الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

سينوت حنا.. حارب الإنجليز خوفا من الطائفية

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في الظروف التي عاشتها مصر عام 1919 ظهر أقباط مصر بطبعهم الصادق ومعدنهم الصافي، فأيد غالبيتهم العظمى سعد زغلول ووقفوا تحت رايته مناضلين معه، وكان على رأسهم سينوت حنا، ففي الوقت الذي ضم الوفد إلى قيادته مصطفى النحاس والدكتور حافظ عفيفي، ضم أيضا كل من سينوت حنا، وجورج خياط، وواصف غالي.
سينوت حنا الكاتب والسياسي المصري 1874-1930 أحد مؤسسي حزب الوفد، العضو البارز في الوفد المصري الذي توجه إلى باريس في أعقاب ثورة 1919 بزعامة سعد زغلول للمطالبة باستقلال مصر، أحد الآباء المؤسسين لتيار الوطنية المصرية الذين استطاعوا بأفكارهم المستنيرة إخماد محاولات مستمرة من قبل الاحتلال البريطاني للعب بورقة الطائفية وشق صفوف الوطنيين المصريين الذين جعلوا من التحرر الوطني غاية ومقصدا لا يحيدون عنه.
حاسب يا باشا... خرجت الكلمة قوية من لسان سينوت حنا مخاطبًا مصطفى النحاس باشا زعيم الوفد والأمة، كان النحاس مشغولًا بتحية الجماهير الغفيرة التى احتشدت لتحيته في المنصورة يوم 9 يوليو عام 1930 خلال معركة الوفد الجهادية الطويلة في مواجهة القصر والاحتلال، لكن يبدو أن زعيم الأمة كان قريبًا جدًا من الخطر، سمع النحاس صوت صديق عمره سينوت حنا بصعوبة شديدة، فقد كانت أصوات الجماهير تطغى على كل شىء، نظر الزعيم إلى مصدر الصوت، فوجد جنودًا من الهجانة تغرس السونكى في أجساد الوفديين، ورأى جنديًا يتقدم نحوه، مشهرًا سلاحه، وشهد السونكى يتجه نحوه بسرعة شديدة، وقبل أن يلمس جسده، ألقى سينوت حنا بنفسه فوق النحاس ليتلقى الطعنة بدلًا منه، ويفسد مؤامرة جديدة لاغتيال زعيم الأمة ومصدر الإزعاج الوحيد للملك والإنجليز، ليغرق وجه النحاس بدم سينوت حنا، الذى صرخ من شدة الطعنة، فقال له النحاس سلامتك يا حبيبى، فقال له سينوت روحى فداك يا باشا
عاش كلاهما بدون شعور باختلاف في الديانات كانا رجل بقلب واحد ودم واحد، ولم تكن هذه هى المحاولة الأولى لاغتيال النحاس، ولم تكن الأخيرة، فقد كان الرجل مستهدفًا من قبل اسماعيل صدقى باشا رئيس الوزراء ووزير الداخلية، فقد ضاق ذرعًا بشعبية النحاس باشا، رئيس حزب الوفد، والجولات التى يقوم بها وسط الجماهير في مختلف مدن وقرى مصر، مطالبًا بإسقاط الدستور الملكى أو ما يسمى دستور 30 وفى الوقت نفسه، كان يخوض معركة ضروسًا لإعادة دستور 23، وكان النحاس باشا عندما يصل بالقطار إلى إحدى المدن، يغلق الجنود المحطة ويتم منعه من الخروج منها أو دخول الجماهير إليها ويظل قابعًا أمام مقر المحطة إلى أن يضطر للعودة إلى القاهرة، فيبادر إلى التسلل إليها بالسيارة، مثلما فعل في مدينتى بنى سويف والمنصورة، حيث حاول صدقى باشا بطرق ملتوية إفشال عقد اجتماعات النحاس مع أنصاره، وإجباره على العودة إلى القاهرة بدون إلقائه خطبه الحماسية، وأصدر قرارًا بحظر التجمهر وأعطى قوات الأمن أوامر بفض التجمعات الجماهيرية بالقوة والقبض على المشاركين فيها وتقديمهم للمحاكمة. 
لقد مات سينوت حنا بعد هذا الحادث بثلاث سنوات متأثرًا بجراحه التى لم تندمل، وصف الأطباء حالته على النحو التالى: جرح في أعلى الذراع اليمنى عند المفصل بعمق 70 ملليمترًا وباتساع 10 سنتيمترات وكسر في إحدى عظمتى الذراع ويحتاج إلى علاج أربعة أسابيع، وجاء صوته خافتًا الحمد لله إذ لم يصب الرئيس النحاس بشئ.
وفى خطابه بالمنصورة تحدث مصطفى النحاس عن إصابة سينوت حنا قائلًا: كان عن يسارى وكانت الطعنة مصحوبة إلى ظهرى، فدافع عنى وتلقى الطعنة بذراعه، حفظه الله، ووصف النحاس، سينوت حنا قائلًا إنه أعز عزيز على نفسى من نفسى.
ويقول المؤرخ عبدالرحمن الرافعى: صرح النحاس لمراسل صحيفتى التايمز والديلى تلجراف البريطانيتين بأنه هو الذى كان مقصودا بهذا الاعتداء، ونشرت الأهرام يوم 9 يوليو عام 1930 الرواية التالية: جاءت سيارة النحاس ومن معه، فأفسح لها الجنود الطريق، فاجتازت كوردونين، وعند الكوردون الثالث، أوقف جنود مسلحون ببنادقهم وسنجاتهم السيارة، فظن النحاس باشا وزملاؤه أن المقصود إنزال الذين أحاطوا بالسيارة من الأهالى، ولكن ما كان أشد دهشتهم عندما رأوا الجنود يصوبون سنجات بنادقهم إلى جميع ركاب السيارة، ومنهم النحاس باشا نفسه، فلما رأى سينوت حنا جنديا يصوب السنجة إلى ظهر النحاس، أسرع لمنع سهم الجندى، فتلقى السنجة في ذراعه اليمنى وأصيب بجرح بالغ. وأسرع محمد أفندى عنان باحتضان الرئيس، لمنع سنجات الجنود من الوصول إليه، وقد انطبع الدم الذى سال من جرح سينوت حنا على ملابس النحاس.
نزل سينوت بك حنا من السيارة، وأدخله زملاؤه إلى منزل الشيخ على بك عبد الرازق الذى وقعت الحادثة أمامه وتلقى الإسعافات الاولية ثم نقل إلى منزل الشناوى بك، حيث أحاط به جميع أعضاء الوفد المستفسرين عن صحته، كان متجلدًا، ويبتسم ويقول الحمد لله إذ لم يصب الرئيس بشيء.
هذه الحكاية لا تعنى أن كل تاريخ سينوت حنا أنه افتدى النحاس باشا بل كان نشاطه موضع اهتمام البوليس السياسى والقصر والإنجليز، حتى عقب هذا الحادث، فقد ضبط خدمه أحد رجال البوليس الملكى في الطابق العلوى بداره وفى يده حقيبة، واتضح أنه دخلها زاعمًا أنه مهندس من مصلحة التليفونات جاء لإصلاح تليفون المنزل ثم ارتبك واعترف بأنه من رجال البوليس الذين أصابهم القلق من نشاطه السياسى والنضالى في مواجهة القصر والاحتلال.
اعتلّت صحة سينوت حنا، بسبب هذا الحادث، وتوفى في بيته برمل الإسكندرية مساء يوم الأحد 23 يوليو 1933 وعمره 53 عاما، وألقى مصطفى النحاس خطابا على قبره تناول فيه عمق مشاعر الحب لدى سعد زغلول وصفية أم المصريين لابنها واخيها سينوت حنا، وأعلن أنه مدين له بحياته، حيث تلقى عنه طعنة أثيمة من يد أثيم.
حكاية سينوت حنا ليست مجرد قصة فداء قيادى وفدى لزعيم وطنى، ولكنها حكاية إخلاص للمبادئ والزعامة، حكاية تستحق البقاء، والسرد، والخلود، بين مسلمي ومسيحيي مصر.