الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

«الأمم المتحدة» تعاني أزمة تمويل حادة.. أمريكا تقلص مساعداتها.. 1.3 مليار دولار عجزًا ماليًا يهدد استمرارها.. المنظمة الدولية عاجزة عن سداد مدفوعات الموظفين.. ونفاد الاحتياطات المالية بنهاية أكتوبر

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تواجه منظمة الأمم المتحدة، أزمة مالية وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، أنها أسوأ أزمة نقدية تواجه الأمم المتحدة منذ ما يقرب من عقد من الزمان. 
والأمم المتحدة هى المنظمة الأولى في العالم المعنية بحفظ السلام ومنع نشوب الصراعات رغبة في تفادى ويلات الحربين العالميتين الأولى والثانية، لكن عملها يشمل أكثر من تلك المهام. فهى تضم عشرات الكيانات المتخصصة في مجالات عديدة تشمل التنمية الاقتصادية والثقافية والإنسانية، والبيئة، وحقوق الإنسان،...الخ. هذه المهام يهدد استمرار أداءها الأزمة المالية التى أعلن غوتيريس عنها مؤخرًا.


مصادر التمويل 
تعتمد الأمم المتحدة على نوعين من مصادر التمويل؛ الأول المساهمات الإلزامية والأخرى المساهمات الطوعية. فيما يتعلق بالأولى فيتم تحصيلها من قبل الأعضاء بالمنظمة كشرط للعضوية، ويختلف المبلغ المالى الذى يجب أن يدفعه كل عضو والذى يتم تحديده بناءً على إجمالى الدخل القومى والسكان. 
تساعد هذه المساهمات الإلزامية على تمويل الميزانية العادية للأمم المتحدة، والتى تغطى النفقات الإدارية وعدد قليل من برامجها وهيئاتها، بالإضافة إلى عمليات حفظ السلام. 
أما المساهمات الطوعية فيقدمها الأعضاء كمساعدة منهم للأمم المتحدة، حيث يعتمد الكثير من منظمات الأمم المتحدة بشكل أساسى على هذه المساهمات مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة، ومفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، وبرنامج الغذاء العالمي.
مظاهر الأزمة
تعانى الأمم المتحدة من عجز مالى يهدد استمرارها واستمرار أنشطتها وأداء مهامها بلغ أكثر من ٢٣٠ مليون دولار، فحتى نهاية شهر سبتمبر عام ٢٠١٩ تم سداد ٧٠٪ فقط من إجمالى المساهمات، وحتى ٨ أكتوبر من نفس العام دفعت الدول الأعضاء ١.٩٩ مليار دولار فقط، أى ما زال هناك مبلغ مستحق يبلغ نحو ١.٣ مليار دولار لهذا العام.
جدير بالذكر أن الأزمة المالية ليست جديدة، ففى عدة سنوات مضت عانت الأمم المتحدة من عجز مالى بسبب تأخر الدول الأعضاء في دفع ما تدين به للمنظمة. فقد بلغ في عام ٢٠١٨ عجز الميزانية نحو ١٣٩ مليون دولار. 
وبرغم هذا، تُعد هذه الأزمة أكثر خطورة من سابقاتها نظرًا لأنها عرضت الأمم المتحدة لخطر استنفاد احتياطياتها من السيولة بحلول نهاية شهر أكتوبر لعام ٢٠١٩ بما يجعلها عاجزة عن سداد مدفوعات الموظفين. 
فضلًا عن ارتفاع احتمال تفاقم العجز إن لم تتخذ الأمم المتحدة إجراءات تخفيض الإنفاق، فقد أشار غوتيريس إلى أن العجز سيصل إلى ٦٠٠ مليون دولار. 
وفى سبيل تقليل النفقات لمنع ازدياد العجز، اُقترح تأجيل المؤتمرات والاجتماعات، وخفض الخدمات، إلغاء الأنشطة غير الضرورية. 
كما اقترح الاقتراض من الاحتياطات المخصصة لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام من أجل تلبية الاحتياجات العاجلة بما يعنى الدخول في نوفمبر ٢٠١٩ دون توافر مبالغ نقدية كافية لتغطية مرتبات الموظفين بجانب التأثير ليس فقط على العمليات في المراكز الرئيسية للأمم المتحدة في نيويورك وجينيف وفيينا ونيروبى بل أيضًا على اللجان الإقليمية، بالإضافة إلى تعطل حفظ السلام.


تقليص مساعدات الولايات المتحدة 
إن سبب العجز المالى الذى تعانى منه الأمم المتحدة يتجسد بشكل أساسى في تأخر الكثير من الدول الأعضاء عن دفع مساهماتها للمنظمة. 
ورغم عدم الإعلان عن هذه الدول حتى الآن إلا أن بعض المصادر أشارت إلى عددها ٦٤ دولة منها: الولايات المتحدة، البرازيل، الأرجنتين، المكسيك، فنزويلا، كوريا الشمالية، كوريا الجنوبية. 
ويعد هذا التقاعس عن الدفع انتهاكًا من قبل تلك الدول للمادة ١٧ من ميثاق الأمم المتحدة الذى ينص على تحمل الأعضاء مصروفات المنظمة كما تقسمها الجمعية العامة.
وتتحمل الجزء الأكبر من المسئولية عن هذه الأزمة الولايات المتحدة الأمريكية التى ولا تزال ممولًا رئيسيًا للأمم المتحدة حيث تبلغ حصتها من الميزانية ٢٢٪، فضلًا عن أن ٤٠٪ من تكاليف تشغيل المنظمة تتحملها واشنطن. وقد ساهمت بأكثر من ١٠ مليار دولار في عام ٢٠١٧ - وهى آخر سنة مالية تتوافر فيها بيانات كاملة- ٧ مليارات دولار من هذا المجموع هى مساهمة طوعية منها. ويمثل هذا المبلغ خمس ما تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية على المساعدات الخارجية. 
ومع إثارة الرئيس دونالد ترامب تساؤلات استنكارية - تعكس بشكل كبير توجهه الانسحابى من المنظمات الدولية والتنصل من الالتزامات تجاهها- حول حصة الولايات المتحدة الأمريكية في الميزانية كونها لا تعود بالنفع عليها مطالبًا إلغاءها. ففى مقترح الميزانية لعام ٢٠١٨ طلب الرئيس ترامب خفض أكثر من نصف التمويل الأمريكى لبرامج الأمم المتحدة وإلغاء تمويل بعضها مثل برامج تغير المناخ. وقد أفضى هذا المقترح إلى تخفيض مساهماتها في عمليات حفظ السلام التابعة للأمن المتحدة بما قلل المساهمات الأمريكية من ٢٨ إلى ٢٥٪ من ميزانية إدارة عمليات حفظ السلام. كما أعلنت إدارة ترامب وقف مساهمات الولايات المتحدة الأمريكية في المساعدات الإنسانية لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، الأونروا، بدعوى أنها وكالة فاسدة وغير فعالة ولا تساعد في حفظ السلام، جاء ذلك على الرغم من تهديد الخدمات الاجتماعية والرعاية الصحية والتعليم للاجئين. 
وقال في خطاب له أمام الجمعية العامة عام ٢٠١٨ «إن الولايات المتحدة ملتزمة بجعل الأمم المتحدة أكثر فعالية فقط عندما يقوم كل واحد منا بدورنا ويسهم فيها بنصيبنا». 


وفى مقترح الرئيس ترامب للميزانية لعام ٢٠١٩ قام مرة أخرى بوضع حد للعديد من هيئات وبرامج الأمم المتحدة، مما خفض مساهمات المساعدات الخارجية ووضع حد لمدفوعات الولايات المتحدة الطوعية. لم يتوقف الأمر عند حد تخفيض مساهماتها، بل أعربت الإدارة الأمريكية عن تخفيض وإلغاء المساعدات للدول الأعضاء التى تصوت ضد المصالح الأمريكية في الأمم المتحدة. 
ولكون الولايات المتحدة الأمريكية مسئولة عن جزء كبير من ميزانيات الكثير من هيئات الأمم المتحدة لذلك بالنسبة لتلك الهيئات وخاصة التى تعتمد على التمويل الطوعى ستكون التخفيضات في المساهمات الأمريكية ذات انعكاس سلبى عليها. على سبيل المثال، قالت وكالة الأونروا، التى كانت تعتمد في السابق على الولايات المتحدة لنحو ثلث ميزانيتها، إنها ستضطر إلى إلغاء ٢٥٠ وظيفة في عام ٢٠١٨ بعد أن ألغت إدارة ترامب أكثر من ٣٠٠ مليون دولار من التمويل. 
وفى خطاب أُلقى في سبتمبر ٢٠١٨، حذر أكثر من ثلاثين من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى الإدارة من أن التخفيضات قد تمنع ١٤٠٠٠٠ شخص من الحصول على مساعدات غذائية وأكثر من ٧٠٠٠٠ شخص من الحصول على المياه النظيفة، على الرغم من أن المانحين الأوروبيين والخليجيين ساعدوا في تعويض جزء من العجز.
ختامًا، يمكن القول إن تلك العجز المالي- غير المسبوق - الذى تشهده الأمم المتحدة من شأنه حال استمراره وقت طويل أن يؤدى إلى التأثير سلبًا على فعالية دور الأمم المتحدة في حل الأزمات الدولية والإقليمية التى تؤثر على سلام وأمن المجتمع الدولى مثل الغزو التركى لسوريا، النشاط الإيرانى في منطقة الخليج، الصراعات والحروب الأهلية في ليبيا واليمن على سبيل المثال، والأزمات الإنسانية مثل الهجرة، الأقليات، المناخ، الإرهاب، وغيرها من التهديدات التى تواجه العالم، ومن ثم يجعلها عاجزة عن تحقيق الأهداف التى أُنشئت من أجلها وبالتبعية إلغاء مبرر استمرارها.