الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

وسائل تواصل أم تفسخ اجتماعي؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في بدايات الألفية الثالثة في مصر، حين بدأ انتشار مواقع الإنترنت التى يطلق عليها «مواقع التواصل الاجتماعي»، اعتقدنا أنها ستكون حقا وسيلة لتواصلنا مع الآخرين، وأنها ستزيد أواصر الصلة بين الأهل والمعارف والأصدقاء، وستعيد صلتنا بمن فقدنا التواصل معهم.. ولكن اتضح مع مرور الأيام أن هذا الاسم على غير مسمى!!..وأن تواصلنا الحقيقى حل محله تواصل مزعوم، أضاع صلة الرحم والتماسك المجتمعى، ونال أيضا من الأسرة الواحدة!.. فلا ندخل مكانا، إلا ونجد أغلب من فيه يمسكون بتليفوناتهم المحمولة، غير عابئين بمن حولهم! ونرى الأصدقاء في الأماكن العامة، لا يتشاركون سوى في المجلس فقط، وكل منهم في عالمه الخاص!.. حتى بعض من يقودون السيارات نجدهم منشغلين عن الطريق بسبب الموبايل!.. وفى الأسرة نفس الشيء، أصبح الجميع باختلاف أعمارهم منشغلين بواقعهم الافتراضى عن الواقع الحقيقى!..لنكتشف أن تأثير التكنولوجيا على مجتمعاتنا أتت دائما على غير ما تقتضى.. فبعد أن كانت الناس تتبادل الزيارات في المناسبات وغيرها، أصبحوا يكتفون بالتواصل عبر المكالمات التليفونية، وبعد ظهور الموبايلات والإنترنت، استبدل الناس التهانى الصوتية برسائل جاهزة ونمطية وعقيمة، يتبادلها الجميع بلا مشاعر أو صلة وتواصل حقيقيين!..إلى جانب ما أحدثته تلك الوسائل من ارتفاع في نسب الخيانة والطلاق، نتيجة للاستغلال السيئ للخصوصية، ومحاولة البعض التسلية والترفيه عن أنفسهم بإقامة صداقات وعلاقات، يسهل اكتشافها في الغالب، من خلال نظم المراقبة والكشف عن الخصوصية التى أصبحت متاحة لمن أراد!.. وخاصة أن الخصوصية التى توفرها تلك المواقع لمستخدميها غير حقيقية، وتجعلنا جميعا كالكتاب المفتوح أمام أجهزة المخابرات العالمية، وغيرها من مؤسسات أو أشخاص لديهم القدرة على اختراق حسابات الآخرين على مستوى العالم، وبالتالى فنحن أصبحنا مخترقين ولا نتمتع بأى خصوصية أو سرية، طالما نحمل تلك الوسائل الحديثة التى تسجل تحركاتنا وتنقل بياناتنا ومعلوماتنا دون إذن أو تصريح!.. ولا شك أن المتضرر الأول هو الطفل الذى يتأثر سلبيا في كل الأحوال، سواء بالتفكك الأسرى، أو بانشغال الأب والأم والإخوة بتلك الوسائل، أو بالأضرار المباشرة صحيا ونفسيا، حيث أصبح الكثير من الآباء والأمهات يوفرون لأطفالهم موبايلات في سن صغيرة جدا، حتى يلهوهم ويشغلوهم عنهم، وهو ما يترتب عليه أضرار صحية جسيمة على الكثير من أجهزة الجسم، إلى جانب الأضرار النفسية، نتيجة تعرضهم لمحتويات غير مناسبة لأعمارهم دون رقابة، وعدم منحهم الاهتمام والاحتواء الكافى في هذه السن الذى تتكون فيه الشخصية!.. أما على مستوى الوعي، فقد أصبح وعيا مزيفا تقوده جماعات وأفراد لا يعلم انتماءاتهم إلا الله!! وما بين شائعات ومعلومات مشوهة وصور مزيفة يضيع الوعى الحقيقي، ويحل محله وعى زائف، الجهل أفضل منه!.. حتى لغة «الترند» وأرقام المشاهدات والمشاركات تعتمد على التزييف، فهناك بعض الأشخاص المتخصصين الذين يقومون بالإعجاب والمشاركة والتعليق مقابل مبالغ مالية، وعلى قدر المبلغ المدفوع يكون الانتشار!.. لذلك نفاجأ أحيانا بظهور أغنية أو مقطع فيديو حاز على إعجاب الملايين بمجرد ظهوره، وقبل أن يسمع عنه أحد!..أما أسوأ ما كشفته وسائل التواصل في الأغلبية العظمى، فهو قدر الديكتاتورية التى يتمتعون بها، والتعصب الأعمى، وعدم احترام الرأى الآخر أو حتى قبوله!! فرغم أن المفترض أن تكون تلك المواقع وسيلة لتبادل الأفكار والآراء، ومن ثم احترامها.. أصبح كل من امتلك لوحة مفاتيح وكأنه يحتكر الحقيقة وحده!.. فلا يحترم إلا من يتفق معه، وما دون ذلك يقابل بالتسفيه والتحقير والتخوين، أو «البلوك» أى الطرد من الصفحة ومن رحمة صاحبها!!.. ونجد من يتحدثون عن مناخ الحرية وقمع الآراء، وهم أنفسهم أول من يقمعون من يعارضونهم!.. فالمشكلة دائما فينا كمواطنين، قبل أن تكون في الحكومات، فالحكومة ما هى إلا أفراد من الشعب، تتشكل منه وتؤمن بما يؤمن به.. لذلك إذا أردنا مناخا يسود فيه احترام الحرية، فعلينا أن نعالج أنفسنا، ونتعلم كيفية قبول الآخر والتعايش بسلام رغم الاختلاف أو الخلاف.. وعلى القائمين على وسائل الإعلام التقليدية، القيام بدورهم في نشر الوعى الحقيقى، وتقديم محتوى جيد، يعيد استقطاب الجمهور من تلك الوسائل، التى أدت إلى التفسخ الاجتماعي.. فرغم أن الكثير من خبراء الإعلام وغيره، أكدوا عزوف الشباب والأطفال، وكثير من شرائح المجتمع، عن وسائل الإعلام التقليدية التى حلت محلها الوسائل الإلكترونية، إلا أننا شاهدنا كيف التف الأطفال والشباب وجميع أفراد الأسرة، حول قنوات التليفزيون، لمشاهدة فيلم «الممر» الذى عرض بمناسبة احتفالاتنا بذكرى نصر أكتوبر، رغم أنه فيلم وطني لا يعتمد على الإثارة.. وبعيدا عن تقييم الفيلم الذى وجد قدرا كبيرا من الدعاية، ورغم أنه ليس الأفضل بين أفلامنا الوطنية، ولكنه أظهر مدى التعطش لهذه النوعية من الأعمال الفنية، وأثبت أن النوعية الجيدة من الإنتاج يمكن أن تعيد المشاهدين بكافة أعمارهم إلى الوسائل التقليدية، ولكن إذا قدمت محتوى غير تقليدى يحترم عقل المشاهد وذوقه ووعيه..ونتمنى أن يستغل خبراؤنا وعلماؤنا مواقع التواصل، لتشريح المجتمع، ودراسة سماته وسلوكه، لتوصيف مشكلاتنا وعلاجها، فلن نعرف الدواء إلا إذا وضعنا أيدينا على الداء.. بدلا من أن نظل كالدمى التى تحركها دول ومؤسسات وجماعات، تعكف على دراستنا، حتى يخاطبونا بما يلائمنا، فيزيدون عوامل ضعفنا، ويضعفون عوامل قوتنا، ويحركون مجتمعاتنا كيفما شاءوا ووقتما شاءوا!