السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مداخل مبتكرة لتطوير المحتوى الصحفى (7)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أصبحنا كل يوم بصدد استحداث تقنيات حديثة تفرض علينا مصطلحات إعلامية جديدة، الأمر الذى حدا بنا إلى الغور في أعماق تلك المصطلحات والتقنيات والتوسع في دراستها ومعرفة أهميتها، بما يتناسب مع عظم الآلية وفوائدها، وعلى هذا الأساس تسعى الباحثة إلى رصد وتفسير وتحليل الاتجاهات الحديثة المستخدمة في المعالجة البصرية للأزمات في الصحافة المصرية والأجنبية، ودراسة مدى تأثير تلك الاتجاهات على قيمة التغطية الإخبارية من خلال المقارنة بين توظيفها واستخدام الوسائل التقليدية الأخرى.
وقد تبين لنا أن واحدة من هذه الاتجاهات هى صحافة الدرون، والتى تعرف أيضًا باسم «الدروناليسم» Dronalism اختصارًا لكلمتيْ «درون» و«جورناليسم» Journalism أى الصحافة. وتعتبر صحافة الدرون، الصحافة التى تعتمد في التغطية والمعالجة على استخدام طائرات الدرون، والدرون هو مصطلح يطلق على الطائرات دون طيار، والتى عرفتها إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية باسم «أنماند إيريال فيكلز» «Unmanned Aerial Vehicles» أى الأجهزة الهوائية غير المأهولة وتختصر بحروف «UAV». وقد أدى التغير في تكنولوجيا الدرون والتطور التقنى الذى لحق بهذه الآلة خلال القرن الواحد والعشرين إلى تطور استخدام الدرون في مجالات عدة منها الصحافة.
ويعد توظيف الدرون في التغطية والمعالجة الصحفية من الأمور المستحدثة في المؤسسات الصحفية العالمية، وقد بدأت المؤسسات في توظيف تلك التقنية لما لها من قيمة كبيرة وأهمية في عرض الأحداث وجمع المعلومات بطريقة فريدة من نوعها. فصار من السهل على الصحفيين سرد الخبر بطريقة لم نعهدها من قبل، كما أن استخدام الدرون سهل من عملية جمع المعلومات عن طريق التقاط لقطات لأماكن كان يصعب الوصول إليها، فجاءت هذه الآلة لتقوم بتنفيذ هذه العملية بصورة أيسر وأسرع وبتكلفة أقل.
وقد تم الاعتماد على تقنية الدرون في عديدٍ من المؤسسات الصحفية، فبدأت «بى بى سي» في استخدامها منذ عام 2013، حتى أصبحت تملك فريق عمل متخصصا في صحافة الدرون، وفى عام 2016 أصدرت الإدارة الفيدرالية للطيران قواعد تسمح للصحفيين غير الحاصلين على رخصة طيار باستخدام الطائرات دون طيار، وبناءً عليه قامت «سى إن إن» CNN في العام نفسه بالإعلان عن تدشين قسم «سى إن إن إير/ CNN AIR» المختص بعرض تغطية صحفية للأخبار عن طريق المشاهد الملتقطة عن بُعد سواء أكانت صورًا ثابتة أم تقارير فيديو مصورة، ويعتمد هذا القسم في الأساس على استخدام طائرات الدرون.
وفى مصر، يقوم موقع «دوت مصر» الإخبارى، باستخدام الدرون لعرض مشاهد لمحافظات مصر المختلفة تحت سلسلة بعنوان «شوف مصر من فوق»، حيث قام الموقع بعرض مشاهد عن طريق استخدام الدرون مثل مشاهد من مدينة العلمين، ولقطات مصورة لمدينة دمياط، ولشوارع المهندسين... وغيرها، وجاءت هذه السلسلة المصورة في إطار تنشيط السياحة والبحث عن كل ما هو جديد وتقديمه للجمهور، وفى ذلك اعتمدت «دوت مصر» على كاميرا الدرون لإبراز المعالم التاريخية المصرية وعرض المناطق السياحية المختلفة الموجودة على مستوى المحافظات المصرية.
ولم يقتصر استخدام الدرون في تلك المؤسسات فقط، بل بدأت فكرة توظيفه في الصحافة تنتشر في البلدان الأجنبية والعربية، فمثلًا في أبريل 2019، تمت مناقشة مستقبل العمل الإعلامى لصحافة الدرون في مؤتمر نظمه نادى دبى للصحافة، بالتعاون مع جامعة «مردوخ» الأسترالية في دبى، وخلال هذا المؤتمر تم طرح العديد من المحاور المتعلقة بسلبيات وإيجابيات استخدام صحافة الدرون وإجراءات السلامة والمعايير الأخلاقية التى يجب توافرها عند استخدام تلك التقنية المستحدثة.
ومع دخول تكنولوجيا الدرون في عالم الصحافة، أصبح من الممكن الاعتماد عليها في عمل تقرير مصور كامل عن موضوعات مختلفة، مثل تغطية أماكن الصراعات والنزاعات، وأماكن الكوارث الطبيعية والحوادث، وصولًا إلى أخبار كان من الصعب على الصحيفة الحصول عليها. ومن هذه الأحداث التى تم تغطيتها باستخدام الدرون كان زلزال نيبال عام 2015، حيث اعتمدت بعض المؤسسات الصحفية مثل «سى إن إن» CNN و«إن بى سي» NBC، على تقنية الدرون لتغطية الزلزال وتوابعه، واعتبر هذا الزلزال واحدًا من الكوارث الطبيعية الضخمة، والذى نتج عنه مصرع نحو تسعة آلاف شخص وإصابة اثنين وعشرين ألفًا آخرين. ومع إدخال تكنولوجيا الدرون في التغطية الصحفية لأحداث هذا الزلزال، كان من السهل الحصول على لقطات متنوعة لما نتج عنه من تدمير للبيوت وموت أشخاص عدة، فتمكن فريق العمل من إرسال الدرون في وقت لا يتجاوز الخمس دقائق لتقصى الأحداث، في حين أنه للوصول إلى الموقع نفسه عن طريق السيارة كان الأمر سيتطلب أكثر من ثلاث ساعات.
وفى مثال آخر لاستخدام تقنية الدرون، قامت «سى إن إن» CNN عام 2014، بعرض توابع إعصار «هايان» المدمر، الذى ضرب الفلبين، ونتج عنه وفاة أكثر من ستة آلاف وخمسمائة شخص، ودمار هائل في مدينة «تاكلوبان» الفلبينية، وقد أظهر التقرير لقطات عن بُعد لتوابع الإعصار في نوفمبر 2013، ومقارنتها بلقطات أخرى تم تصويرها في مايو 2014، للإصلاحات التى تمت في البلاد، وتم الاعتماد على الدرون في إنتاج هذا التقرير.
وعلى الرغم من توجه الصحف نحو استخدام الدرون كآلية جديدة في الصحافة؛ فإن هذا الاستخدام تم الحد منه نوعًا ما تحت أطر قانونية وأخلاقية؛ حيث تم وضع قوانين مختلفة لتنظيم استخدام الدرون في معظم الدول العربية والأجنبية، وذلك لما يراه البعض من خطورة في استخدام تلك الآلية، سواء من ناحية خصوصية الأفراد أو للحفاظ على الأماكن العسكرية المحظور تصويرها، وضيقت تلك القوانين النطاق على المؤسسات الصحفية في استخدامها لصحافة الدرون، وعلى الرغم من ذلك تستمر المؤسسات الصحفية والتعليمية في اكتشاف هذا الاتجاه الجديد في المعالجة الصحفية ومحاولة توظيفه متى أمكن.
من هنا تتحدد مشكلة الدراسة المهمة التى تجريها الباحثة أمل منير كامل المدرس المساعد بكلية الإعلام جامعة الأهرام الكندية، تحت إشرافنا بكلية الإعلام جامعة القاهرة، في رصد وتحليل وتفسير التطورات والاتجاهات الحديثة الخاصة بالتغطية البصرية والمرئية للأزمات، وكيفية معالجة تلك الأزمات بشكل متطور يواكب العصر التكنولوجى الذى نعيش فيه، فجاءت فكرة صحافة الدرون وما توفره من زاوية عرض جديدة في قائمة تلك الاتجاهات الحديثة لاعتبارها أداة متطورة تحاول شق طريقها في عالم الصحافة وتسعى لخدمته.
ولا يزال لدينا في جعبتنا بعض المداخل المبتكرة لتطوير المحتوى الصحفى.