الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

إعادة تمركز القوات الأمريكية في العراق بدلا من سوريا.. استراتيجية واشنطن الجديدة

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تكتسب القمة الروسية التركية التي عُقدت أمس الثلاثاء في المدينة الروسية "سوتشي" وجمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، أهمية محورية ومفصلية في تشكيل خريطة القوى في المنطقة بعد خطة واشنطن التي تقضي بانسحاب قواتها من شمال شرق سوريا وإعادة تمركزها مرة أخرى في قواعد عراقية على الحدود مع دمشق.
جاءت هذه القمة بعد الجولة الخليجية للرئيس بوتين والتي شملت الإمارات والسعودية وبعد اللقاء الذي عقد في أنقرة بين أردوغان ونائب الرئيس الأمريكي بنس والذي تم بموجبه وقف العملية العسكرية التركية في الشمال السوري لمدة 120 ساعة للسماح للقوات الكردية بالانسحاب إلى العمق السوري.
وبدا في موسكو أن التركيز خلال القمة الروسية - التركية انطوى على ثلاثة ملفات رئيسية، تشمل تعزيز التنسيق الأمني العسكري لمنع فرار آلاف المعتقلين من تنظيم "داعش" الإرهابي في المنطقة الشمالية، وآلية دفع حوار سياسي مباشر بين أنقرة ودمشق، وتسريع إنهاء العملية العسكرية التركية بهدف عدم التأثير على إطلاق عمل اللجنة الدستورية السورية المقررة بعد أيام.

"اتفاق أضنة" معدل
تبدو روسيا مستعدة للمساعدة في إطلاق حوار بين تركيا وسوريا، بشرط أن يستند إلى اتفاقية أضنة الموقعة بين البلدين عام 1998، كما تدعم موسكو كذلك إدخال تغييرات على اتفاقية أضنة إذا رغبت أنقرة ودمشق في ذلك.
كان الاتفاق وقع بين الطرفين بعد أزمة كبرى وقعت في 1998 أسفرت عن حشد تركيا لقواتها على الحدود بحجة قطع الدعم المتواصل الذي كانت تقدمه دمشق لتنظيم حزب العمال الكردستاني، وإيوائها زعيمه عبدالله أوجلان، والسماح له بإقامة معسكرات على أراضيها.
وضم الاتفاق أربعة ملاحق اشتملت على تلبية المطالب التركية ونصت على احتفاظ تركيا بممارسة حقها في الدفاع عن النفس، وفي المطالبة بـ"تعويض عادل" عن خسائرها في الأرواح والممتلكات، إذا لم توقف سوريا دعمها لـ"حزب العمال الكردستاني"، وفي حينها نص الاتفاق على حق تركيا في التوغل داخل الأراضي السورية حتى عمق خمسة كيلومترات في إطار عمليات مكافحة الإرهاب.
وترى أوساط روسية أن موسكو تنطلق في ضرورة العودة إلى اتفاق أضنة لتسوية المشكلة القائمة حاليا، من أن الاتفاق مبرم بشكل شرعي بين الطرفين ويشكل أساسا قانونيا للحوار، كما أن تعديله وفقا للتلميحات الروسية يمكن أن يضمن مراعاة الظروف الجديدة في سوريا، ما يعني أنه قد يمنح تركيا قدرة على التحرك لمساحات أوسع في عمق الأراضي السورية.

خطة واستراتيجية أمريكية جديدة
استبقت واشنطن هذه القمة بخطة البنتاجون لتنفيذ قرار الرئيس دونالد ترامب الانسحاب من شمال شرقي سوريا، نقل القوات الأمريكية إلى غرب العراق مع البقاء في الأجواء شرق الفرات والاحتفاظ بقاعدة التنف جنوب شرقي سوريا، إضافة إلى احتمال ترك قواعد عسكرية قريبة من حدود العراق لـ"حماية آبار النفط وتأجيل عودتها" إلى الحكومة السورية وتوفير حماية لسجون تضم «دواعش» خطرين.
وتضمنت الخطة والأفكار التي وضعتها وزارة الدفاع الأمريكية، نقل 700 جندي أمريكي من شرق سوريا إلى غرب العراق، مع الإبقاء حالياً على وجود التحالف الدولي ضد «داعش» في أجواء شرق سوريا، وكذلك الإبقاء على مذكرة «منع الاحتكاك» مع الجانب الروسي مع احتمال البحث في تعديلها.
كما شملت خطة البنتاجون، الاحتفاظ بقاعدة التنف في زاوية الحدود السورية - العراقية - الأردنية بما يتضمن من قوات خاصة ودعم لمعارضين سوريين، بهدف محاربة «داعش» وتقديم دعم استخباراتي، والاحتفاظ بعناصر من متعاقدين من شركات عسكرية خاصة قرب آبار النفط ومعامل الغاز (تضم منطقة شرق الفرات 90 في المائة من نفط سوريا) ونقل قواعد عسكرية إلى مناطق قريبة من الآبار قرب حدود العراق لمنع انتقال هذه الآبار إلى دمشق قبل التوصل إلى تفاهمات، مع بحث مقترح بتوفير حماية دولية وقوات خاصة لسجون تضمن عناصر من «داعش» تعتبرهم دول غربية خطرين.
وخلال الأسبوع الماضي، انسحبت القوات الأمريكية، من ثلاث قواعد أخرى، بينها قاعدة في مدينة منبج وأخرى قرب عين العرب، وباتت جميع القواعد التي اتخذتها القوات الأمريكية في شمال محافظة الرقة وشمال شرقي حلب خالية، فيما لا يزال الأمريكيون يحتفظون بقواعد في محافظتي دير الزور والحسكة، بالإضافة إلى قاعدة التنف جنوباً.
وتبدو روسيا متفهمة لمطالب الطرفين الأمريكي والتركي بشأن حدود "المنطقة الآمنة"، حيث أشارت تقارير غربية إلى أن تفاهمات أنقرة مع كل من واشنطن وموسكو ستسفر على أن يكون الطريق السريع بين الحسكة وحلب «خط التماس» الجديد بين الجيش التركي وفصائل سورية موالية من جهة و«قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية من جهة ثانية، حيث بدأ الجيش التركي إقامة 12 قاعدة ونقطة مراقبة عسكرية قرب هذه الطريق (قد يشمل ذلك تفاهمات مستقبلية بين أنقرة وموسكو ودمشق إزاء تقدم قوات الحكومة السورية جنوب إدلب).
ويعني ذلك أن "المنطقة الآمنة" قد تشمل مناطق ذات غالبية كردية في الناحية الشمالية الشرقية لسوريا قرب حدود العراق في حال لم تسفر تفاهمات دمشق والأكراد باستعجال وصول القوات الحكومية الموجودة في الحسكة والقامشلي إلى ما وراء نقطة تل تمر.

تداعيات متشابكة
تنطوي الاستراتيجية الأمريكية الجديدة بإعادة تمركز قواتها في العراق بدلاً من سوريا على تداعيات سلبية كثيرة سواء على النفوذ الأمريكي في الخارج، أو على قضايا وملفات الشرق الأوسط بصفة عامة.
إذ تكشف الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي دعا إليها منظرو السياسة الأمريكية خاصة خلال إدارة ترامب، عن ضرورة اعتماد واشنطن على مفهوم جديد وواقعي لتوازن القوى، للحفاظ على نفوذها في أقاليم العالم المختلفة، والتخلي تماما عن مساعيها للهيمنة، الأمر الذي يسمح بنظام دولي متعدد الأقطاب، باعتبار أن واشنطن لن تستطيع إيقاف ظهور قوى كبرى مناوئة لها، مثل روسيا والصين.
ومن هنا فقد رأى ترامب تسليم الملف السوري إلى روسيا لإدارته وبما يلبي طموحات ومصالح أمريكا في المنطقة، وتخفيف التزاماتها الأمنية المكلفة اقتصادياً لواشنطن، مع نقل الأعباء الأمنية إلى الحلفاء والاعتماد على قواتها، بما يعزز من توجيه هذه الموارد إلى دعم القوة الاقتصادية الأمريكية ودعم مبدأ ترامب"أمريكا أولاً".
ووفقاً للتصورات النظرية للاستراتيجية الأمريكية الجديدة، فإن انسحاب واشنطن أو إعادة تمركز قواتها في العراق بدلاً من سوريا، يجعل أنقرة تسعى لتعظيم ثقلها السياسي والأمني في الملف الكردي، وهو أمر محكوم بطبيعة الدور الروسي في الأزمة منذ بدايتها.
فمع أن روسيا لم تكن ترحب باعتماد الأكراد على دعم الولايات المتحدة ومساعدتها لهم، لكنها دعت إلى حصولهم على قدر من الحكم الذاتى فى سوريا ما بعد الحرب، ولم تدعم جهود دمشق لإعادتهم إلى وضع ما قبل الحرب، وبمجرد أن فقد الأكراد حلفاءهم الأمريكيين، ساعدتهم موسكو في التفاوض على اتفاق مع دمشق يسمح لقوات الحكومة السورية بالانتقال إلى الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد لحمايتهم من الاجتياح التركي.
ويبقى القول، إن إعادة تمركز القوات الأمريكية في العراق بدلاً من سوريا، لن يترك موسكو فقط كقوة غير إقليمية فى سوريا، بل يثقل كاهلها بمشكلات يتعين عليها معالجتها، أبرزها مصير مقاتلى داعش السابقين الذين يحرسهم أكراد سوريا، وسيظل ملف تركيا وأكراد سوريا أحد أهم التحديات التي تواجه الدور الروسي في تسوية الأزمة برمتها.