الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

العراقيون يرفضون التدخل الإيراني وسط غياب النخب السياسية.. مطالبات بعودة الدولة القوية.. وحكومة عبد المهدي تتخذ 17 قرارا اقتصاديا واجتماعيا في محاولة لتهدئة الشارع الغاضب

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أبرزت حركة الاحتجاجات التي شهدها العراق مؤخرًا حالة من عدم الاستقرار داخل النظام القائم نظرًا لوجود اختلالات هيكلية بمؤسساته والميكانيزمات التي تعمل خلالها هذه المؤسسات، وأظهرت ضعف حكومة «عادل عبدالمهدي» وعجز النظام ككل في الوفاء بالمتطلبات المعيشية المتمثلة في مكافحة الفقر والفساد، وتوفير الخدمات كالكهرباء والماء، وتوفير فرص العمل في ظل غياب النخب السياسية التقليدية والمرجعيات الدينية.
دائمًا ما يُمثل عودة العراقيين إلى توظيف سياسات الشارع كورقة رابحة للضغط على منظومة الحكم والنخب السياسية للتغيير والإصلاح. 

ونجحت هذه الاستراتيجية في الضغط على حكومة نورى المالكى (٢٠٠٦-٢٠١٤) الذى كان متمسكًا إلى أبعد حد باستكمال فترته في رئاسة الحكومة رغم الفشل الأمني والاقتصادى الذى أودى إلى إسقاط الجيش العراقى وتمكن تنظيم الدولة الإسلامية من السيطرة على مناطق كبيرة من البلاد. 
وتجددها ضد حكومة عادل عبدالمهدى يعود إلى عدة عوامل منها: انتشار الفساد حيث يعتبر المحللون أن الفساد والطائفية والإرهاب دمرت مشروع العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين. 
ويرى المحتجون أن حكومة «عبدالمهدي» فشلت في مكافحة الفساد؛ حيث أعلن عبدالمهدى تشكيل المجلس الأعلى لمكافحة الفساد فور الإعلان عن تشكيلة حكومته، ولكن لم يستطع هذا المجلس تقديم أى شيء في هذه القضية، وهو ما اعتبره البعض أن العراق يحكمه مجموعة من المافيات. ورأى البعض عدم دعم الأحزاب التقليدية، والمرجعية الدينية لهذه الاحتجاجات بسبب تورط النخبة السياسية والدينية في قضايا الفساد. وكاستجابة للضغوط والمظاهرات الأخيرة أعلن المجلس الأعلى لمكافحة الفساد إحالة ملفات ٩ من كبار المسئولين إلى القضاء. وقد أعلن مكتب الرئيس العراقى «برهم صالح» في جلسته في ١٤ أكتوبر عن إحالة جميع ملفات قضايا الفساد، للمحاكم دون إبطاء أو تأخير، كما توصل الاجتماع إلى تشكيل لجنة مستقلة لتقصى الحقائق والتوصل إلى حقيقة ما. 
أيضًا هناك تزايد في معدلات الفقر فرغم أن العراق يمتلك رابع أكبر احتياطى نفطى في العالم إلا أن شعبه يعاني من فقرٍ مدقع؛ حيث يعيش أكثر من ٢٢.٥٪ من السكان على أقل من ١.٩٠ دولار وفق تقارير البنك الدولى لعام ٢٠١٤، وقد ساءت بالفعل هذه النسبة خاصة بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على أجزاء من العراق وتدمير البنية التحتية العراقية كمحطات المياه والكهرباء والطرق والكبارى إضافة إلى ارتفاع تكلفة إعادة بناء الجيش العراقي. وقد مثل الفقراء والعاطلون وقود هذه التظاهرات وهو ما انتبهت له الحكومة المركزية؛ حيث استوعبت المظاهرات بالعديد من القرارات السياسية والاقتصادية التى تعزز من المطالب الاجتماعية ودعم الطبقات الفقيرة مثل دعم العاطلين عن العمل بمنح، وتوفير التدريب المهنى للعاجزين عن العمل، وتسهيل قروض الإسكان وتوزيع عدد كبير من الأراضى والوحدات السكنية للفئات الأكثر احتياجًا.
أيضًا هناك النفوذ الإيرانى وتجلى ذلك في رفع المتظاهرين العراقيين شعارات ضد الوجود الإيرانى في بلادهم؛ حيث تم تفعيل هاشتاجات مناهضة لإيران على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «طرد إيران مطلب عراقي». واتهم المتظاهرون إيران والميليشيات العسكرية التى تقف خلفها مثل الحشد الشعبى بقتل المتظاهرين وقنص ضباط أمن والعمل على إلصاق طابع العنف بالاحتجاجات يضاف إلى ذلك ضعف الخدمات حيث تعانى البنية التحتية العراقية من حالات التدمير الذى أحدثته ميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية. ويُعد تدمير البنية التحتية المتعلقة بالكهرباء والمياه والطرق أحد أهم بواعث تجدد احتجاجات الشعب العراقى سواء في المناطق الجنوبية التى يسيطر الشيعة على أغلبيتها أو المناطق الغربية السنية.
وكذا ارتفاع معدلات البطالة إذ يُمثل العاطلون وقودًا إضافيًا للموجة الاحتجاجية؛ حيث تصل نسبة البطالة بين الشباب العراقى إلى ٢٥٪ إضافة إلى وجود ١.٨ مليون نازح لا مأوى لهم، ويقدر البنك الدولى كلفة إعادة البناء بـ ٩٠ مليار دولار خلال خمس سنوات.


الأحداث التى شهدها العراق كان يُنذر بدخول البلاد إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار لولا تعاطى الحكومة بجدية في القرارات واتخذت الحكومة العراقية ١٧ قرارًا وإجراءً يغلب عليها الاقتصادى والاجتماعي لاحتواء الاحتجاجات مثل فتح باب التقديم على الأراضى السكنية، واستكمال توزيع ١٧ ألف قطعة سكنية للمستحقين من ذوى الدخل المحدود في محافظة البصرة، والعمل على بناء ١٠٠ ألف وحدة سكنية، وتكليف المحافظين بتشكيل لجان لفرز أسماء العائلات الأكثر حاجة في محافظاتهم من أجل شمولهم بتوزيع الأراضى السكنية، ومنح مكافآت للعاطلين والمحتاجين للعمل لمدة معينة. إلى جانب القرارات الاقتصادية، أعلن مكتب رئيس الجمهورية العراقية عن توصل اجتماع الرئاسات الثلاثة (مجلس الوزراء، ورئاسة الجمهورية، ومجلس النواب) الإفراج عن جميع المعتقلين الذين تم القبض عليهم على إثر الاحتجاجات الأخيرة.
كما شهدت الأحداث غياب المرجعيات الدينية فرغم دعوة الزعيم الشيعى «مقتدى الصدر» للحكومة العراقية للاستجابة لمطالب المحتجين والتجهيز لانتخابات مبكرة إلا أنه لم يدعو أنصاره للمشاركة في الاحتجاجات. ودعا الصدر أنصار كتلته لمقاطعة جلسات البرلمان. ويعتبر البعض أن هذا الموقف ما هو إلا إثبات وجود للصدر بهدف ضمان استمرار تصدره للساحة. أما عن موقف آية الله «على السيستاني» فلم يدعم الاحتجاجات صراحة، ولكنه عمل على مسك العصا من المنتصف من خلال الدعوة إلى احترام حق المتظاهرين في الاحتجاج السلمى والعمل على حمايتهم وتنفيذ مطالبهم. وقال في خطبة الجمعة: «نأمل أن يغلب العقل والمنطق ومصلحة البلد عند من هم في مواقع المسئولية وبيدهم القرار». وحمَّل السيستانى حكومة «عبدالمهدي» مسئولية غزارة الدماء في صفوف المتظاهرين. وحدد السيستانى مدة أسبوعين للوصول إلى نتائج شفافة حول هذه الدماء، وبالتالى تسارع حكومة عبدالمهدى الزمن للوصول إلى نتائج شفافة إرضاءً للمرجعية الدينية في النجف. وقد صوت مجلس النواب على إدخال تعديل وزارى على حكومة «عبدالمهدي» فيما يتصل بحقائب التربية والصحة والصناعة والتجارة والهجرة.
كما اتهم المحتجون إيران بدعم ميليشيا الحشد الشعبى بقتل المتظاهرين وقنص قوات الأمن إضافة إلى اقتحام العديد من القنوات التليفزيونية مثل مكتب قناة العربية ببغداد. وكذلك تجاوز الميليشيا دورها الأمني لتمارس ضغطًا سياسيًا على الحكومة مثل الضغط على الحكومة لإقالة «عبدالوهاب الساعدي» نائب رئيس المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب، والذى يعتبره العراقيون واحدًا من أبطال الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية.
وكشفت الأحداث الأخيرة الدور الإيرانى وميليشياتها التى عملت على إلصاق طابع العنف بهذه الاحتجاجات تمهيدًا لقمعها خاصة أن المحتجين رفعوا شعارات مناهضة لطهران مثل هاشتاجات «طرد إيران مطلب عراقي»، و«إيران برة برة، بغداد تبقى حرة». وقيام عدد من المتظاهرين بحرق العلم الإيرانى متهمين طهران بدعم الميليشيات لإضعاف الدولة وتقويض دورها في حفظ الأمن.