بالصف الثالث الثانوى وتعيش في الفيوم. رقيقة كابتسامة، وهادئة كمياه النيل التى تترقرق دونما صخب، رأيت كراساتها فأدهشنى ما بها فقلت لها هل تريدين دخول كلية الفنون الجميلة فقالت لى لا. أريد دخول كلية الصيدلة. كانت خطوط شهد تنطق بالحرفية، والموهبة الصادقة، وكأنها ولدت، لتكون فنانة تشكيلية من الطراز الأول، لأن لوحاتها لا تعتمد فقط على الخطوط، وإنما على الفكرة أيضا والمعنى والعمق. رسمت شهد في دفترها الصغير عددًا من البورتريهات واحد منها لجدتها وواحد يشبهها كان ملونا باللون الأزرق والبرتقالي. أذكر صورة رائعة تشبه الفنانة فيروز جدا. هذا إلى جانب العديد من الصور الصغيرة المحببة لفتيات يمشين في الشارع بجوار بعضهن في جو من المرح. وفتاتان تمضيان معا تحت مظلتين تبتعدان ولا نرى وجهيهما لأنها رسمتهما من الخلف نراهما من الظهر، لكننا نستطيع أن نخمن ثرثرة، وحديثا طويلا ودافئا بينهما. كما رسمت حزمة من البالونات في يد فتاة خلفها أرنب صغير تشبه أليس في بلاد العجائب، قررت أن تحرر بالونة فتركتها تطير. رسمت فتيات جميلات منمقات الشعر بشكل لافت وكأنها كانت تلمس كل ضفيرة فرسمتها بمشط وليس بقلمها الرصاص ورسمت أطفالًا، والأهم من ذلك كله من وجهة نظرى هو توظيف الفن في معركتها، ومواجهة محنة المرض لا بالعلاج فقط. وإنما بالفن الذى طوعته لتعبر عن معاناتها وأملها الكبير في الغد المشرق إن شاء الله رسمت شهد وجه طفلة تبكى لكن دموعها كانت شريطا ملونا بألوان الطيف المتراصة وكأنها تخرج من منشور زجاجى لتقول لنا خرجت من دمعة كسرت الضوء لتريكم جمال ألوانه. كما رسمت كفها المغروس فيه الكانيولا، التى تتصل بجهاز المحاليل البلاستيكى الشفاف، أثناء تلقيها للعلاج الكيماوى الذى عبرت عنه بقلوب صغيرة كحبات الرمان وكأنها تقول لنا إنها تغير الواقع بإرادتها وتتلقى المحنة بمحبة وبأمل كبيرين. والأكثر جمالا بل وروعة هى اللوحة التى رسمت فيها فتاة لها أجنجة ملونة. استخدمت شهد أماكن غزر الخياطة والخيط الطبى الذى يغلق الجرح بمنظور رقيق وملىء بالأمل والطموح للتحلق في الحياة بحرية وجمال ورقة فرسمت أجنجة فراشة مزركشة بالأوان في دلالة رائعة. إن أعمال شهد أحمد التى ستوليها الورشة المزيد من الرعاية والعناية وتحتفل معها إن شاء الله بالشفاء هى وغيرها من الأطفال خير دليل على أهمية الفن في رفع المعاناة ودوره كمعين في العلاج لأنه يعزز الصمود من خلال التعبير عن الذات، وهو ما قرأته في مقال كتبه شيرلى رايلى بعنوان «العلاج بالفن مع المراهقين» التى تتحدث فيه عن فائدة العلاج بالفن وكيف يفعل العلاج بالفن عن طريق الحديث التقليدى، يمكن أن يساعد في الواقع المراهقون ليثقوا بالمعالجين بشكل أكثر ويكونوا أكثر انفتاحا ومعبرة. تناقش أيضا كيف يجد المراهقون راحة في التعبير عن أنفسهم مع الصور أو الرسومات أكثر من التحدث عن مشاعرهم. كنت سعيدة بما رأيته ولذا شاركتكم التجربة، لسببين أولهما هو القناعة بدور الفن في العلاج وتربية الأمل، وثانيهما هو تشجيع شهد ابنتنا الفنانة الجميلة والمقاتلة العنيدة والفراشة التى ستخرج من أسر التجربة وتحلق عاليا فنانة، وصيدلانية ناجحة ونموذجا يحتذى.