الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

وجدي الأهدل يتحدث لـ"البوابة نيوز": "التعبئة" مجموعة قصصية تفضح 14 شخصية ديكتاتورية حول العالم.. والحرب فى اليمن تنتهى عندما يتفق السياسيون على أن أهم أولوياتهم الإنسان.. مشروع رواية جديدة عن الحرب

 الروائى والكاتب
الروائى والكاتب المسرحى اليمنى وجدى الأهدل
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

عشق الروائى والكاتب المسرحى اليمنى وجدى الأهدل، الكتابة منذ الصغر، وتعد تجربته الأدبية مغايرة استطاع أن يلهم بها العديد من أبناء جيله، وتحولت روايته «بلاد بلا سماء» إلى مسرحية قدمت فى لندن وحققت نجاحا كبيرا. تعرضت روايته الأولى «قوارب جبلية» للمصادرة عام 2002، وأغلقت دار النشر، وأحيل المؤلف إلى النيابة العامة للتحقيق معه، وبسبب حملة إعلامية غير مسبوقة من التيار المحافظ، اضطرته إلى مغادرة البلاد، ثم استمرت محاكمته غيابيا، وكذلك محاكمة الناشر، وفى ديسمبر من العام نفسه توسط الروائى الألمانى جونتر جراس الحائز على جائزة نوبل، لدى الرئيس اليمني، وطالب بعودة الروائى وإسقاط الدعوى القضائية المرفوعة ضده، واستجاب رئيس الجمهورية آن ذاك على عبدالله صالح لوساطة جراس فى ذلك الوقت، وأمر بإغلاق ملف القضية والسماح للكاتب بالعودة إلى وطنه مرة أخرى.

وصلت روايته «فيلسوف الكرنتينة» إلى القائمة الطويلة فى جائزة البوكر للرواية العربية فى دورتها الأولى 2007، كما وصلت روايته «أرض المؤامرات السعيدة» إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب فرع الآداب، فى دورتها الثالثة عشرة 2018- 2019، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات بينها الإنجليزية، الكورية، الإيطالية، الفرنسية، الروسية، والألمانية، وغيرها.

نال الأهدل العديد من الجوائز والتكريمات، بينها المركز الأول فى مجال التأليف المسرحى فى مهرجان الشباب العربى التاسع بالإسكندرية 1998 عن مسرحية «زفاف العقيد»، وجائزة رئيس الجمهورية للشباب فى مجال القصة القصيرة 1999، وغيرها.

التقت «البوابة» بالروائى اليمنى، لكى يفتح قلبه ويتحدث عن كتابه الجديد، وما يختص بالشأنين الثقافى والسياسى.


لجأ قلم المؤلف فى قصص «التعبئة» إلى الحديث عن ١٤ شخصية بالتحديد لزعماء ورؤساء بعض الدول، هل هناك سمة نفسية وذاتية تجمع بين هؤلاء الأشرار غير ارتكاب جرائم ضد الشعوب؟

- نعم، لقد اخترتهم تحديدًا دون سواهم لأن فى ماضى طفولتهم مأساة معينة عكست نفسها فيما بعد على أسلوبهم فى الحكم، فعلى سبيل المثال الدكتاتور الكمبودى «بول بوت» تسببت سياساته فى وفاة ثلث الشعب ونزوح ثلث آخر إلى الدول المجاورة، والثلث المتبقى من الشعب عانى سوء التغذية، وهذا لأنه طبق برنامجًا اشتراكيًا غبيًا، تمثل فى نقل سكان المدن إلى الريف، وتوطين سكان الريف فى المدن! ونتج عن هذا الفعل الأحمق مجاعة خطيرة، فسكان المدن لم يكونوا يعرفون شيئا عن الزراعة فتراجع حجم المحاصيل، وسكان الريف لا يمتلكون أى خبرة فى أعمال البناء والخدمات، فانهارت الشبكة الاجتماعية، فإذا رجعنا إلى طفولة هذا الدكتاتور سوف نفهم سبب نقمته على سكان المدن فوالده كان فلاحًا أجيرًا عند إقطاعى يعيش فى المدينة، ورأى وهو طفل هذا الإقطاعى المتغطرس يضرب ويهين والده فى مناسبات عديدة.


رواية «قوارب جبلية» أحدثت جدلا كبيرا فى الوسط الثقافى العربى عند صدورها إلى أن تمت مصادرتها وغلق دار النشر وصدور حكم غيابى ضدك، حدثنى عن هذه الأزمة؟

- جرت العادة فى اليمن أن الطبقة السياسية لا تقرأ الأدب المحلي، ولماذا يأبهون بالأدب المحلى وهم مسيطرون على كل شيء؟! والفكرة أن السياسى اليمنى ينظر باستخفاف شديد إلى الشعراء والكُتاب ويرى أنهم زمرة من المساكين الذين لا حول لهم ولا قوة، وهناك قول منسوب إلى الرئيس السابق على عبدالله صالح مفاده بأنه يستطيع شراء أى مثقف بخمسين ألف ريـال، لذلك أردت كتابة رواية هجائية تنتقد هذه الطبقة السياسية بمختلف أطيافها من السلطة إلى المعارضة، ومن أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وهذا ما لاحظه كل قراء الرواية، ولكن ما لم أتوقعه هو أن تخرج السلطة من حالة اللامبالاة وتثور ثائرتها، والنسخ التى صودرت من دار النشر تسربت كلها إلى أيدى وزراء ومسئولين فى الدولة، وتم بيع نسخ مصورة من الرواية بأعداد هائلة، وبالطبع أدوات النظام لم تسكت، فاستدعيت إلى النيابة للتحقيق معى ومع الناشر نبيل عبادى، وكذلك مع الكاتب صالح البيضانى الذى أجاز العمل للنشر، وأُغلقت دار النشر، وجرت حملة تشويه فى وسائل الإعلام الحكومية، وحملة تكفير فى المساجد، فلم يكن أمامى من خيار وصار الشارع العام يغلى من التحريض سوى المغادرة إلى المنفى، بعدها بستة أشهر تمكن الروائى الألمانى «جونتر جراس» من التوسط لدى رئيس الجمهورية- على عبدالله صالح- وانتزع منه قرارًا بسحب الدعوى القضائية المرفوعة من وزارة الثقافة والسماح للكاتب بالعودة إلى وطنه وحمايته.


فى رواية «بلاد بلا سماء» قدمت السائق والرجل الهرم وعمال بناء متحرشون ألا تخش الاتهام بتقديم صورة سيئة للمجتمع، وهل هذه الصورة فعلا ما زالت متلبسة بالمجتمع العربى دون تطور؟

- نعم لقد قيل عنى ذلك وأكثر، بل قيل إننى أُشوه المجتمع اليمنى لأجل أن يترجم العمل إلى اللغات الأجنبية وينال رضا القارئ الغربي، وكجواب على هؤلاء سأضرب لهم هذا المثل: المرأة العربية المسلمة عندما تمشى فى شوارع لندن لا أحد يتحرش بها، ولكنها إذا مشت فى شوارع دولة عربية مسلمة فإنها لن تسلم من التحرش، العربى مع الأسف مثل النعامة يهرب من مشكلاته بدس رأسه فى حفرة لكيلا يراها.

تقول فى روايتك «عندما تكون البنت فى سنوات الشباب، فإنها تعد دون شك العدو رقم واحد للمجتمع» كيف ترى أزمة الأنثى؟ وما رأيك فى تظاهر المجتمع بالفضيلة، حيث تعد الفتاة الناضجة والجميلة عدوا وفى نفس الوقت يتمناها فى سره؟

- الأنثى فى منطقتنا ضحية للنفاق الاجتماعي، مرة كنت أمشى بصحبة صديق إيطالى فى شوارع صنعاء، وطرح على هذا السؤال «اليمنيون يشربون الخمور فلماذا لا توجد محلات لبيعه؟». أجبته أن اليمنى يشرب الخمر فى السر ولكنه فى العلن يتظاهر بأنه لا يشرب، سألنى مرة أخرى «اليمنيون يحبون النساء فلماذا لا يبيحون الاختلاط؟» قلت فى نفسى لعله لاحظ كيف يشتهى الرجال كل امرأة تعبر فى الشارع، فأجبته بأن البعض يريد أن يمارس الرذيلة فى السر، لكنه فى العلن يتظاهر بأنه ضد العلاقات الجنسية المفتوحة. لقد اتضح لى من خلال هذا النقاش أن المجتمع الأوروبى يقوم على الوضوح والصدق، وأن المجتمع العربى يقوم على النفاق والكذب.


بعد حرب اليمن هل ما زالت الدولة هى اليمن السعيد؟ وكيف ترى مستقبل اليمن؟

- فى الألف الأولى قبل الميلاد عُرف اليمن بهذا المسمى لأنه كان دولة ثرية- كدول الخليج فى وقتنا الحاضر- من تصدير البخور، والطيوب، والمر، واللبان، التى كانت ضرورية آنذاك لإقامة الشعائر الدينية فى المعابد، لكن انتشار الديانات التوحيدية أدى إلى تدهور تجارة البخور وانخفاض الطلب عليه، ففقد اليمن مركزه التجارى المزدهر، ومستقبل اليمن مرهون بتصدير سلع يحتاجها العالم، كالبن مثلا، لأن الازدهار الاقتصادى هو ضمانة استقرار المجتمع وتماسكه.

من وجهة نظرك كيف يمكن إنهاء الحرب فى اليمن؟

- الحل هو إعادة ترتيب الأولويات بحيث يصبح الإنسان هو القيمة الأسمى، لا بد أن يتفق السياسيون على أن «الإنسان» هو الهدف النهائى لكل تسوية سياسية مقبلة، والمغزى أن نحترم الحياة الإنسانية ولا نفرط بها تحت أى مسمى أو مبرر، لقد جاء الدين من أجل «الإنسان» وليس العكس، والأمر نفسه ينطبق على النظريات السياسية وأيديولوجيا الأحزاب، وعندما نحترم الإنسان وحقوقه، فإن الأمور ستسير فى مجراها الطبيعي، وسوف يمكن حل المشكلات العويصة عن طريق الأخذ برأى المواطنين عبر الانتخابات أو الاستفتاءات.

كيف أثرت أزمة ما يعرف بالربيع العربى على الرواية العربية؟

- لقد حدثت طفرة فى الكم، ولكن الطموح الفنى فى التجديد تراجع كثيرًا، أحيانًا الأحداث التاريخية الجسام تجبر الفن على التراجع خطوة للخلف.. بمعنى أن «الموضوع» يطغى ويحتل أهمية قصوى، فيكف المؤلف عن التأمل فى الشكل وعن محاولة الخروج على القواعد المتفق عليها فى النوع الأدبى الذى يُزاوله.


كيف ترى الجوائز العربية فى الوقت الراهن؟ ولماذا لا نجد روايات حققت نجاحا عالميا بعد نجيب محفوظ؟

- بالنسبة للجوائز العربية لاحظت أنها تركز على موضوع الرواية، هذا ليس شيئًا، ولكن الأفضل التركيز على الجانب الفنى فى الرواية، وهذا هو الجانب الضعيف فى الأدب الروائى العربي. لقد حققت رواية أمريكا اللاتينية نجاحًا ساحقًا حول العالم بسبب تقديمها أدوات فنية جديدة فى كتابة الرواية، ربما يكون «الموضوع» فى الرواية العربية قويًا، ولكن هذا لا يكفي، لا بد أن يكون مركز الثقل فى العمل الروائى هو الأسلوب الفنى الذى كُتبت به الرواية، بالنسبة للروائى المصرى نجيب محفوظ لديه عبقرية واضحة فى تنويع أساليبه الفنية، من «زقاق المدق»، «خان الخليلي»، «الثلاثية» إلى «أولاد حارتنا» التى بلغت ذروة الكمال الفني، ولا أرى أى روائى عربى قد تمكن من تجاوز هذه الرواية فنيًا.

هل عبر الأدب اليمنى عن المعاناة التى يعيشها اليمن الآن؟

- لقد صدرت بالفعل كتب أدبية يمنية تتناول موضوع الحرب الجارية، منها أعمال لمروان الشريفي، محمد السقاف وغيرهما، ولا شك عندى أن هناك العشرات من الأدباء ومن مختلف الأجيال يعملون الآن على هذا الحدث التاريخى الضخم، فإن الأدب يحتاج أن يأخذ مسافة كافية عن الحدث لكى يتعامل معه برؤية واضحة ويستكشف أعماقه، فى هذه المرحلة يمكن لكُتاب الرأى الإدلاء بدلوهم، لأن الحدث لا يزال طريا، ويحتاج إلى مواكبة تحليلية، فإذا انطفأ الحدث وخفتت تفاعلاته المباشرة حينها يحين دور الأدب ليقول كلمته.

من وجهة نظرك كيف يمكن الحد من مافيا سرقة الأعمال الأدبية فى الوقت الراهن؟

- لا أدرى إن كنت قد فهمت سؤالك على نحو صحيح، ولكن إن كنت تقصد الطبعات المزورة من الكتب، وكذلك النسخ الرقمية المجانية المقرصنة المتاحة على شبكة الإنترنت، فهذه سرقة علنية للمؤلف العربي، وهى أيضًا خسارة مادية مؤذية للناشر، وستؤدى فى نهاية المطاف إلى إفقار الأول وإفلاس الثاني. إذا افترضنا أن هناك كاتبًا عربيًا تعرضت كتبه للقرصنة وتم تحميلها مجانًا فى نسخ pdf نحو مليون مرة، فلنا أن نتخيل لو أن هذه النسخ كانت قانونية وله عائد نحو دولار واحد من كل نسخة، فهذا يعنى أنه سيمتلك ثروة تمكنه من التفرغ للكتابة كما هو حاصل فى الدول المتقدمة، والحل هو تشديد قوانين حقوق الملكية الفكرية فى كل الدول العربية، لكى يحصل المشتغلون بشئون الفنون والآداب والثقافة على العوائد المالية المستحقة لهم التى جنوها بعرق جبينهم.

هل هناك مشروع أدبى تعمل عليه يروى معاناة اليمن؟

- أعمل الآن على مشروع رواية من وجهة نظر كهل يعانى من العنوسة! رواية عن الحرب التى قتلت كل الإناث اللواتى حاول أو رغب فى الارتباط بهن وإكمال مشوار حياته مع واحدة منهن.