الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تطور التعليم الطبي في الجامعات المصرية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
شهد الرئيس عبد الفتاح السيسي حفل تخريج الدفعة الأولى لكلية طب القوات المسلحة، وهى بحق كلية واعدة بدأت من حيث انتهى الآخرون. وحققت في فترة قصيرة جدا مستوى عاليا الجودة من التعليم الطبي، وأقامت شراكة مع جامعات دولية وإقليمية مرموقة. وأشهد وقد كنت عضوا بمجلس الكلية عن الدورة السابقة، أن طلاب الكلية كانوا على نفس المستوى العلمى والنشاط البحثى، الذى شاهدته في أعظم الجامعات العالمية، وذلك بفضل الإدارة الحاسمة والإمكانيات المتوفرة، والمجهودات المخلصة لكل من قام بالتدريس والتدريب للطلاب، وهم كوكبة عظيمة ومنتقاة بعناية من أعضاء هيئة التدريس من الجامعات المصرية.
وقد تحدث الرئيس في حفل التخرج عن التعليم الطبي، وعن أهمية أن يكون التقويم موضوعيا وعادلا، وشدد سيادته على أن المجاملة فساد، وهى بحق فساد وإفساد وظلم بين لكل من اجتهد في تحصيل العلم، ليأتى آخر ويستولى على مجهوده بالواسطة والمحسوبية والمجاملة. وفى هذا المقال نتكلم عن تطور التعليم الطبى في الجامعات المصرية، وما شهده من نهضة حقيقية في السنوات الأخيرة.
وبداية أود أن أذكر أن التعليم الطبى قد أصبح تخصصا قائما بذاته، يتخصص فيه الأطباء بعد التخرج، مثل باقى فروع الطب. وأن كلية الطب-جامعة قناة السويس، كانت أول كلية طب مصرية، ومن الأوائل على المستوى العالمى، ومنذ بدايتها سنة ١٩٧٧، التى تتبنى التدريس والتدريب بطريقة مبتكرة غير تقليدية (بنظام حل المشكلات الطبية، وإدخال طب المجتمع وطب الأسرة من البداية)، بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. وقد بدأت الدراسة بها سنة ١٩٨١، بـ49 طالبا، وكان الغرض هو إعداد أطباء بمهارات خاصة، وأنشأت الكلية مركزا لتطوير التعليم الطبى سنة ١٩٨٦، وكانت أول كلية طب مصرية تنشئ قسما للتعليم الطبى سنة ٢٠٠١. 
وحاليا أصبح هناك أقساما للتعليم الطبى في معظم الجامعات المصرية. وأصبح عندنا أساتذة مصريين من أشهر المتخصصين في هذا المجال على المستوى الدولي. وأصبح هناك درجات علمية (دبلوم وماجستير ودكتوراة) في التعليم الطبى تمنحها بعض الجامعات المصرية، كما تمنحها جامعة قناة السويس بالتعاون مع جامعة «ماسترخت» الهولندية منذ زمن بعيد.
وبعد المؤتمر القومى لتطوير التعليم العالى المصرى، الذى عقده الوزير مفيد شهاب سنة ٢٠٠٠، قامت لجنة القطاع الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات بالتعاون مع مؤسسة Jhopiego التابعة لجامعة جون هوبكنز الأمريكية، بدراسة واقع التعليم الطبى في مصر، وانتهت الدراسة إلى أن التعليم الطبى في معظم الجامعات المصرية «تعليم تقليدى للمواد الطبية، يعتمد على المحاضر دون إشراك الطالب، وأنه تعليم نظرى في غالبه ينقصه التدريب العملي، وأن الامتحانات في معظمها فيها تدخل بشرى (غير موضوعية)، وتقيس الحفظ والتدكار وليس الفهم والتطبيق. وقامت المؤسسة مع الجامعات بتطوير المناهج في ٣ تخصصات هى مقررات النساء والتوليد والأطفال والصحة العامة، وقامت بعقد دورات وندوات في الجامعات المصرية بغرض تطوير قوة العمل في مجال الصحة قبل أن يتوقف نشاطها في مصر. وكان لهذه الأنشطة الفضل في تجميع مجموعة من أعضاء هيئة التدريس المهتمين بالتعليم الطبى، ومنهم د. هالة صلاح الدين عميدة طب القاهرة الحالية، وآخرون ممن تولوا قيادة العملية التعليمية في الجامعات المصرية.
وفى سنة ٢٠٠٥، قرر الوزير هانى هلال تطوير التعليم العالى، بإنشاء برامج جديدة في الجامعات الحكومية بالتعاون مع الجامعات الدولية، تحت مسمى البرامج المتميزة (بمصروفات)، وكان أول هذه البرامج في المجال الطبى هو برنامج المنصورة مانشستر للتعليم الطبي، والذى بدأ عام ٢٠٠٦، بتعاون كامل مع جامعة مانشستر الإنجليزية. وكانت كلية طب مانشستر من أولى الجامعات الإنجليزية، التى تبنت نظام التعليم المتكامل في شكل حزم دراسية، والتدريس النشط للطلاب في مجموعات صغيرة بطريقة حل المشكلات الطبية، وطرق امتحانات موضوعية تماما ودون تدخل للعامل البشرى، ودون أى مجاملات في تقييم الطلاب. وقد كانت الاستفادة الأعظم من الجانب الإنجليزي في طرق الامتحانات، فتم تحويل الأسئلة التحريرية إلى اختيار من متعدد (MCQ)، وتم تحويل أسئلة المقال الطويلة إلى جزيئات صغيرة تقبل الإجابة في كلمة أو سطر واحد. وتم لأول مرة إجراء امتحانات محطات موضوعية إكلينيكية متعددة (OSCE)، وبذلك انتهت المجاملات تماما في الامتحانات. ومع نضوج التجربة، انتقلت هذه المزايا إلى البرنامج الأساسى بطب المنصورة، وتم أيضا الاستفادة منها في باقى الجامعات المصرية.
ومع نجاح برنامج المنصورة مانشستر، انتقلت الفكرة إلى الجامعات الأخرى، وتم إنشاء برامج متميزة في جامعات الإسكندرية وطنطا والزقازيق والقاهرة وعين شمس وغيرها. ونشأت كلية طب القوات المسلحة في وسط هذا الزخم، عندما كان سيادة الرئيس وزيرا للدفاع، واستقبلت أول دفعة سنة ٢٠١٣. وتبنت الكلية الوليدة مناهج جديدة ومتطورة، وأقامت شراكة مع كليات الطب المصرية والعالمية. وها هى اليوم تحتفل بتخريج أول دفعة، وتواصل تطوير نفسها بعقول وسواعد أبنائها في القوات المسلحة، وتوفر لهم كل الإمكانيات المادية والاستعانة بأحسن الخبرات العالمية في مجال التعليم الطبي.
وأصبحت هذه الكلية مع الأكاديمية الطبية العسكرية، وبنك المعرفة المصرى إضافات جديدة للجامعات المصرية، تواكب كل جديد في العالم وتستقدم الخبراء الأجانب وتتواصل مع أحدث التقنيات العالمية في مجال التعليم الطبي.
ولاستكمال عملية التطوير في التعليم الطبي، قامت لجنة القطاع الطبى بالمجلس الأعلى للجامعات برئاسة أ. د حسين خالد، بتشكيل لجنة متخصصة لإعادة هيكلة المناهج وطرق التدريس برئاسة أ.د نادية بدراوي، والتى قامت مع لجنتها الموقرة بزيارة جميع كليات الطب الحكومية والخاصة، واستطلعت آراء الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، ووضعت تصورا كاملا لتطوير شامل للتعليم الطبي، يكون شاملا وحديثا ويواكب التطور الحادث في العالم، وبنظام الفصل الدراسي المنتهى والحزم الدراسية المتكاملة والساعات أو النقاط المعتمدة. وتم تخفيض مدة الدراسة إلى ٥ سنوات (بدلا من ٦)، وزيادة مدة الامتياز إلى عامين (بدلا عن عام واحد)، وإضافة امتحان إلكترونى موحد لجميع الخريجين، يؤهلهم للحصول على الترخيص لمزاولة المهنة. (وقد تم بنجاح تجريب إقامة امتحان إلكترونى موحد لكل الطلاب في جميع كليات الطب المصرية).
وقد تطلب ذلك تغيير في بعض مواد قانون تنظيم الجامعات الخاصة بمدة الدراسة، وتنظيم مزاولة مهنة الطب، وقد صدر القانون، وبدأ العمل به، ونأمل أن يحقق نقلة نوعية في التعليم الطبي.
وفى النهاية، أود أن أؤكد أن منظومة الصحة المصرية ما زالت بحاجة إلى حزمة من التشريعات الجديدة التى تقنن التدريب الإكلينيكى والدراسات العليا للأطباء، وتنشأ شهادة مهنية واحدة يعترف بها العالم الخارجي، وأن ننشأ المجلس الطبى المصرى لحماية المرضى وتوجيه ومراقبة أداء الأطباء، وأن يكون لنا هيئة في كل تخصص من التخصصات الطبية، وقانون حديث للمسئولية الطبية، وأن يتحسن دخل الأطباء وبيئة العمل، وكلها أمور ضرورية ومستعجلة للنهوض بصحة المواطن المصرى.