السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بروفايل

إبراهيم الرفاعي.. أسطورة الجيش المصري

البطل الشهيد إبراهيم
البطل الشهيد إبراهيم الرفاعي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هم خير أجناد الأرض.. هم أبطال مصر الذين يدافعون عن أرضها وسمائها، وأقسموا على بذل الدماء والأروح فداءً لهم.
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.. رجال يقفون كالأسود ليشهد التاريخ أن جيش مصر يحميها ويذود عنها ضد كل عدو تسول له نفسه المساس بها وبشعبها.
قصص وحكايات أبطال الجيش المصري لا تنتهي، فالبطولات تحتاج لمجلدات ومجلدات، وكل بطولة تقشعر لها الأبدان، وقد لا يصدقها عاقل عندما يستمع إلى تفاصيلها، ليس تكذيبا لها، ولكن من خلال استحالة تنفيذ بشر لها، لكن في النهاية يوقن بأن المقاتل المصري لا يعترف بالمستحيل، ويفعل ما لا يخطر على بال دفاعًا عن وطنه.
من هؤلاء الأبطال الأشاوس، البطل الشهيد إبراهيم الرفاعي، أسطورة الجيش المصري.
هو إبراهيم السيد محمد إبراهيم الرفاعي، القائد العسكري الذي أبهر الجميع، كان قائدًا للمجموعة 39 قتال صاعقة خاصة في حرب أكتوبر واستشهد يوم الجمعة 19 أكتوبر 1973- 23 رمضان 1393، بعد أن ضرب المثل في الفدائية والشجاعة في القتال.
ولد "الرفاعي" في قرية الخلالة، بمركز بلقاس بمحافظة الدقهلية في 27 يونيو عام 1931، وقد ورث عن جده والد والدته (الأميرالاي) عبد الوهاب لبيب التقاليد العسكرية والرغبة في التضحية فداءً للوطن، كما كان لنشأته وسط أسرة تتمسك بالقيم الدينية أكبر الأثر على ثقافته وأخلاقه.
التحق "الرفاعي"، بالكلية الحربية عام 1951 وتخرج 1954، وانضم عقب تخرجه إلى سلاح المشاة وكان ضمن أول فرقة قوات الصاعقة المصرية في منطقة (أبو عجيلة)، ولفت الأنظار بشدة خلال مراحل التدريب لشجاعته وجرأته منقطعة النظير.
تم تعيينه مدرسًا بمدرسة الصاعقة، وشارك في بناء أول قوة للصاعقة المصرية، وعندما وقع العدوان الثلاثي على مصر 1956، شارك في الدفاع عن مدينة بورسعيد. 
كانت معارك بورسعيد، من أهم مراحل حياة البطل إبراهيم الرفاعي، إذ عرف مكانه تمامًا في القتال خلف خطوط العدو، وقد كان لدى البطل قناعة تامة بأنه لن يستطيع أن يتقدم ما لم يسير على طريق اكتساب الخبرات وتنمية إمكاناته فالتحق بفرقة "بمدرسة المظلات"، ثم انتقل لقيادة وحدات الصاعقة للعمل كرئيس عمليات.
بعد معارك 1967، وفي يوم 5 أغسطس 1968، بدأت قيادة القوات المسلحة في تشكيل مجموعة صغيرة من الفدائيين للقيام ببعض العمليات الخاصة في سيناء، باسم فرع العمليات الخاصة التابعة للمخابرات الحربية والاستطلاع كمحاولة من القيادة لاستعادة القوات المسلحة ثقتها بنفسها والقضاء على إحساس العدو الإسرائيلي بالأمن، وبأمر من مدير إدارة المخابرات الحربية اللواء محمد أحمد صادق وقع الاختيار على البطل إبراهيم الرفاعي لقيادة هذه المجموعة، فبدأ على الفور في اختيار العناصر الصالحة.
كانت أول عمليات هذه المجموعة، نسف قطار للعدو عند مدينة الشيخ زويد ثم نسف مخازن الذخيرة، التي تركتها قواتنا عند انسحابها من معارك 1967، وبعد هاتين العمليتين الناجحتين، وصل لإبراهيم خطاب شكر من وزير الحربية على المجهود الذي يبذله في قيادة المجموعة.
كانت نيران المجموعة أول نيران مصرية تطلق في سيناء بعد نكسة 1967، وأصبحت عملياتها مصدرًا للرعب والهول والدمار على العدو الإسرائيلي أفرادًا ومعدات، ومع نهاية كل عملية كان إبراهيم يبدو سعيدًا كالعصفور تواقا لعملية جديدة، يبث بها الرعب في نفوس العدو.
مع الوقت كبرت المجموعة التي يقودها البطل وصار الانضمام إليها شرفًا يسعى إليه الكثيرون من أبناء القوات المسلحة، وزادت العمليات الناجحة ووطأت أقدام جنود المجموعة الباسلة مناطق كثيرة داخل سيناء، فصار اختيار اسم لهذه المجموعة أمر ضرورى، وبالفعل أُطلق على المجموعة اسم المجموعة 39 قتال، وذلك في يوم 25 يوليو 1969، واختار الشهيد البطل إبراهيم الرفاعي شعار رأس النمر كرمز للمجموعة، وهو نفس الشعار الذي اتخذه الشهيد أحمد عبد العزيز خلال معارك 1948.
وكان هؤلاء الأبطال يعيشون حياة خاصة، فبعد كل عملية كأنهم ولدوا من جديد، وكانوا ينزلون في إجازة ولكن بعد الثغرة عادوا إلي مقرهم وتوقعوا أن يحصلوا على إجازة ولكنهم وجدوا الرفاعي وقد سبقهم وفوجئوا أن هناك سلاحا تم صرفه لهم وكله مضاد للدبابات وكانت الأوامر أن يحملوا السلاح علي السيارات، ويعودون مرة أخرى إلى الإسماعيلية ودخلوا الإسماعيلية ورأوا الأهوال مما كان يفعله الإسرائيليون بجنودنا من الذبح وفتح البطون والعبور فوق الجثث بالدبابات، وكان العائدون من الثغرة يسألونهم:" أنتم رايحين فين؟"، وكانوا يسأولون أنفسهم هذا السؤال.
وفي العملية التي استشهد فيها الرفاعي، كان يجلس أحد رفقائه في آخر سيارة وكانت سيارة الذخيرة، وكان ذلك خطر لأن أي كمين يقوم بالتركيز على أول سيارة وآخر سيارة، ورأى أحد السائقين 3 مواسير دبابات إسرائيلية تختفي وراء تبة رمال وكانوا ينتظرونهم، وبعد أن رأوهم متجهين لمطار فايد، وأبلغوا السائق باللاسلكي وصدرت الأوامر بالتراجع فنزل هذا البطل من السيارة بسرعة، لأنهم كانوا يسيرون فوق "مدق" وحوله رمال وكان الإسرائيليون يزرعون الألغام بتلك الرمال، فحاول توجيه السائق حتى لا ينزل إلى الرمال وهو يدور بالسيارة ولكن السائق رجع بظهره بسرعة ووراؤه بقية السيارات، وعاد الجميع للإسماعيلية، وجاء أمر بأن تعود القوة لفايد مرة أخرى فعادوا وودعوا بعضهم البعض، قبل الدخول، لأنهم أيقنوا أنهم قادمون علي الموت، ودخلت السيارات تحت الشجر وترجل الجميع ومعهم الأسلحة وقرروا أن يفعلوا شيئًا ذا قيمة قبل أن يفارقوا الحياة، وفوجئ اليهود بما ليس في بالهم وبدأ الجميع في التدمير، وصعد أربعة منهم فوق قواعد الصواريخ وكان "الرفاعي" من معهم، وبدأوا في ضرب دبابات العدو، وبدأ الإسرائليون في البحث عن القائد الذي يفعل كل هذا، حتى لاحظوا أن الرفاعي يعلق برقبته ثلاثة أجهزة اتصال فعرفوا أنه القائد وأخرجوا مجموعة كاملة من المدفعية، فقفز الجميع من فوق قاعدة الصواريخ إلا "الرفاعي"، وحاول أحد زملائه أن يسحب يده ليقفز ولكنه رفض أن يقفز وظل يضرب في الإسرائيليين حتى أصابته شظية، فأنزله زملاؤه وطلبوا أن تحضر لنا سيارة عن طريق اللاسلكي وكنا نشك أن أي سائق سيحضر، ولكن حضر سائق اسمه سليم بسرعة بالسيارة ووضعنا الرفاعي فيها ولكن السيارة غرزت في الرمال فنزل السائق وزميله لدفعها ودارت السيارة ولم تتوقف من شدة الضرب الموجه عليها، وتعلق الجميع في السيارة، وكان الرفاعي عادة ما يرتدي حذاء ذا لون مختلف عن بقية المجموعة، وعندما رأي زملاؤه حذاؤه أبلغوا باللاسلكي أن "الرفاعي"، أصيب وسمعهم اليهود وعرفوا الخبر وكانت فرحتهم لا توصف حتى أنهم أطلقوا الهاونات الكاشفة احتفالاً بالمناسبة.
وفي مستشفى الجلاء، حضر الطبيب وكانت الدماء تملأ صدر "الرفاعي"، وقال الطبيب للموجودين معه :" أدخلوا أبوكم" فأدخلناه غرفة العمليات، ورفضوا أن يخرجوا، فنهرهم الطبيب، فطلبوا منه أن ينظروا إليه قبل أن يخرجوا فقال أمامكم دقيقة واحدة، فدخل الجميع إليه وقبلوه في جبهته، وأخذ رفيقه مسدسه ومفاتيحه ومحفظته، ولم يستطع أحد أن يتماسك، لأنهم علموا أن "الرفاعي"، استشهد صائماً، فقد كان يأمر الجميع بالإفطار، ويرفض أن يفطر.