الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

الدكتور جرجس بشرى يكشف خطورة التحدث باسم الله والمسيحية على «فيسبوك»

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يحذر البابا تواضروس الثاني، بصورة مستمرة من السوشيال ميديا، ومواقع التواصل الاجتماعي، خلال عظاته، وقال قداسته مؤخرا إن لها نوايا خبيثة، حيث انتشرت العديد من الصفحات المسيحية التى تهاجم الآباء وتناقش العقيدة وتذكى العداوة.
وفى هذا السياق، نشرت مجلة مدارس الأحد، دراسة مهمة على عدة حلقات بعنوان «المتحدث الرسمى باسم الله»، حلل خلالها الدكتور جرجس بشرى عقل ووعى ونفسية من يتخذون «فيس بوك» كوسيلة للتحدث باسم الله وامتلاك الحقيقة المطلقة وحدهم.
مصادر محدودة 
يقول دكتور جرجس بشرى الباحث فى مركز الدراسات البردية والنقوش بجامعة عين شمس، ومركز باناريون للتراث الآبائي، منذ سنوات قليلة، كانت المصادر التى يستقى منها المسيحى معلوماته محدودة جدًا، سواء كانت معلومات تخص الدراسات المسيحية مثل الكتاب المقدس، والطقس، والعقيدة، وباقى الدراسات اللاهوتية، أو المعلومات التى تخص الشأن القبطى أو المسيحي، مثل نياحة أحد الآباء الأساقفة، رسامة أساقفة جدد، تأسيس أديرة أو كنائس جديدة، العلاقات المسكونية، اعتداء على المسيحيين أو ممتلكاتهم، بل كان الشعب القبطى ينظر بحرارة صدور العدد الأسبوعى من جريدة «وطني»، أو مجلة الكرازة ليتابع رأى الكنيسة فى قضية ما، أو معرفة الجديد على الساحة الكنسية. 
وقد كانت وحدة مصدر المعلومات، خاصةً المصادر الموثوق فيها، تُشكل وحدة الرأى والتوَّجُه المسيحى فى مصر، وحتى لو كانت المعلومات خاطئة، فمن الصعب أن تجد مصدرا آخر غير المصادر التقليدية يقوم بتصحيحها.
أما الآن فالوضع اختلف تمامًا، فقد أصبح لدينا صعوبة شديدة فى متابعة موضوع ما من خلال كل مصادر المعلومات المتاحة، مثل القنوات الفضائية، المسيحية منها والقبطية، والمواقع المسيحية والقبطية على شبكة الإنترنت، وتوجد مواقع لا تكتفى فقط بنقل المعلومات من خلال الكتابة، ولكن أيضًا من خلال التصوير الحى بالفيديو، مثل موقع اليوتيوب وغيره، بل وأصبحنا كل يوم نسمع بوجود الجديد من المواقع والبرامج الجديد، التى تتبارى فيما بينها لتقديم خدمات أفضل بإمكانيات أعلى، ونضيف للقائمة وسائل وبرامج التواصل الاجتماعى مثل الواتس آب، وتويتر، ولكن يأتى فى مقدمتها جميعًا من جهة عدد المستخدمين، وعامل التأثير فيس بوك، فقد أتاح ليس فقط انتشار المعلومات، ولكن أيضًا إمكانية التعبير عن الرأى الشخصي، فكل شخص يستطيع أن يقول ما يريد أن يقوله، ليصل هذا إلى كل أنحاء العالم، دون أن يمنعه أو يعاقبه أحد على نشر رأيه الشخصي.
فيس بوك كنسيًا
يقول الدكتور جرجس، أما من جهة فيس بوك، فلن نتحدث هنا عن المزايا والعيوب، ولكن من جهة طريقة استخدامه فى المجال الكنسى المسيحي، فقد يستخدمه البعض لنشر بعض نصوص الكتاب المقدس وأقوال الآباء والمعلومات الطقسية والأخبار التى تخص الشأن الكنسي، والإعلان عن الكتب واللقاءات والمؤتمرات. كما يستخدمه البعض الآخر فى الهجوم على المسيحية، وهذا أيضًا ليس موضوعنا هنا.
ولكن ما نريد أن نتحدث عنه هو استخدام فيس بوك كوسيلة للصراع والاتهامات بين أبناء الكنيسة حول بعض النقاط اللاهوتية التى يختلفون عليها، أو حتى حول الأشخاص أو المدارس الفكرية التى ينتمون إليها. وقد خرج هذا الجدل والصراع عن الحدود والأخلاقيات اللائقة بالمسيحيين والمسيحية، ولذا آثرنا أن نناقش هذا الموضوع من خلال ثلاثة عناصر أساسية، هي: التوصيف، والخسائر، والحلول. وفى محتوى هذا النقاش، لا أضع فى ذهنى مجموعة معينة، أو أشخاصًا بعينهم وأكتب عنهم، ولكننى أقصد جميع من خرج عن إطار اللياقة المسيحية فى مناقشة الأمور اللاهوتية على وسائل التواصل الاجتماعي، ولن أكتب كناصحٍ لأحد ولكن كمجرد رأى شخصى قد تختلف معى فيهِ أو تتفق.
باسم الله 
فى البداية يعرف د. جرجس الثيوقراطية، هو نظام فى الحكم يتكون من مقطعين فى اللغة اليونانية، هما: ثيؤُس أى «الله»، وكراتية أى «حكم أو سلطة». وبذلك يكون مصطلح «ثيوكراتية» يعنى الذين يحكمون باسم الله، أو كنواب عن الله، ويُعد أخطر شيء فى هذا النوع من السلطة أو الحكم، هو إنك لا تستطيع أن تعارض الشخص الثيوقراطي، ولا أن تناقشه، أو حتى تختلف معه، لماذا؟ لأن ما يقوله، يعتقد أنه يأتى إليه من الله، فالشخص الموجود فى السلطة لا يتحدث من تلقاء ذاته، وإنما بما يمليه عليه الله، هكذا يظن ويعتقد، ولذلك فأنت عندما تختلف معه، أنت لا تختلف معه شخصيًا، ولكن أنت تختلف مع الله ذاته، وهو سيقوم بواجبه كوكيل لله، أو كنائب عن الله على الأرض أن يفرض عليك أقسى عقوبة حفاظًا على الذات الإلهية التى يرى فى مخيلته أن مهمته الأساسية فى الحياة أن يحميها.
ويضيف، مثل هذا الشخص الثيوقراطى عندما يتحدث على فيس بوك، هو لا يقبل أن تنتقده؛ لأنه لا يجب أن تنتقد كلام الله الذى أرسله على بوستاته وتعليقاته، وعندما ينتقد أحد أو يهاجمه، فهو لا يقبل أبدًا أى دفاع عنه، أو تبرير لما فعله، لأن أى قبول له ولأفعاله هو قبول لأعداء الله الذين لا يستحقون أن يعيشوا على الأرض؛ لأنهم ضد الله وضد المسيح الذين كتب عنهم سفر الرؤيا إنهم يأتون فى آخر الأيام. 
والغريب فى الأمر، أن مثل هؤلاء الثيوقراطيين كانوا يظهرون قديمًا وينتشرون فى أوساط غير المتعلمين، ويستغلون جهل الناس ليتحكموا فيهم باسم الله، ويتحدثوا إليهم كمرسلين بشكل رسمى باسم الله. أمَّا أن تجدهم وسط المتعلمين على فيس بوك يتحكمون فى الناس ويسيطرون على عقولهم، وتجد لهم أتباعًا يصدقونهم، فهذا يدعو للاندهاش. ومثل هؤلاء يقول عنهم الله: «باسمى يتنبأ الأنبياء بالأكاذيب، وأنا لم أرسلهم، ولا أمرتهم، ولا تحدثت إليهم... (إرميا 14: 14)
الأحادية المطلقة
كثير من الأفكار والقضايا اللاهوتية المطروحة على الساحة للنقاش، أو موضع الخلاف، تحتاج لدراسة علمية متأنية، قائمة على المصادر الكتابية والآبائية والليتورجية، فى أصولها الأولى ولغاتها القديمة، كما تحتاج أيضًا لدراسة الأبحاث المعاصرة خاصةً فى اللغات الأجنبية الحديثة، ولا أبالغ إذا قلتُ أن مثل هذه الدراسات قد تحتاج لسنوات من العمل الجاد والبحث المتواصل، ويقوم بها فريق بحثى من المتخصصين، فيما يُعرف فى الوقت الحالى باسم «فريق العمل» أو المشروع البحثى وكأى دراسة علمية يجب أن تتحلى بالموضوعية، واتباع المناهج العلمية فى استخدام المصادر الكتابية والآبائية والليتورجية، ومثل هذه الدراسات تعنى إننى سأتقبل النتائج المبنية على المصادر الأساسية لفكر الكنيسة (الكتاب المقدس - الآباء - الليتورجية أى العبادة)، حتى لو كانت هذه النتائج تختلف مع ما هو سائد سابقًا، أو ما هو أكثر شيوعًا. 
الرأى الآخر
لكن بناءً على مبدأ «الثيوقراطية» السابق؛ فإن الثيوقراطيين لا يقبلون برأى يختلف عن رأيهم، وإذا بحثوا، فستكون أبحاثهم انتقائية، فقط لتثبت الحقيقة المطلقة التى ينادون بها، لأن ما ينادون به هو فكر الله- حسب رأيهم-، وفكر الله لا يتغير.
ولكن فى الواقع فإن بعض الآراء اللاهوتية، وليس العقائد الأساسية، قد اختلف عليها الآباء فيما بينهم، فيمكن أن نعرض هذه الآراء المختلفة، دون أن يكون أحد هذه الآراء هى الحقيقة الواحدة الوحية المطلقة، ربما نكون قد رجعنا لمصادر لم تكون معروفة لدينا، فوصلنا لنتائج مختلفة.
بل إن بعض الآباء حدث تطور فى فكرهم اللاهوتى بناءً على التحديات الفكرية أو الهرطقات التى كانوا يوجهونها أو تطور الخبرة المعرفية لديهم، فذلك يجعلهم يختارون ألفاظًا لاهوتية بعينها دون غيرها، ربما يمتنعون عن استخدام مصطلحات كانوا يستخدمونها، وهذا يجعلنا عندما ندرس فكر أحد الآباء أن ندرس فكره فى السياق التاريخى المعاصر لصدور هذا الفكر، وفى سياق الفكر العام لكل كتاباته. وهذا يجعلنا نقول مرة أخرى، إنه من الصعب أن نسلم بوجود حقيقة مطلقة اتفق عليها الجميع فى كل مكان وزمان، ولا يجب نخالفها.
التصنيف والتحزب
تقول الدراسة، إن إحدى الحيل السياسية التى دخلت الجدال اللاهوتى على ساحة فيس بوك هى التصنيف، أى أن تُصنف شخصًا ما حسب انتمائه، ولماذا نصف الأشخاص؟ ليسهل توجيه الاتهام إليهم. فمن السهل أن تجعل شخصًا ما مُتهمًا عندما تقول عليه: «أنت من أتباع فلان الهرطوقى المغضوب عليه». سواء كان هذا الفلان من هراطقة القرون الأولى، أو من المعاصرين الذين لا يتفقون مع فكر المتحدث الرسمى باسم الله. وربما يكون الخطأ الوحيد الذى قام بفعله الشخص الذى تم تصنيفه، هو إنه قراءة كتاب وأعجبته أفكاره، أو عمل «like» لرأى ما، أو تعدى لما هو أبعد من ذلك بعمل «share». وفى الواقع، عندما يُعجب شخصٌ ما بفكرة لدى أحد الأشخاص، فهذا لا يعنى أنه يؤمن بكل ما يقوله هذا الشخص فى كل مكان وزمان.
بل ربما يجعله هذا التصنيف يتَّجه فعلًا للجهة التى تم تصنيفهُ إليها حتى لو لم يكن هذا موجودًا قبل التصنيف، وكان من الأفضل مناقشة الفكرة بطريقة قد تقود لرأى أكثر صوابًا، ولكسب الأشخاص، بدلًا من أن نخسرهم، ونصدر أحكامًا سريعة وحاسمة دون دليل أو دراسة لما نقول.
تأليه الأشخاص 
كثيرًا ما يكون المتحدث الرسمى تابعًا لشخص ما، أو لفكرة ما، ويكون لديه ثقة عمياء أن كل ما يقوله هذا الشخص، أو ما يُثبت هذه الفكرة، هو صحيحًا، ولكن فى الواقع ليس دائمًا يكون شخصٌ ما على صواب فى كل ما يقول، أو فكرة ما صحيحة من كل الجوانب دون وجود أى استثناءات، ومن يفعل مثل هذا يجعل من الأشخاص أو الأفكار آلهة تُعبد، لا تُخطئ، ولا تُناقش. ونحن نرى أن الرسل والأنبياء أنفسهم كان لهم أخطاء، وكثيرون من القديسين سجَّل التاريخ أخطاءهم بكل صراحة، وكما قال القديس يعقوب الرسول: «لأَنَّنَا فِى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ نَعْثُرُ جَمِيعُنَا. (يع3: 2)».
الثقة المُطلقة 
يقول الدكتور جرجس كثيرًا ما نعتقد أن ما نعرفه، وما اعتدنا أن نسمعه ونقوله هو الصواب، وأى جديد هو الخطأ. ولكن فى الواقع، ليس كل ما هو شائع أو معتاد هو على صواب، وليس كل ما هو جديد هو خطأ. ومثالًا على ذلك، كان بداية الاهتمام باللغة اليونانية القديمة فى عصر النهضة الأوروبية هى اليونانية الكلاسيكية التى كانت مستخدمة قبل المسيحية، وعندما قارنوا اليونانية الكلاسيكية بيونانية العهد الجديد وجدوا اختلافًا كبيرًا بينهما. 
فالبعض رأى أن العهد الجديد مليء بالأخطاء اللغوية، والبعض الآخر اعتقد أن لغة العهد الجديد اليونانية هى لغة مقدسة خاصة بالعهد الجديد فقط، وظل هذا الرأى شائعًا لدى كثيرين لسنوات طويلة حتى تم اكتشاف البردى اليونانى المُعاصر للغة العهد الجديد، فوجدوا أن اللغة الموجودة فى نصوص البردى هى نفس اللغة اليونانية المستخدمة فى العهد الجديد اليوناني، فصَحَّحوا هذا الفكر الذى كان شائعًا لسنوات طويلة، فلم تكن اللغة اليونانية التى كُتب بها العهد الجديد لغة مقدسة أوجدها الله لكتابة العهد الجديد فقط. فقد اكتشفوا أن هذا كان خطأً، فليس كل ما هو شائعًا هو صحيحًا، ولا يجب أن نتمسك بفكرةٍ ما، فقط لأن هذا ما تعلمناه أولًا، أو لأن هذا هو ما تعلمناه ونحن صغار، إن الفكرة الصحيحة داخل العقيدة، هى الفكرة التى اتفق الآباء على صحتها، وتتوافق مع ما جاء فى الكتاب المقدس، وغالبًا ما نجد ما يدعمها فى نصوص الليتورجية.
السطحية
يضيف الدكتور جرجس المعتاد، عندما نقرأ رأى ما على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي، نسرع بالرد من الذاكرة دون تأنى أو دراسة أو قراءة، فربما بعض الأفكار تحتاج دراسة لأيام... ولكن ما اعتدنا أن نفعله هو أن نرد دون بحث أو حتى توثيق لما نقوله، وفى داخل مجال البحث العلمي، فإن كل معلومة تُذكر دون توثيقها بذكر مصدرها، تكون فاقدة لجزء كبير من مصداقيتها، داخل مجال البحث العلمى لا يُذكر شيء دون دليل أو مصدر أو منطق. وقد يؤدى ذكر معلومات دون توثيق إلى التضليل.
العُقد النفسية 
البعض يكتب ويعرض وينقد ويهرطق الآخرين ويهاجم، ليس لأن لديهِ فكرا أو رسالة يريد أن تصل للآخرين، ولكنه فقط يفعل ذلك ليكون موجودًا، ليكون ظاهرًا، ليكون معروفًا، ليكون مشهورًا، ليحصل على مئات الـ «like» والـ «share» ليشعر بذاته، ربما يفعل ذلك ليحاول أن يتغلب على نقص فى داخله.
والبعض قد يقتنع بعد دراسة أو نقاش أنه على خطأ، ولكنه لا يملك الشجاعة أن يتراجع عمَّا قاله، ولا يعترف بخطاه، فكبريائه لا يسمح له بذلك. حتى لو كان رأيه السابق الخاطئ قد أساء إلى آخرين، وأساء إلى الحقيقة ذاتها، وقد يحاول بكل جهده أن يثبت رأيه الذى هو مقتنع تمامًا إنه خطأ. فقط يفعل ذلك لأنه لا يستطيع أن يقول «أنا آسف»، أو «أنا أخطأت»، وهذا يُدخل النقاش اللاهوتى على فيس بوك فى نفق مظلم وطريق مسدود، طالما لن يعترف أحد بخطئه.
وفى الحقيقة؛ فإن الجدال اللاهوتى على الفيس أشبه بحرب، الذى يجادلنى أو يختلف معى هو عدوى الذى يجب محاربته حتى الموت، لا تراجع ولا استسلام، ولا هدنة لأرى ماذا يقول الآخر، فكل ما يقوله خطأ دون أن أقرأ ماذا كتبَ، وحتى قبل أن أقرأ. فكل لاهوتى على فيس بوك يتحدث باسم الله، فلو قال أخطأت أو آسف، كأنه يقول إن الله قد أخطأ، وحاشا لله أن يُخطئ، وبهذه الطريقة لن نجد سوى المزيد من العناد، المزيد التعصب، المزيد من العداء، المزيد من التحدث باسم الله.
مصدر للدخل
قد يرتبط الهجوم لدى البعض على فكرة أو شخص ما بربح مادى أو مكسب معنوي، وهو يتحدث باسم الله؛ لأن هذا وسية مربحة لشخصه، وإذا توقف سيخسر أرباحه، ولذلك فهو يستمر فى الحديث باسم الله كل يحافظ على أرباحه ومكاسبه. ومثل هذا النوع من الأشخاص عندما يبحث ويقدم دلائل وبراهين، فهو لا يبحث عن الحقيقة، ولكنه ينتقى ما يُثبت رأيه، ليظل محتفظًا بأرباحه، سواء المادية أو المعنوية.
لغة الحوار ولغة الله
قديما قالوا لبطرس الرسول: «لغتك تظهرك»، فإن كنَّا نحن حقًا نتحدث باسم الله، فهل لنا لغة الله، لنا الرقى والحب والاحترام والاتضاع والمحب والسلام وربح الآخرين... فى حديثنا. وإن لم تكن هذه هى لغتنا، فكيف نتحدث باسم الله، ونحن ليس لنا لغة الله؟ للأسف فإن ما نستخدمه من وسائل وشتائم لإهانة الآخرين، قد تصل أحيانًا للقتل الأدبي، لا يتفق أبدًا مع الأخلاق المسيحية أو الإنسانية... ولا يتفق مع إرادة ومشيئة الله الذى ندعى إننا نتحدث باسمه.
خارج السياق
يختتم الدكتور جرجس الدراسة قائلا الحديث عن شخص أو فكرة خارج إطارهما أو سياقهما الفكرى أو التاريخى هو تشويه وتزييف للحقائق، وظلم للأشخاص، فليس من العدل أن ندين أحد المعلمين فى العصر الحديث لأنه لم يستخدم كتابًا أو فكرًا آبائيًا ما، لم يكن متاحًا فى عصره، أو لم يكن هذا الكتاب قد اكتشف أو ترجم من اللغات القديمة التى لا يعرفها هذا المعلم، وليس من العدل أن ندين بشدة أوريجينيس فى القرن الثانى الميلادى على أفكار ومصطلحات لم تكن مُستخدمة فى إطار الفكر المسيحى فى عصره، وقد كان هو أول من استخدمها. 
نحن لا نقبل ما لم تقبله الكنيسة الجامعة بعد ذلك ممَّا قاله، ولكننا فى الوقت نفسه ندين له بكثير من التفاسير والدراسات التى أثرت الفكر المسيحي، بل والعالمي. وفى مثل هذا السياق قال أحد الأشخاص ذات مرة على فيس بوك إن القديس يوحنا ذهبى الفم كان معاديًا للسامية، وذلك بسبب نقده لليهود. وفى الواقع فإن مصطلح «معاداة السامية» هو مصطلح حديث ظهر بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة المذابح الجماعية، وحرق اليهود أحياء بواسطة النازيين، أو ما يُعرف باسم «الهولوكوست». ويشير هذا المصطلح لهذه الجريمة كى يمنع حدوثها مرة أخرى، أما نقد القديس يوحنا ذهبى الفم لليهود فقد كان هذا بسبب سوء سلوكهم وتعذيبهم للمسيح، فى إطار زمنى وسياق مختلف تمامًا عن سياق مصطلح «معادة السامية»، ولذلك لا يجب أن نطلق على هذا «معاداة للسامية». وعلى نفس المنوال، فإن كثير من الأفكار اللاهوتية فى مدائح كيهك العربية تعكس فلكلورا مسيحيا شعبيا وقت كتابتها، ولا يمثل لاهوت هذه المدائح الفكر اللاهوتى لكنيسة الإسكندرية القبطية. ونستكمل الحديث فى الحلقات المقبلة عن الخسائر والحلول.