الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أكتوبر ومعركة تزييف الوعي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تقبل إسرائيل التشكيك في كل شيء وأى شخص، وزير أو رئيس وزراء يُحاكم بتهم فساد مالي، رئيس دولة يُسجن بتهمة التحرش، وإذا اضطرها الأمر قد تقبل التشكيك في بعض مؤسساتها حتى لو كانت مخابراتية، ما لا تقبل إسرائيل التشكيك فيه بأى حال من الأحوال هو جيشها.
هى كيان قائم على القوة الغاشمة واحتلال الأراضى وإحلال «شعب» محل آخر، وذراعها في ذلك هو الجيش الإسرائيلي، وإذا فقد مستوطنو هذا الكيان ثقتهم في جيشه، ستكون بداية النهاية.
لذا تسعى إسرائيل منذ هزيمتها في أكتوبر 1973 للحفاظ على ما تبقى من «كرامتها» العسكرية، بمعركة تزييف وعي، حتى لو وصل الأمر للتشكيك في دقة عمل جهازها الاستخباراتي، على مدى 40 عامًا ويزيد، تواصل إسرائيل تشكيكها في الانتصار العسكرى المصري، عبر مسارين متوازيين، الأول: الادعاء بأن الهزيمة سببها معلومة استخباراتية لم تصل في موعدها الصحيح، والثاني: أن جيشها نجح في قلب موازين القوى في نهاية المعركة.
تحاول إسرائيل إبعادنا عن حقيقة أن جيشها الذى لا يقهر قد قُهر، وذراعها الطولى قُطعت، ورأسها المغرور مُرغ في التراب تحت بيادة الجيش المصري، وتُغفل إسرائيل عن عمد أن المفاجأة الكبرى لم تكن في موعد الهجوم فقط، إنما في بسالة وشجاعة وكفاءة الجندى المصرى في استخدامه السلاح.
في التحقيقات التى أجريت في إسرائيل في أعقاب الحرب، اعترف قادة العدو بأن تقديرهم للجندى المصرى كان تقديرًا خاطئًا تمامًا، حاييم بارليف كان يرى الجندى المصرى غير عصري، وموشى ديان كان يرى أن 300 دبابة قادرة على صد أى هجوم مصري، أما تسيفى زامير رئيس الموساد، فقال إن أحد ضباطه بلغ من استخفافه بالجيش المصرى أن قال له: ضع كل المظليين المصريين على قمة جبل وسلحهم بالصواريخ وأعطنى دبابتين فقط وسأقضى لك عليهم.
ما لا تريدنا إسرائيل أن نراه، وما لا تريد للأجيال المقبلة أن تعرفه، هو حقيقة ما حدث، والحقيقة أن ما انهار تحت أقدام جنود الجيش المصرى ليس فقط جهاز استخباراتي، بل ما أشارت بعض التقديرات العسكرية أنه يحتاج لقنبلة ذرية، كى يحدث له ما حدث.
ثلاثة موانع وحصون اختبأ جيش إسرائيل المقهور وراءها، مانع مائى هو قناة السويس، ساتر ترابى ارتفاعه يصل إلى 22 مترًا «نحو 7 طوابق» وانحداره بزاوية 45 درجة، كان على الجندى المصرى أن يتسلقه وهو يحمل سلاحا يتجاوز وزنه، إلى جانب صواريخه ومدافعه، بعد عبوره بالقوارب المطاطية.
إلى جانب مانع خط بارليف الذى تبدأ تحصيناته من تحت الساتر الترابى ومياه القناة بأنابيب نابالم، كانت معدة لتحويل مياه القناة لنار، ومن هذه الأنابيب يمتد خط بارليف في عمق سيناء لمسافة 12 كيلومترا، وعلى طول القناة بمسافة 170 كيلومترا، ويضم مناطق ألغام وأسلاكًا شائكة ودشمًا يصل عمقها في الأرض إلى أربعة طوابق، و22 موقعا دفاعيا، ومصاطب ثابتة للدبابات والمدافع، إلى جانب 36 نقطة حصينة.
على كل حال، إسقاط الموانع الثلاث، ما كان ليمنعه توقيت وصول معلومة استخباراتية، فقوة الحصون التى انهارت أقوى بكثير من أى قوات احتياط كان من الممكن استدعاؤها، وبهذه المناسبة من المهم التنويه، إلى أن أى حديث عن عدد الكيلومترات التى توغل فيها الجيش المصرى في سيناء خلال الحرب، هو حديث غير ذى معنى، فالمعركة الحقيقية كانت عبور الموانع الثلاث، أما بعد ذلك فالمواجهة مباشرة، وهذا النوع من المواجهات لا يجيده جيش العدو، الذى كانت تقوم نظريته الأمنية على فكرة «الحدود الآمنة».
وإلى جانب سعيها لتحويل الهزيمة إلى مخابراتية وليست عسكرية، عملت إسرائيل وعملاؤها على اختراع انتصارات زائفة، في ذكرى النصر شاهدت برنامجًا على إحدى القنوات الإخوانية، يبث سمومه الصهيونية مدعيًا أنه إذا كان الجيش المصرى عبر القناة فالجيش الإسرائيلى فعلها في نفس الحرب، في إشارة إلى الثغرة.
والحقيقة أنه لا يمكن المقارنة بين العبورين، فالعبور المصرى تم لجيش كامل أسقط ثلاثة موانع وتحصينات، ولم يكن عبور متسلل لوحدة إسرائيلية لم تواجه نابالم ولا ساترا ترابيا ولا خط بارليف، وحدة إسرائيلية عبرت فحوصرت، ودمرت دباباتها، وأصبح قائدها (شارون) ذليلًا ينتظر أى وقف لإطلاق النار ينقذه مما هو فيه.
على مدى نصف قرن تواصل إسرائيل تزييفها للنصر العسكرى المصري، لتحافظ على ثقة شعبها في جيشها، ولتهز ثقة شعبنا في جيشنا، فأرجو الانتباه.