الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

عودة هذه الوزارة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كنت وما زلت من المطالبين بضرورة إعادة منصب وزير الإعلام، لا سيما في هذا الظرف التاريخى الذى نمر به، والذى يتطلب عقلية إعلامية سياسية بإمكانها التعامل مع أى مستجدات وفق معايير فنية وعلمية محددة، ويخطئ من يظن أن الدستور الحالى قد ألغى هذا المنصب، فقد نصت المادة (211) على أن المجلس الأعلى للإعلام هو هيئة مستقلة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفنى والمالى والإدارى، وموازنتها مستقلة، ويختص المجلس بتنظيم شئون الإعلام المسموع والمرئى وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها، كما نصت المادة (213) على أن الهيئة الوطنية للإعلام هى هيئة مستقلة تقوم على إدارة المؤسسات الإعلامية المرئية والإذاعية والرقمية المملوكة للدولة، وإذن فهاتين المادتين لم تمنعا وجود منصب الوزير، وليكن وزير دولة، فالفراغ الذى تركه هذا المنصب أدى إلى ارتباك واضح وعشوائية في المشهد الإعلامى، وقد تكرر هذا في أكثر من موقف وحدث، ولا شك عندى في أن الإعلام المصرى قد تعرض لمؤامرة كبرى في 2011، فبعدما استطاع هذا الإعلام فرض سيطرته وهيمنته وريادته على كافة وسائل الإعلام في مختلف البلدان العربية لأكثر من نصف قرن، جاءت «الجزيرة» القطرية لتقود حربًا ضروسًا استغلت فيه لحظة تاريخية تمر بها مصر بتخطيط وتمويل وتدريب يهدف إلى تدمير الدولة المصرية وتحويلها إلى ساحة اقتتال بين أبناء الشعب، واستطاعت «الجزيرة» أن تقفز فوق إعلامنا، بعد السقوط المدوى لماسبيرو، وفى صباح التاسع والعشرين من يناير 2011 أفتى الإعلامى عماد الدين أديب للفريق أحمد شفيق بأن الدول الديمقراطية قد ألغت هذه الحقيبة الوزارية، وذلك حين التقاه ليكون وزيرا للإعلام، ولم يبحث شفيق وراء هذه المعلومة فثمة بلدان متقدمة وديمقراطية وبها وزارة للإعلام، إما مستقلة وإما مدموجة في وزارة الثقافة، فالإعلام هو القادر على توجيه الرأى العام وتهيئته لأى حدث مهما كان، وعلينا أن نتذكر كيف طلب الرئيس السادات خطة من وزير الإعلام آنذاك لتهيئة الشعب نفسيًا لقبول مبادرة السلام بعد سنوات من الحرب والعداء مع إسرائيل، وبالفعل بدأت قنوات التليفزيون تبث أغنيات وبرامج عن السلام، وعن ويلات الحرب وكيف سيجلب السلام الخير على مصر، كان هذا قبل أن يعلن الرئيس السادات عن نيته زيارة القدس، فلما أعلنها كان المناخ قد تهيأ تماما لهذا الحدث، وعلينا أن نتذكر أيضًا كيف أمر وزير الإعلام جمال العطيفى في مساء 19 يناير 77 بإذاعة مسرحية مدرسة المشاغبين للمرة الأولى في التليفزيون المصرى، لينهى بها تمامًا حالة السيولة المجتمعية التى حدثت في يومى 18 و19 يناير عقب إعلان الرئيس السادات رفع الدعم عن بعض السلع التموينية، مما أثار غضب الشارع المصرى، فخرجت الجماهير في مظاهرات عارمة أطلق عليها السادات «انتفاضة حرامية»، وفى مساء اليوم التالى التفت الأسر المصرية حول أجهزة التليفزيون وسهرت حتى الساعات الأولى من الصباح، وهم يستمتعون ويضحكون على نكات ومواقف عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبى أبطال المسرحية، وفى الصباح كان لا حديث للمصريين إلا عن المسرحية والمواقف الهزلية بها، وبات حديث المظاهرات من قديم القول، وهكذا نجح الإعلام في امتصاص غضب الجماهير وتغيير بوصلة أفكارهم وأحاديثهم بذكاء يحسب لصانع القرار، وقد تكرر هذا الأمر مؤخرًا حين تم عرض فيلم «الممر» ليقضى تمامًا على أحلام وتخاريف المقاول الهارب، وليس عيبًا أن يدار الإعلام لصالح الدولة، فهو في الأساس يجب أن يعمل لصالحها، وليس عيبًا أيضًا أن ينفذ وزير الإعلام تعليمات صادرة من جهة وطنية ما، فهذا يحدث في معظم بلدان العالم، ولكن العيب أن يتم تنفيذ هذه التعليمات دون رؤية فنية تمتلكها كوادر العمل الإعلامى، فالتعليمات يجب أن تصاغ بالشكل الفنى المناسب مع المرحلة، ووزير الإعلام هو أشبه ما يكون برجل المرور الذى ينظم حركة الشارع وفق رؤيته لوقت الزحام ووقت الشغور، ولكن لا بد أن نعى أن وزير الإعلام - إذا تمت إعادة هذا المنصب- لن يتمكن من إدارة المنظومة الإعلامية بنجاح دون وجود المجالس القومية المتخصصة، فلقد كانت هذه المجالس تحيل الدراسات الاجتماعية والدينية وغيرها إلى رئاسة الجمهورية، فيحيلها الرئيس إلى وزير الإعلام الذى يكلف مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون بدراستها، ومن هنا كانت توضع الخطة الإعلامية وفق هذه المعطيات، فلو افترضنا مثلًا أن الدراسات الاجتماعية تؤكد ارتفاع نسبة الطلاق كان التوجيه بأن تتناول الدراما هذه القضية، وكذلك يتم التركيز عليها عبر البرامج الإذاعية والتليفزيونية المختلفة، وإذا ثبت من تلك الدراسات أن قضية العنوسة أصبحت تؤرق المجتمع، كان التوجه يتم بمناقشة هذه القضية على الفور، وهكذا كان يجد المواطن نفسه في الإعلام المصرى لسنوات طويلة ولم يكن يشعر أبدًا بأن الإعلام موجه أو يدار من أجهزة ما، إذ كيف يصدق المواطن ذلك في ظل برنامج قلم رصاص لحمدى قنديل وحديث المدينة لمفيد فوزى وعلى الطريق لملك إسماعيل، وهى البرامج التى تنتقد عمل الحكومة والوزراء، وكيف يصدق المواطن أن ثمة توجيها من الدولة وهو يرى هذا الكم من المسلسلات والأفلام التى كانت تنتقد الأوضاع الاجتماعية والسياسية وبعض الأجهزة الأمنية «كشف المستور- البريء –معالى الوزير- ضد الحكومة- الهروب- زوجة رجل مهم»، ومسلسلات «الراية البيضا- عصفور النار-ابوالعلا 90» وغيرها من الأعمال الفنية التى كنا نرى فيها الوزير الفاسد والضابط الظالم والمسئول المرتشى، فكانت هذه الأعمال وغيرها بمثابة المتنفس الذى ضمن لمصر استقرارًا لأكثر من خمسين عامًا، وكانت جميعها تتم بموافقة الجهات الأمنية والرقابة التابعة لوزارة الثقافة أو الرقابة التابعة للتليفزيون، والحقيقة التى يجب أن تبقى في أذهاننا جميعا أن من حارب الإرهاب في ثمانينيات القرن الماضى ليس الأمن وحده، بل حاربه الفن والإعلام وقضى عليه تماما، وذلك عندما كان لدينا وزير للإعلام..